الألمان انقلبوا على ميركل
استطلاع رأى أجراه معهد «سيفى» لصالح مجموعة «فونكه» الإعلامية، ونشر نتائجه صباح أمس، السبت، أظهر أن ٧١٪ من المستطلعة آراؤهم لا يرغبون فى عودة المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، إلى منصبها، مقابل ٢٣٪ فقط أعربوا عن رغبتهم فى عودتها و٦٪ لم يعطوا إجابات محددة.
فى ٨ ديسمبر الماضى، سلّمت «ميركل» الراية للمستشار الحالى أولاف شولتس، بعد أربع ولايات متتالية، أو ١٦ سنة متصلة. وذكرت وكالة الأنباء الألمانية، فى بداية العام الجارى، أن أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، عرض عليها رئاسة «الهيئة الاستشارية رفيعة المستوى»، الخاصة بالمنافع العامة الدولية، وهى الهيئة التى تتضمن، بحسب مفهوم الأمم المتحدة، الصحة، والعلوم، والسلام، وحماية الطبيعة.
لم تحصل المستشارة الألمانية السابقة على هذا المنصب الأممى، لكنها نالت، فى أكتوبر الماضى، جائزة «نانسن»، التى تمنحها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين؛ تقديرًا لجهودها فى استقبال أكثر من مليون لاجئ فى ٢٠١٥ و٢٠١٦. وقال فيليبو جراندى، رئيس المفوضية، فى بيان، إنها «أظهرت شجاعة أخلاقية وسياسية كبرى بمساعدتها هؤلاء اللاجئين على إعادة بناء حياتهم». فى حين قال الواقع إن ألمانيا، التى تعد أرضًا خصبة لعصابات الجريمة المنظمة بسبب سهولة التعاملات النقدية، حين فتحت أبوابها للاجئين دون تدقيق أمنى، أتاحت لعدد كبير من المتطرفين دخول البلاد وتكوين شبكات إرهابية.
درست «ميركل» الفيزياء فى جامعة «ليبزيج». وبعد حصولها على درجة الدكتوراه سنة ١٩٧٨، عملت بالمعهد المركزى للكيمياء الفيزيائية، التابع لكلية العلوم. وبعد سقوط جدار برلين، الذى كان يفصل شطرى ألمانيا، الشرقى والغربى، سنة ١٩٨٩، بدأت مشوارها السياسى بانضمامها للحزب الديمقراطى المسيحى، الذى تدرجت فيه إلى أن تولت رئاسته بعد هزيمة هلموت كول فى انتخابات ١٩٩٨ واستقالة خليفته بسبب فضيحة مالية، ثم خاضت المنافسة على منصب المستشار، سنة ٢٠٠٢، وخسرتها أمام إدموند ستويبر.
تقارير عديدة أشارت إلى أن «ميركل» منذ أن انضمت للحزب، ظلت تحت رقابة المخابرات الأمريكية، كما كشفت وثائق تم تسريبها، فى ٢٠١٣ ثم فى ٢٠١٧، عن أن الولايات المتحدة تجسست على اتصالات عدد من زعماء دول العالم، من بينهم المستشارة الألمانية السابقة، التى كان التجسس على اتصالاتها مجرد تحصيل حاصل، إذ كان نصف ألمانيا تحت السيطرة الأمريكية قبل الوحدة، وبعدها أحكمت الولايات المتحدة سيطرتها على كامل التراب الألمانى. وما قد يؤكد ذلك، هو أن «ميركل»، فور توليها رئاسة الحزب، نادت بشراكة أطلسية قوية، وأعلنت، فى ٢٠٠٣، عن تحديها موقف بلادها، الرسمى والشعبى، وأيدت وبررت الغزو الأمريكى للعراق، ووصفته بأنه «لا مفر منه»، وهاجمت جيرهارد شرودر، المستشار الألمانى وقتها، الذى اعترض على الغزو، ورفض أن تنضم بلاده إلى التحالف الشكلى الذى تزعمته الولايات المتحدة.
فى انتخابات ٢٠٠٥، فازت «ميركل» بفارق ضئيل على «شرودر»، وبعد مفاوضات شاقة بين الحزبين الديمقراطى الاجتماعى، والديمقراطى المسيحى، تسلمت ميركل المستشارية فى ٢٢ نوفمبر ٢٠٠٥، وأعيد انتخابها لفترة ثانية سنة ٢٠٠٩، ولفترة ثالثة سنة ٢٠١٣، ثم لفترة رابعة فى ٢٠١٨، وكادت تفشل فى تشكيل حكومتها الأخيرة لولا تقديمها تنازلات كبيرة، بعد مفاوضات استمرت ستة أشهر، كان أبرزها إسناد وزارة الداخلية إلى هورست زيهوفر، المعروف بمواقفه المتشددة فى قضية اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين.
.. وتبقى الإشارة إلى أن استطلاع رأى أجراه معهد «فورسا» لحساب محطة «آر تى إل» التليفزيونية، منذ سنة، أظهر أن ٥٣٪ من الألمان يدعمون تشكيل الائتلاف الحاكم الحالى، الذى يقوده «الحزب الاشتراكى الديمقراطى»، بينما لم يؤيد غير ٢٢٪ فقط الائتلاف الحاكم السابق، ما يرجح صدقية نتائج استطلاع معهد «سيفى»، التى قد ترجع، ولو جزئيًا، إلى أن حزب المستشارة السابقة، الذى كان يقود ذلك الائتلاف، أتاح لعدد كبير من المتطرفين دخول البلاد، وتواطأ مع تنظيمات إرهابية دولية، مثل جماعة الإخوان، التى أكد بوركهارد فرايير، رئيس جهاز مخابرات ولاية شمال الراين فيستفاليا، أنها تمكنت من تجنيد عدد كبير من اللاجئين، وصار تأثيرها على الديمقراطية الألمانية أكثر خطورة من تأثير القاعدة أو داعش.