«ما بعد العودة».. تحديات صعبة تواجه حكومة نتنياهو المقبلة
رغم المفاوضات الصعبة والخلافات الحالية فإن تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بقيادة بنيامين نتنياهو، هى مسألة وقت، فقريبًا ستتصدر عناوين الصحف وشاشات التليفزيون أنباء عن تشكيل الحكومة، لينتقل الحديث إلى الملفات والتحديات الصعبة التى ينبغى أن تواجهها هذه الحكومة.
وفى ظل تشكيلها المرتقب، وتوجهاتها الأكثر يمينية، ترصد «الدستور»، فى السطور التالية أبرز التحديات التى تواجهها الحكومة الإسرائيلية المقبلة، وصعوبات تعاملها مع عدد من الملفات الأمنية والاستراتيجية، وأهم المناورات التى قد يضطر رئيس الوزراء المكلف، بنيامين نتنياهو، للجوء إليها أثناء التعامل مع شركائه فى الائتلاف الحاكم.
تحقيق التفاهم حول الملفات الأمنية الحساسة داخل الائتلاف الحاكم
يدرك بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء المكلف رئيس حزب «الليكود»، أن شركاءه القادمين فى الائتلاف الحاكم سيمثلون عقبة حقيقية أمام طريقته فى إدارته الحكومة الإسرائيلية، بسبب خلفياتهم السياسية والأيديولوجية، التى تعارض فى كثير من الأحيان قراراته وتحركاته، التى عادة ما تتسم بـ«اللهجة الشديدة والأفعال الهادئة».
ويعنى ذلك أن «نتنياهو» سيواجه أحد سيناريوهين محتملين عند تشكيل حكومته، الأول يتمثل فى فهم الحلفاء الجدد- بعد الاطلاع على المعلومات والتحديات- طبيعة الواقع الصاخب، ما يجعلهم أكثر هدوءًا فى قراراتهم بعد فهم تداعياتها، والثانى يتمثل فى أن يستمر هؤلاء فى تعنتهم حيال القرارات السياسية.
وفى الحالة الثانية، ستكون المهمة الصعبة على عاتق «نتنياهو» هى المناورة بين حلفائه، وربما إجبارهم فى بعض الأوقات على قرارات أكثر هدوءًا حتى لا تشتعل الأوضاع، خاصة فى الملفات الحساسة، مثل: القدس والحرم والمستوطنات، وكذلك فى الملفات الأمنية والعسكرية.
مواجهة ضغوط الحلفاء لشن عمليات فى قطاع غزة
بالنسبة لقطاع غزة، هناك فوارق واضحة بين سياسة «نتنياهو» وسياسة سلفه رئيس الوزراء السابق، يائير لابيد، حيال القطاع، فبينما امتنع الأول عن شن عمليات عسكرية وتراجع عنها أكثر من مرة فى لحظة اتخاذ القرار، اتخذ الثانى القرار سريعًا فى أغسطس الماضى، ولم يتردد فى تنفيذ «عمليات اغتيال» كان «نتنياهو» لا ينفذها، حتى فى حال العمليات العسكرية الكبيرة على غزة.
وفى الحكومة الجديدة، ربما سيواجه «نتنياهو» ضغوطًا كبيرة من شركائه للقيام بعمليات ضد حركتى «حماس» و«الجهاد الإسلامى»، ومن غير الواضح كيف سيتعامل مع تلك الضغوط. وفى هذه المرة، سيكون على «نتنياهو» المناورة بين حفظ الهدوء وضغوط شركائه، من أجل مواجهة التصعيد الأمنى فى القطاع، خاصة أن الوضع فى غزة سيكون مرتبطًا بشكل أو بآخر بمثيله فى الضفة.
معالجة الفجوة الداخلية بين اليهود والعرب
تواجه الحكومة المقبلة أيضًا تحديًا على الجبهة الداخلية فى ظل التوتر المتصاعد بين اليهود والعرب، وحالة الإحباط التى يعيشها الجمهور العربى فى إسرائيل على خلفية نتائج الانتخابات الأخيرة، فضلًا عن الأزمات المتعددة التى يواجهها المجتمع العربى، على رأسها الجريمة، والتى لم تنجح الحكومات السابقة فى علاجها.
لذلك، سيواجه «نتنياهو» تحديًا كبيرًا، يتمثل فى وقف العنف والجريمة، ومعالجة الوضع الاقتصادى، إلى جانب تحسين البنى التحتية والمدنية داخل البلدات العربية، وهو ما يعد أمرًا صعبًا جدًا فى ظل وجود شركاء فى الائتلاف يعبرون علانية عن كراهيتهم للعرب، الأمر الذى يخلق فجوة كبيرة بين الجمهور العربى والحكومة الجديدة، يمكن التعبير عنها بالعنف، وربما تكون لها انعكاسات أمنية على الأوضاع داخل البلدات العربية.
