3 تحديات تواجه نتنياهو فى تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة
رغم النجاح الكبير الذى حققه «الليكود» وشركاؤه فى الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، إلا أن الإنجاز السياسى فى ذلك يعود برمته إلى شخص بنيامين نتنياهو، زعيم «الليكود» المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، الذى أثبت أمام الجميع أن نجمه لم يتراجع.
ورغم ذلك، فإن على «نتنياهو» أن يبذل مزيدًا من الجهود من أجل ترتيب الائتلاف الحكومى بشكل صلب، وحل الخلافات والمشكلات التى تواجهه مع شركائه من الأحزاب اليمينية، التى بدأت منذ اللحظة الأولى للفوز فى الانتخابات، بالصراع بين هذه الأحزاب على الحقائب الوزارية، الأمر الذى جعل مهمة تأليف حكومة يمينية بالكامل أمرًا أصعب من الفوز فى الانتخابات، مما جعل «نتنياهو» مضطرًا للمناورة أكثر من أى وقت مضى من أجل العودة إلى رئاسة الوزراء.
أفكار «شركاء الليكود» تقلق المجتمع الدولى وتوتر العلاقة مع الإدارة الأمريكية
أفادت تقارير إعلامية عبرية، خلال الأسابيع الماضية، بتوتر المحادثات بين بنيامين نتنياهو وكتلة «الصهيونية الدينية»، التى أصبحت تمثل القوة الثالثة فى الكنيست الجديد، لاشتراط رئيسها بتسلئيل سموتريتش، الحصول على وزارتى الدفاع والمالية، مع زيادة صلاحياته فى حقيبة الإدارة المدنية والإشراف على مستوطنات الضفة الغربية.
وساد التوتر الاجتماعات الأخيرة بين الجانبين، وأعرب «نتنياهو» عن خشيته من أن يؤدى إسناد حقيبة الدفاع إلى «سموتريتش» إلى مواجهة مع الإدارة الأمريكية.
وأثارت أقوال «نتنياهو» حفيظة «سموتريتش»، الذى أصدر بيانًا قال فيه إن حزبه يولى الولايات المتحدة قدرًا كبيرًا من الاحترام والتقدير، إلا أنه على إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، ألا تتدخل فى تأليف الحكومة المنتخبة.
ويدرك «نتنياهو» أنه إن ضرب بهذا التحدى عرض الحائط، ونجح بالفعل فى تشكيل حكومة يمينية خالصة، تمنح تلك الحقائب إلى «سموتريتش» وتمنح حليفه إيتمار بن غفير، رئيس حزب «القوة اليهودية»، وزارة الأمن الداخلى، فإن حكومته الجديدة ستواجه بشكل سلبى فى أماكن متفرقة فى العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وكذلك الدول العربية.
ويدرك «نتنياهو» بخبرته السياسية أن نتائج انتخابات منتصف الولاية فى الولايات المتحدة الأمريكية لن تشل إدارة «بايدن» نهائيًا، كما يدرك أنه من الصعب أن يطبع الأمريكيون العلاقات مع وزارات مهمة، على رأسها «بن غفير» و«سموتريتش»، كما أنه من الصعب عليهم التصالح مع ما يعتزمه هؤلاء من اتخاذ خطوات إسرائيلية أحادية الجانب لشرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية فى الضفة الغربية.
ويؤكد ذلك موقف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، الذى عقب، بلغة غير دبلوماسية، على مشاركة «بن غفير» فى الاحتفال بذكرى رحيل الحاخام المتطرف مائير كهانا، مطلع الشهر الجارى، قائلًا: «الاحتفال بإرث منظمة إرهابية هو أمر مقزز»، وهو ما يعد مؤشرًا واضحًا على ما ينتظر حكومة «نتنياهو» المقبلة.
استمرار النزاع حول توزيع حقائب الأمن والدفاع يمدد المفاوضات أسبوعًا إضافيًا
منذ أيام، التقى أرييه درعى، رئيس حزب «شاس»، مع نتنياهو، بعد توقف المفاوضات مع قادة «الصهيونية الدينية»، وتقدم بتنازلات عن بعض مطالبه، لصالح «بن غفير» و«سموتريتش».
وطلب «درعى» من «نتنياهو» أن يتسلم حزبه وزارة الصحة بدلًا من المواصلات، ووزارة الأديان وحقيبتين صغيرتين أخريين، بالإضافة إلى وزارة الداخلية، مقابل تنازله عن الحقيبة الخاصة بتطوير النقب والجليل، التى طالب بها «بن غفير». وبالتزامن، وافق «الليكود» على نقل بعض صلاحيات الإدارة المدنية إلى الوحدة التابعة لوزارة المالية، المخصصة لـ«سموتريتش»، مقابل تنازل حزبه «الصهيونية الدينية» بدوره عن منصب الوزير الثانى فى وزارة الأمن، واستبدالها بوزارة الاستيطان. ورغم ذلك، أعلن حزب «الصهيونية الدينية»، الأربعاء الماضى، عن أن الاتصالات مع «الليكود» توقفت، وأن المفاوضات عادت إلى نقطة البداية.
من ناحيته، يطالب حزب «التوارة اليهودية» الدينى بتعيين نائبه أورى كاليف وزيرًا للمساواة الاجتماعية، وهو ما واجه انتقادات من المعارضة، بسبب المفارقة التى ستنشأ على خلفية تسلم وزير متدين وزارة تلزمه بالعناية بقضايا «المثليين» و«المساواة الجنسية».
