«قل فيلم مصري لا نحاس ولا إيزيس».. هكذا احتفلت الصحافة بـ«أنشودة الفؤاد»
"قل: فيلم مصري لا نحاس ولا إيزيس"، هكذا احتفلت الصحافة بفيلم أنشودة الفؤاد، كان هذا مضمون واحد من عشرات المقالات النقدية والكتابات الفنية الصحفية، التي احتفلت واحتفت بعرض فيلم “أنشودة الفؤاد”، والذي يصنف على أنه من أوائل الأفلام السينمائية المصرية الناطقة، بل يوجد هناك انقسام بين المؤرخين السينمائيين حول أنه يسبق فيلم “أولاد الذوات”، والذي يصنف بأنه أول فيلم مصري ناطق.
ونشرت مجلة "الكواكب"، في عددها الصادر بتاريخ 25 أبريل في العام 1932، مقالا نقديا عن فيلم أنشودة الفؤاد، عنونه كاتبه اسم الفيلم.
واستهل كاتب المقال ترحيبه بظهور الفيلم قائلا، "مرحي بهذه الخطوة الجريئة الجديدة الثانية تخطوها "مصر" في طريق الفيلم الناطق الحديث، فتكلل بالفوز والنجاح وتغمر قلوبنا بالزهو والسرور والفخار وتنتزع منا التصفيق والإعجاب.
ــ "أنشودة الفؤاد فيلم مصري لا نحاس ولا إيزيس"
وتابع الكاتب، نقول الخطوة التي تخطوها مصر لأن الشركة التي تخرج الفيلم تفني في كلمة مصر، فنحن نتساءل كما يتساءل الأجانب: "هل شاهدت الفيلم المصري الجديد؟" ولا نقول فيلم نحاس أو فيلم رمسيس أو فيلم إيزيس فهذه الشركات كلها عنوان مصر، تعمل لمصر وتنشر الدعاية لمصر وتبرهن للأجانب على أن في مصر أحياء مجاهدين يبذلون جهودا كبيرة ويصرفون عن بذخ وسعة للحاق بالأجانب ومنافستهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
وحول بواكير مساهمة المصريين في صناعة السينما مقارنة بالأجانب يوضح الكاتب، لا نستطيع أن نقارن جهودنا الناشئة بجهودهم ولا نستطيع القول ــ وهذه هي الخطوة الثانية نخطوها في الطريق ــ أننا قد وصلنا، لا وإنما نقول أن الخطوة الأولي قد نجحت وهذه الخطوة الثانية تعقبها فتصادف إعجابا وتقديرا فنحن إذا نسير جادين في الطريق مجتازين الحواجز والعقبات ولا بد أن نصل في القريب إلى ما وصلوا إليه.
نجح المجهود ونجحت المحاولة نجاحا نشكر عليه "شركة نحاس"، ونسجله لها بالإعجاب والتقدير وإن كنا نبدي اليوم هنا بعض ملاحظات ــ لا بد منها ــ فنحن إنما نبديها بحسن نية وكل غايتنا أن نشير إلي مواضع الزلل لتتلافاها الشركة في رواياتها القادمة حتي تصل إلي الكمال الذي تنشده وننشده نحن معها.
ــ النقد السينمائي وفيلم أنشودة الفؤاد
ويعد المقال من بواكير محاولات النقد السينمائي، وفيه يشير كاتبه إلي: نقول أولا إن في جو الرواية أشياء تخالف المألوف في مصر. يحضر أمين باشا مثلا من الصعيد إلي مصر، فيغشي دور اللهو والمراقص حتي يحب ويقع في شراك راقصة فرنسية هيفاء، فلا يستطيع مقاومة شعوره وعواطفه، وحتي لينسي مكانته ومركزه ومقامه بين أهله وعشيرته. في سبيل الرواية يتغاضي المؤلف عن كرامة الباشا المصري بين ذويه ويتجاهل مقامه ومكانته في هيئتنا الاجتماعية، فلا يجامل هذه الرتبة الرفيعة بل يظهرها بهذا المظهر الصغير.
ويدفع المؤلف، في سبيل الرواية أيضا، "حسني" أفندي إلي مهزلة غرامية عجيبة، فهذا الأفندي الموظف عند الباشا، ينسي منزلته وينسي مكانة الباشا، وينسي أنه متزوج ينسي هذا كله ويندفع مغامرا المجنون يتعلق بحب محظية الباشا الفرنسية، فيجن ويتدله بها حتي يورد نفسه مورد التهلكة.
ــ عن بطلة أنشودة الفؤاد الفرنسية
ويستنكر كاتب المقال قيام ممثلة فرنسية ببطولة فيلم أنشودة الفؤاد، موضحا: وتشترك في فيلم أنشودة الفؤاد ممثلة فرنسية، لا يبرر وجودها مبرر ولا يحتمه دليل ولا جوهر، فلماذا لم يحب الباشا مثلا ــ مادام يجب أن يحب ــ في سبيل فكرة الرواية ــ لماذا لم يحب راقصة مصرية أو مطربة مصرية أو ممثلة مصرية والمجال متسع في هذه الناحية؟، كل ما نخشاه من تكرار قيام الأجنبيات بهذه الأدوار، أدوار السقوط والابتذال أن نعطي للأجانب سلاحا ماضيا يشهرونه في وجوهنا، فيقولون ويبالغون بأننا ما نريد من عملنا إلا النيل من كرامتهم.
ويختتم كاتب المقال: نخرج من هذا إلي بعض ملاحظات كان يجب أن ينتبه إليها المؤلف، فمثلا أصيبت عينا "إبراهيم" بالعمي إثر الطلق الناري، فكيف أتيح لأحمد أن يشفيه بعملية؟ ومتي كان العمي المتسبب عن عيار ناري يشفي؟ ولماذا لم يعرض إبراهيم نفسه على طبيب مثلا قبل أن يعود أحمد إن كان الشفاء ممكنا؟ ثم موقف عمر في وشاياته وسفالاته كان مضطربا خائرا ضعيفا مشوشا، وفي هذا الضعف يشترك المخرج مع المؤلف، ولماذا انقضت هذه السنوات الطويلة ــ ستة عشر عاما ــ قبل إتمام فصول الرواية؟ ولماذا لم يظهر حسني خلال كل هذه السنوات، فجاء ظهوره وجاء شفاء عيني إبراهيم، وجاء اعتراف عمر، جاءت هذه الانفعالات كلها محبطة بوصول أحمد ابن الباشا وزواجه من ليلي؟.