«العودة إلى منظومة القيم»
من الطبيعى أن ينشغل العديد من المثقفين والمفكرين وأيضًا العاملون فى مجالات الأمن والتعليم بمتابعة بعض الظواهر السلبية التى تعترى المجتمعات خلال فترات زمنية معينة ويجتهد هؤلاء فى محاولات معالجة تلك الظواهر قبل استفحالها وتأثيراتها السلبية على أمن وأمان تلك المجتمعات.
لقد أصبحنا جميعًا نبحث عن عودة قيم التسامح والأخلاق والالتزام فى مجتمع أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى تسيطر عليه وتبث من خلالها سمومها داخل المجتمعات خاصة إذا كانت موجهة إلى دولة معينة بذاتها خاصة إذا كانت تلك الدولة قد بدأت ترسم لنفسها طريقًا واضحًا لتحقيق التنمية والبناء وأن صوتها أصبح مسموعًا وإنجازاتها أصبحت حقيقة واقعة وأن شعبها يثق فى قائده ويلتف حوله داعمًا ومؤيدًا له.... ولعل ما تتعرض له الدولة المصرية من مؤامرات ومحاولات اختراقها أو النيل من عزيمتها وإيقاف تطورها ونهضتها لهو أكبر دليل على ذلك.
كان حديثنا الأسبوع الماضى حول الوعى المرورى وضرورة الالتزام بالقوانين المنظمة لذلك، وكان لنا بعض التوصيات قوبلت بتأييد كل من اطلع على المقال بهدف إعادة جزء من منظومة القيم فى المجتمع المصرى التى تتشعب إلى مجالات كثيرة نتحدث عنها اليوم ومستقبلًا بإذن الله.
وفى هذا الإطار ولتحقيق ذات الأهداف فقد عقد المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ورشة عمل حول ظاهرة العنف والإدمان وتعاطى المخدرات والإسراف فى عرضها من خلال مسلسلات تليفزيونية عديدة، حيث تبين أن تأثيرها السلبى كان أكثر من تأثيرها الإيجابى، ناهيك عن مشاهد العنف والقتل والإثارة وهو الأمر الذى يستهوى الفئة الغالبة من المجتمع المصرى حاليًا وهى فئة الشباب.
بل إن هناك ظاهرة جديدة على تلك المسلسلات وهى التراشق بالألفاظ والحوار عن أوضاع سلبية بشكل غير مباشر، حيث خرج الهدف المقصود منها وهو إعادة القيم الإيجابية للمجتمع إلى تسيد القيم السلبية بصورة أكثر اتساعًا، حيث وصلت نسبتها فى شريحة الدراسة التى تمت مناقشتها إلى 41.5% من جملة القيم المرصودة فى حين بلغت نسبة القيم الإيجابية 58.5% وهو ما يعنى التقارب بين القيم السلبية والإيجابية وبالتالى فإن وسائل الإعلام المرئية للأسف فشلت فى إعادة تشكيل الوجدان المصرى الذى تأثر بها كما تأثر بالأحداث التى وقعت فى البلاد ما بين عامى 2011 إلى 2014.
فعلى صعيد العلاقات الأخوية أبرزت الدراسة أن معظم الأعمال الدرامية التى تم عرضها مؤخرًا كانت ترسخ للصورة السلبية التى يتعامل بها الإخوة بعضهم البعض حيث سادت بينهم الكراهية والحقد والعنف دون مراعاة للدين والعرف ومشاعر الأخوة وفكرة السند بينهم، ولا شك أن ذلك سيكون له انعكاس على قيم وسلوكيات بعض الأشقاء خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها الأسر المصرية ...ثم جاءت فكرة القيم الحاكمة فى العلاقة بين الأزواج وبعضهم حيث تبين تدنى قيم التعاون والصدق بل وتزايد ظاهرة الخيانة الزوجية التى حرمها الدين والمبادئ والقيم التى تربينا عليها.