ونتيجة لكل ذلك، أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن مفاوضات تشكيل الائتلاف الحاكم ستستمر أسبوعًا إضافيًا، نتيجة عدم قدرة «الليكود» على تجاوز هذا التحدى والنزاع حول الحقائب الوزارية، والتوصل لاتفاق يمكنه من تشكيل الحكومة.
مقترحات بضم لابيد وجانتس.. وآمال بالسيطرة على بن غفير لتجاوز الأزمة
فى ظل إدراك «نتنياهو» صعوبة تشكيل الحكومة المقبلة مع شركائه الحاليين، مثل «سموتريتش» و«بن غفير»، وفهمه لما سيواجهه من مشكلات لإدارة إسرائيل كما اعتاد أن يفعل فى حكوماته السابقة، يرى كثيرون أن زعيم «الليكود» سيفكر جديًا فى التوصل لاتفاق تشكيل حكومة وحدة وطنية مع منافسيه من أمثال يائير لابيد، رئيس الوزراء السابق رئيس حزب «هناك مستقبل»، رغم عدم وجود أى مؤشرات على ذلك.
وتواجه هذه الخطوة تحديًا كبيرًا، لصعوبة تشكيل حكومة مع أحزاب مختلفة، أعلنت من قبل أنها لن تجلس مع «الليكود»، وبعضها حاول نزع الشرعية عن «نتنياهو» شخصيًا، ما يجعله يفضل المحافظة على التحالف مع الأحزاب الدينية، التى سترفض قطعًا التحالف مع أحزاب مثل «هناك مستقبل» أو «إسرائيل بيتنا»، اللذين يعتبران خصمًا أيديولوجيًا للأحزاب الدينية. ومع ذلك، ورغم أن «حكومة التغيير» السابقة، بقيادة «لابيد»، عملت من أجل هدف واحد هو إسقاط «نتنياهو»، فإنه يظل من الممكن أن يلجأ «نتنياهو» و«لابيد»، بالإضافة إلى بينى جانتس، رئيس «المعسكر الوطنى»، إلى التحالف، فقط من أجل منع وصول اليمين الدينى المتطرف، المتمثل فى «بن غفير» و«سموتريتش» إلى الحكم فى إسرائيل.
ويرى كثيرون أن التصويت لصالح «نتنياهو» فى الانتخابات الأخيرة يمكنه أن يقنع خصومه السابقين، الذين نزعوا عنه الشرعية، على خلفية محاكمته، بأن الجماهير لا تقبل الاتهامات الموجهة ضده بالفساد كذريعة لعدم انتخابه، والدليل أنهم اختاروه مرة أخرى لرئاسة الحكومة المقبلة، ما يساعد على التحالف معه. ولكن، إذا لم ينجح «نتنياهو» فى ضم أحزاب «لابيد» و«جانتس» إلى حكومته، فمن المتوقع أن يحاول تقديم «بن غفير» إلى الجمهور كشخصية مسئولة، مع التلاعب بالائتلاف الحاكم لعدم تمرير قوانين متطرفة تخص الاستيطان وتغيير الوضع الراهن فى إسرائيل.
توجهات اليمين الدينى تغضب العلمانيين وتهدد توازن الائتلاف الحاكم
داخليًا، يثير تشكيل الحكومة الجديدة، بعضوية «بن غفير» و«سموتريتش»، الانقسام داخل إسرائيل، فى ظل مخاوف من توجه هذا التحالف لإقامة «دولة شريعة»، تعمل حسب قوانين التوراة وليس على أسس التشريع فى العصر الحديث، مع الدفع بإصدار قوانين تتعلق بـ «يوم السبت» و«طعام الكوشير» وغيرهما من الممارسات الدينية الأخرى، الأمر الذى يتسبب فى غضب العلمانيين فى إسرائيل.
ويرفض كثيرون فكرة أن يتحول «بن غفير» داخل الحكومة إلى سياسى معتدل ومنطقى، متمسكين بالرأى القائل إن كل ما حدث منه من توجهات نحو الاعتدال خلال الأشهر الأخيرة هو مجرد استعراض، وإن «بن غفير» القديم المعروف بتطرفه سيعود مرة أخرى إلى المشهد. وعلى الصعيد الأمنى، سيكون على «نتنياهو»، فى حالة تولى «بن غفير» حقيبة الأمن الداخلى، أن يواجه جملة من التحديات، خاصة أنه سياسى متوازن يفهم من حكوماته السابقة متى يستخدم القوة ومتى يرفضها، وساعده على ذلك كون حزبه «الليكود» يقع فى الوسط من الائتلافات التى حكم خلالها، لذا كان عليه أن يناور بين يمين الائتلاف، الذى تمثل فى أحزاب «يمينا» و«إسرائيل بيتنا»، ويساره، الذى تمثل فى حزب «أزرق- أبيض»، ليدشن مواقفه. أما فى الموقف الحالى، فإن «الليكود»، وعلى رأسه «نتنياهو»، سيجد نفسه فى موقف جديد، إذ سيكون الحزب الأكثر يسارية فى الائتلاف اليمينى الحاكم، الداعى لضم المستوطنات وزيادتها وتغيير الوضع الراهن فى القدس، وهى خطوات امتنع «نتنياهو» عن القيام بمعظمها فى ولايته السابقة.