عفوًا.. فالآن مصر وحدها هى مَن تكتب التاريخ فى هذه المنطقة من العالم
«١»
ربما يكون مشروعًا تمامًا أن يتوق مواطنو بعض الدويلات هنا أو هناك للتشبث بأى مشهد من شأنه أن يصنع تاريخًا أومجدًا- من أى نوع- لمن لا تاريخ أو مجد له.
فهولاء معذورون وتوقهم لبروزة مشهد هنا أو صورة هنا كمن أجل نيل مجد ما من وجهة نظرهم هو توق محمود وينم عن انتماء وطنى ليس من حق أحد إنكاره على آخرين.
لكن ما يستحق التوقف أمامه، وربما تحويله إلى قاعات البحث النفسى والمعرفى، هو أن يقوم بذلك بعض المصريين بشكل أقرب إلى الملهاة.
«٢»
مسلمون أدركتهم صلاة الجمعة فافترشوا الأرض أينما كانوا وأقاموا الصلاة، بشكل طبيعى تمامًا كما يحدث ملايين المرات فى أماكن العمل والمساجد والأزقة فى مصر وفى أى بلد يدين أهله بديانة الإسلام... مشهد روتينى فجأة تجده ينتشر بين صفحات مصريين تحت عنوان بارز… «دولة س .. تكتب التاريخ!».
فما هو التاريخ فى أن يؤدى مسلمون صلاة الجمعة فى أى مدينة فى شبه جزيرة العرب؟! وما هو الفتح المبين فى ذلك؟!
هل لأن هذا المشهد لم يتكرر مثلًا فى ملاعب روسيا فى النسخة الأخيرة من البطولة؟! ألم يعرفوا أن روسيا لم تعتنق الإسلام بعد؟!
«٣»
لاعب كرة متهم فى ولائه الوطنى لبلاده وثبت يقينًا انتماؤه وتمويله لجماعة إرهابية ملوثة بدماء مصريين مدنيين وعسكريين وشرطيين يصر على تديين بطولة كرة قدم ويسير خلفه مصريون دون أن ينتبهوا أنها محاولة للفرار مما علق برقبته..
محاولة مستميتة لارتداء ثوب قديس دينى فى محفل رياضى..لا بأس فلنلق الرياضة جانبًا ولنسأل:
هل إسلامك أمرك بالمشاركة بمالك فى سفك الدم الحرام؟!
هل إسلامك أمرك بالكذب؟ بخيانة الأوطان؟
إننى أبشرك بفشل محاولاتك وأن هزيمتك قاب قوسين أو أدنى وأن كل تلك المحاولات لن تطهرك.. فجموع المصريين لن تنسى ولن يمكنك خداعها.. ولن يزول عن رقبتك هذا الطوق الذى قمت بإحكامه بنفسك..
ولن يزول أبدًا إلا بعد التطهر الكامل الذى يعنى تسليم نفسه لعدالة القانون لكى يسدد ثمن ما اقترفت يداه!
«٤»
ما هو التاريخ والمجد فى محاولة افتعال بطولات دينية فى بطولة كرة قدم؟!
إن التاريخ الرياضى الحقيقى والمجد الحقيقى الذى يتناغم مع الحدث هو ما حصده كل فريق وسطره من إنجاز فى المباريات الرياضية التى خاضها..
المجد الحقيقى فى الرياضة هو منصات التتويج والنجاح فى رفع العلم الوطنى لبلادك وعزف سلامها الوطنى!
فأين ذلك المجد وذلك التاريخ الذى كتبته تلك الدولة والذى جعل بعض المصريين تتدلى ألسنتهم انبهارًا؟!
دأب هذا اللاعب على التعريض بمصر طوال السنوات الماضية وكرر عبارته الكاذبة الكالحة .. أن من آووه واستخدموه ضد بلاده قد استثمروا فى البشر لا الحجر!
فأين هذا الاستثمار فى البشر مع تلك النتائج؟، ومع حقيقة أن كل ما تم تشييده إنما تم بأيدٍ وخبرات وتصميمات أجنبية؟!
أين هذا الاستثمار فى البشر فى تنظيم بطولة هى الأكثر إثارة للشبهات المالية والإنسانية؟!
أم هل يقصد مثلًا الاستثمار فيه هو شخصيًا وفى أمثاله ممن تنكروا لأوطانهم؟!
إن كان هذا ما يقصده فما أشرفه من تاريخ وما أشرفه من استثمار؟!
«٥»
فى السنوات القليلة الماضية وحتى اليوم.. مَن فى هذه القطعة من العالم يكتب التاريخ حقًا؟!
تحمل إجابة هذا التساؤل حقائق مخجلة لقطاعات من المصريين.. هؤلاء الذين أبهرتهم صور مسلمين يصلون الجمعة فى بلد يدين أهله بالإسلام وأشعرتهم بخواء ذاتى وجوع للتاريخ والمجد!
نفس هؤلاء تجدهم يغمضون أعينهم عن التاريخ الحقيقى الذى تكتبه مصر الآن، وكلما حدثتهم عنه تململوا واتهموا محدثهم بالانحياز للدولة المصرية!
ويرون ذلك الانحياز فعلًا مشينًا بينما انحيازهم الفج لدولة أخرى- كل مجدها أنها متهمة بدفع رشاوى دولية لاستضافة بطولة نظمتها بأيادٍ غير وطنية ثم تاجرت بصورة مَن يصلون الجمعة- هو من علامات حسن الإسلام!
لهؤلاء المصريين الواقعين فى الفخ أقول: اتركوا العالم الافتراضى الوهمى جانبًا قليلًا وافتحوا خريطة مصر الآن لكى تروا التاريخ الحقيقى وهو يكتب!
