حوارات روما المتوسطية
منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، تتوسط القارات الكبرى الثلاث، إفريقيا وآسيا وأوروبا، ولديها الإرث الأكبر من ثقافات العالم وحضاراته. وسعيًا لإيجاد «أجندة إيجابية» للتعامل مع التحديات، التى تواجه دول المنطقة، على المستويين الإقليمى والدولى، ظهرت فكرة منتدى «حوارات روما المتوسطية»، الذى تقيمه وزارة الخارجية الإيطالية سنويًا، منذ سنة ٢٠١٥، بالتعاون مع المعهد الإيطالى للدراسات السياسية الدولية.
النسخة الثامنة للمنتدى، ستبدأ فعاليتها، اليوم الخميس، وسيفتتحها الرئيس الإيطالى سيرجيو ماتاريلا، رسميًا، صباح غدٍ، بمشاركة محمد ولد الشيخ الغزوانى ومحمد بازوم، رئيسى موريتانيا والنيجر، وبحضور مسئولين رفيعى المستوى، وعدد من وزراء خارجية دول المتوسط، من بينهم سامح شكرى، الذى توجّه إلى العاصمة الإيطالية، أمس الأربعاء، فى زيارة ثنائية لدعم وتعزيز العلاقات بين البلدين وللمشاركة فى المنتدى، الذى خصص جلسة حوار معه، يديرها بول موريلاس، رئيس مركز برشلونة للشئون الدولية «Cidob»، فى الواحدة ظهر الجمعة، بتوقيت وسط أوروبا، لطرح الرؤية المصرية إزاء التطورات الإقليمية والدولية، وأهم التحديات المرتبطة بأزمتى الغذاء والطاقة، واستعراض نتائج قمة المناخ، كوب ٢، وأهم مخرجاتها.
ظل منتدى «حوارات روما المتوسطية»، يعزز مكانته، الإقليمية والدولية، سنة بعد أخرى، حتى وضعه تصنيف جامعة بنسلفانيا لـ«أفضل مؤتمرات خبراء البحث والتحليل»، فى المرتبة الثانية بعد منتدى «حوارات شانجريلا» الذى تقيمه سنغافورة. وفى نسخة هذا العام، يناقش المنتدى موضوعات مهمة عديدة، فى مقدمتها كيفية تحقيق التوازن الإقليمى فى ظل الأزمات الراهنة، والشراكات الاقتصادية والاستثمار الأجنبى كأدوات لتحقيق النمو، وكيفية التعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية، وسبل تحقيق الرخاء فى منطقة المتوسط. وكالعادة، سيطرح «تقرير الحوار المتوسطى» لسنة ٢٠٢٢، الذى تشارك عدة مؤسسات دولية مرموقة فى إعداده، مجموعة واسعة من الرؤى والتحليلات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والأمنية للمنطقة.
سمات مشتركة عديدة تجمع بين الشعوب المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط. وبرغم الصراعات العسكرية والعقائدية والسياسية والاقتصادية، التى دارت بين ضفتى البحر، الجنوبية والشمالية، خلال القرن الماضى، ظهرت دعوات عديدة لإقامة «تعاون متوسطى». وبالتدريج، صارت المياه، التى كانت مختلطة بالدماء، رائقة وصافية، إلا قليلًا، منذ إطلاق «عملية برشلونة»، فى ٢٨ نوفمبر ١٩٩٥، التى مثلت نقطة تحول فى التعاون المتوسطى، وتأسس بموجبها، بعد ١٣ سنة تقريبًا، «الاتحاد من أجل المتوسط»، الذى مثل إطارًا مناسبًا للتعاون بين دول الاتحاد الأوروبى المتوسطية، ودول حوض البحر المتوسط الإفريقية والآسيوية.
إيمانًا بانتمائها المتوسطى، وانطلاقًا من الدور، الذى لعبته على مر العصور، اهتمت الدولة المصرية، منذ تسعينيات القرن الماضى، بالدعوة لوحدة متوسطية، ولعبت دورًا كبيرًا فى نشأة المؤسسات المتوسطية الحالية، كـ«الاتحاد من أجل المتوسط»، ومؤسسة «آناليند» للحوار التى تستضيفها مدينة الإسكندرية. كما حرصت على المشاركة فى منتدى «حوارات روما المتوسطية»، منذ انطلاق نسخته، أو دورته الأولى.
فى هذا السياق، أيضًا، أضاءت وزارة الخارجية مبناها، مساء الأحد الماضى، بكلمة «MED DAY» احتفالًا بـ«يوم المتوسط» الذى يحل يوم ٢٨ نوفمبر من كل عام، والذى تتشارك مصر وسائر الدول أعضاء «الاتحاد من أجل المتوسط» فى الاحتفال به. وانتهزت وزارة الخارجية هذه المناسبة للتأكيد على أهمية التعاون الإقليمى المتوسطى لمواجهة التحديات المشتركة فى المنطقة، وعلى رأسها التغير المناخى، أمن الطاقة والغذاء، التصدى للهجرة غير الشرعية، مكافحة التطرف، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وإنْ كانت «السياسة الأوروبية للجوار»، ENP، تدفع على المدى المتوسط فى اتجاه العودة إلى المظلة الثنائية للعلاقات بين الدول، وبالتالى إهمال التعاون الإقليمى القائم فى إطار الاتحاد، أو الشراكة المتوسطية!
.. وتبقى الإشارة إلى أن سامح شكرى، وزير الخارجية، من المفترض أن يكون قد التقى، أمس أو اليوم، نظيره الإيطالى أنطونيو تايانى، للتباحث حول كل أوجه العلاقات الثنائية المتميزة والمتنامية بين البلدين، ومناقشة سبل تعزيز التعاون الاقتصادى وجذب الاستثمارات الإيطالية إلى مصر، إضافة إلى التشاور والتنسيق بشأن القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.