وعند مناقشة القيم الحاكمة للعلاقة بين الآباء والأبناء استشعرت بحالة من الأسى والحزن فى تقرير المركز، حيث أشار إلى حالة من الإلحاح فى عرض نماذج غير مقبولة مجتمعيًا قد تصبح رويدًا رويدًا هى النماذج السائدة فى المجتمع الذى ولا شك سوف يصاب بتغير سلوكى وقيمى كان مرفوضًا بالأمس، إلا أنه من اعتياد مشاهدته أصبح عاديًا ومقبولًا وفقًا لرؤى اليوم....ومما يؤكد لنا ذلك فى الحياة العادية تلك الاعتداءات التى يقوم بها بعض الأبناء ضد والديهم للحصول منهم على أى مبالغ لشراء المخدرات حتى إن الأمر وصل إلى حد القتل كما حدث مؤخرًا فى محافظة الفيوم.
وعندما تناولت المناقشة المقارنة بين الدراسات السابقة والدراسات الحالية تبين الاختلاف الواضح بين القيم المقدمة فى المسلسلات القديمة التى كانت تقدم فى فترة التسعينيات والمسلسلات الحالية.... إذ أظهرت تلك الدراسات فى مجملها وجود ميل واضح نحو نشر القيم الإيجابية الخاصة بالترابط الأسرى وإبراز نماذجه وأهميته فى إقامة حياة سوية للمجتمع المصرى، بينما جاءت المرحلة الحالية لتسجل ظواهر سلبية دخيلة على مجتمعنا وقيمنا وديننا من الواجب أن نتصدى لها حتى نتمكن من منع استفحالها وانتشارها الذى ولا شك سوف تترتب عليه قيم واهية وأسر مفككة غير قادرة على التنشئة السوية لأبنائها ومن ثم عدم القدرة على النهوض بالمجتمع ككل أو التقدم به إلى تحقيق الأمن والاستقرار والبناء والتنمية.
إن الجهود الكبيرة التى يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إطار خلق مجتمعات جديدة وبيئة معيشية صالحة والقضاء على العشوائيات ومعالجة الأمراض والتوسع فى إنشاء المدن الجديدة بكل ما تعنيه كلمة جديدة سواء فى أسلوب الحياة أو الدراسة والعمل تفرض علينا مسئوليات كبيرة كل فى إطار ما هو مكلف به، وذلك لاستكمال منظومة البناء والتنمية من خلال إعادة منظومة القيم التى افتقدناها مع تطور الحياة وصعوبتها وتغلغل أهل الشر وسيطرتهم على منصات التواصل الاجتماعى لنشر الفتن والشائعات وبث سلوكيات العداوة والبغضاء والتشكيك فى إنجازات الدولة التى نراها بأعيننا تتحقق يومًا بعد يوم وأيضًا الوقيعة بين أبناء الوطن الواحد..والسعى لنشر الرذيلة وإدمان المخدرات من خلال عرض أفلام وبرامج على قنوات اليوتيوب وتسخيرها للتأثير على شبابنا.. كل هذا يجعل مواجهة ذلك هو فرض عين على كل مسئول فى كافة المواقع.. وقبل كل ذلك دور الأسرة التى تزرع فى قلوب أبنائها نزعة الخير وتهتم بتنميتها يومًا بعد يوم.
إن مواجهة تلك الظواهر ليست أمرًا سهلًا، ولكنها فى ذات الوقت ليست مستحيلة...فلنبدأ بأنفسنا أولًا ثم نعكس ذلك على الأجيال التى تقع مسئولية نشأتها وتربيتها علينا...ولا شك أن المحاولة تلو الأخرى سوف تؤتى ثمارها ولو بعد حين طالما كانت الجهود صادقة والنوايا مخلصة، وذلك لكى تعود منظومة المبادئ والقيم مرة أخرى إلى مجتمعنا الوسطى المحترم.. وتحيا مصر.