فى أقصى جنوب البلاد مصر تكتب التاريخ وتغير جمود الجغرافيا الآن!
أكثر من نصف ساعة كاملة قطعتها السيارة فى الطريق إلى مدينة أبوسمبل والمساحات الخضراء تغزو جدب الصحراء وتهزم لونها الأصفر الذى دأبنا على مشاهدته!
آلاف الشاحنات العملاقة تلقى بحمولاتها من المعدات الثقيلة من ماكينات الرى العملاقة والحفارات وكابلات الكهرباء..
زئير المعدات يزغرد فى صمت الصحراء على جانبى الطريق لتمهيد التلال الجبلية وإعداد مسارات الطرق ومد شرايين الحياة...
خلف السور الحجرى الممتد لأكثر من عشرين كم- الذى كان حتى فترة قصيرة مثار سخرية الساخرين- بدأنا نرى خلفه ظلال أشجار النخيل وعلى امتداد البصر اكتست الرمال باللون الأخضر الزاهى!
هنا الإبهار الحقيقى.. هنا الرهبة الحقيقية.. العظمة الحقيقية.. هنا تاريخ حقيقى يسطره المصريون.. مخضب بعرقهم.. محفور بأظافرهم!
هنا حيث لا يملك المرء مشاعره أو يسيطر على رجفة جسده أو يستطيع ترويض دموعه حين يتذكر ما كان يراد بهذه البلاد منذ سنوات قلائل!
فالمجد لهذه السواعد التى تكتب مجدًا حقيقًا!
وأنت فى طائرة تحلق فوق محافظة أسوان تتجه شمالًا سوف ترى تلؤلؤ ألواح محطة بنبان العملاقة للطاقة الشمسية!
فى محافظة واحدة مشروعان عملاقان غيّرا من ملامح وتفاصيل خريطة مصر الزراعية والكهربائية!
الأقصر تتزين وتتلألأ وتستعيد بريقها كعاصمة الكون الحضارية... البواخر السياحية تزين صفحة النيل وآلاف السائحين يدخلون مصر آمنين!
الله يكافئ مصر لانتصارها لقيم التسامح والسلام والإسلام بفتح أبواب الخير لها ولأهلها الذين دفعوا ثمن اختيارهم للسلام ورفض الدموية!
لا توجد الآن خريطة محافظة مصرية واحدة لم تتغير تنمويًا فى سنوات قلائل.. فى كثير من قرى مصر ستشعر بأن مخلصين لهذا الوطن قد مروا من هنا!
«٦»
مصر التى اعتقد الواهمون أنها تترنح، تأوى الآن ملايين من العرب الذين لم يجدوا غير أبوابها ملاذًا آمنًا، تعاملهم كمواطنيها، يعملون ويأمنون على أنفسهم ويكونون الثروات.. فماذا فعلت تلك الدويلات لهذه الملايين التى قضى بعضهم نحبه فى رحلة الشتات؟!
مصر وحدها التى لم تتاجر بآلام الشعوب العربية التى سقطت أوطانها، بل حملت فوق عاتقها أعباء رفضتها كل الدول المتاجرة بشعارات حقوق الإنسان!
فمصر هى التى دافعت بموقفها ذلك عن قيم الإسلام أم من يتاجرون بمشاهد المصلين؟!
وما زال بعض المصريين لا يدركون أن بلادهم وحدها بذلك الموقف الجليل هى من تكتب التاريخ!
«٧»
فى ذروة الجائحة سقطت بلاد كبرى سقوطًا إنسانيًا مشينًا وتركت مرضاها يقضون نحبهم متبعة سياسة علاجية انتقائية، بينما ركضت مصر لتصبح من أول الدول حصولًا على حق تصنيع الدواء وناشدت مواطنيها التوجه لتلقى الجرعات الوقائية.
مصر، وفى سنوات قليلة، عالجت ملايين من مواطنيها مجانًا من أمراض متوطنة أثقلت كاهل المصريين ولم تتنصل من مسئولياتها رغم ما كانت تمر به.
وقامت مصر بما عجزت عنه اقتصاديات دول كبرى من توفير ملايين الوحدات السكنية لفقرائها فى زمن قياسى، ولم ينتبه دراويش الفتح الدينى المزعوم أن هذا تاريخ إنسانى يجدر أن يسطر بحروف من ذهب.
«٨»
عذرا مصر... فهؤلاء المصريون- الذى اقشعرت أجسادهم لمشهد مسلمين يصلون الجمعة فى بلد ذى غالبية مسلمة واغرورقت أعينهم دمعًا لهذا الفتح المبين فلهثت ألسنتهم بالثناء والشكر لهولاء الفاتحين الجدد- لم يروا من خريطتك الآن إلا أن منتخب كرة القدم لم يصعد لكأس العالم، رغم أن العالم كله شهد على الهواء مباشرة كيف لم يصعد.
عذرًا مصر فهؤلاء أيضًا لم يروا أن ما تفعلينه الآن يرقى لأن يسطر فى التاريخ.
فلم تسمع آذانهم ضجيج الإعمار من فرط ذوبانها مع كل همسة يهمس بها قديسهم الأصفر متمتمًا بالثناء على أولياء النعم الذين خرت بين أيديهم جماهير الدول غير المسلمة تعلن عن إسلامها أفواجًا أفواجًا.
عذرًا مصر فأعين هؤلاء المصريين لم تر ملايين العرب الذين لاذوا ببابك واحتموا بأمنك.
عذرًا مصر فأنت وطن أكبر من كثير منا.. وكثير منا.. حقًا لا يستحقك.