رسم استراتيجية واضحة لتهدئة الأوضاع فى الضفة
أحد التحديات يتمثل فى التصعيد المستمر فى الضفة الغربية منذ تنفيذ عملية «كاسر الأمواج»، التى بدأتها إسرائيل فى شهر مارس الماضى، مع تزايد العمليات المنفردة التى ينفذها الفلسطينيون فى القدس ومناطق متفرقة من الضفة.
لذا، فإن الحكومة الإسرائيلية المقبلة سيكون عليها رسم استراتيجية واضحة حيال الضفة الغربية، ومواجهة احتمالات توسيع رقعة الاضطرابات، التى تتركز حاليًا فى منطقتى نابلس وجنين، مع اتخاذ خطوات لتهدئة الشارع الإسرائيلى.
كما تواجه الحكومة المقبلة تحدى إيجاد استراتيجية للتعامل مع السلطة الفلسطينية، خاصة أن شركاء «نتنياهو» المحتملين فى الائتلاف الحاكم لا يخفون رغبتهم فى إسقاطها، فيما يحاول هو بسياسته المعهودة أن يحافظ على بقاء السلطة مع الضغط عليها كلما سنحت الفرصة.
ويواجه «نتنياهو» مشكلة أخرى، تتمثل فى عدم وضوح القيادة المستقبلية للسلطة الفلسطينية، وعدم وجود خليفة مرشح لرئيسها محمود عباس «أبومازن»، الأمر الذى قد يخلق اضطرابات وتحديات إضافية يتعين عليه مواجهتها.
إلى جانب ذلك، هناك أزمة أخرى تتعلق بقضايا ضم المناطق فى الضفة، خاصة أن شركاء «نتنياهو» قد يضغطون لضم بعض الأماكن فى المنطقة (ج) بالضفة، وهو ما سيخلق أزمة كبيرة بين إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والدول العربية وستكون له تداعيات أمنية واسعة فى الضفة الغربية.
ضبط العلاقات مع إدارة بايدن المتحفظة على التطرف فى الحكومة
يدور الحديث عن المخاوف الإسرائيلية حيال العلاقات مع الولايات المتحدة، وهو ما بدأ منذ أن أشارت الاستطلاعات إلى فوز تحالف «نتنياهو بالانتخابات الأخيرة، فلا شك من أن الحكومة المقبلة تثير مخاوف كثيرة فى أوساط الإدارة الديمقراطية فى الولايات المتحدة، وفى أوساط اليهود الأمريكيين.
ويعنى ذلك أنه فى حال تشكيل الحكومة، التى تضم وزراء من اليمين المتطرف، سيكون على «نتنياهو» مواجهة تحد كبير، وهو أن تكون قرارات تلك الحكومة منضبطة، ولا تمس العلاقات مع الإدارة الأمريكية، التى ستكون متحفظة بدورها حيال تلك الحكومة، وربما «متربصة بها» إن صح الوصف.
وتشير التوقعات إلى أن الأعوام المقبلة ستشهد ارتفاعًا فى حدة الاستقطاب فى المجتمع الأمريكى، تحضيرًا للانتخابات الرئاسية والعودة المتوقعة للرئيس الأمريكى السابق الجمهورى دونالد ترامب، وهو ما يعنى أن «نتنياهو» يحتاج إلى أن يكون حذرًا حتى لا ينجر إلى صراعات علنية مع إدارة الرئيس الحالى الديمقراطى جو بايدن، ويصبح أداة فى يد الحزبين يستغلانها فى الدعاية الانتخابية.
التعامل مع الملف الإيرانى فى ظل توجهات أكثر يمينية
لا يزال الملف النووى الإيرانى على جدول أعمال إسرائيل، خاصة مع التأخر فى إنهاء المفاوضات النووية، وعدم وجود رقابة عملية على نشاطات طهران، فضلًا عن تزايد قدراتها الهجومية فى مجال المسيّرات على خلفية التعاون مؤخرًا مع روسيا.
ويعنى ذلك أن حكومة «نتنياهو» المقبلة سيكون عليها أن تضع استراتيجية جديدة لمواجهة التهديد الإيرانى، مع حقيقة أن أى خطوات غير محسوبة ستكون لها تداعيات على العلاقات مع الولايات المتحدة ودول الخليج.
والسؤال الأهم هو: هل سيقوم «نتنياهو» بمهاجمة منشآت إيرانية، وهل حكومته ستدفع بهذا الاتجاه؟ مع حقيقة أنه كان على وشك القيام بهذا فى عام ٢٠١١، ولكن رؤساء الأجهزة الأمنية رفضوا فتراجع فى اللحظة الأخيرة.
ما الذى سيحدث عندما يتكرر السيناريو ذاته، مع وجود يمين متطرف فى المجلس الوزارى المصغر؟.. لا أحد يعرف، لكن نتنياهو عام ٢٠١١ ليس هو الحالى، المتزن والمتردد فى قرارات العمليات، ويتحدث المقربون من «نتنياهو» عن أن هذا الأخير يعود إلى رئاسة الحكومة مع هدف واضح، هو القضاء مرة واحدة وإلى الأبد على البرنامج النووى الإيرانى.