الأقلية العربية فى إيران
تناقلت وكالات الأنباء العالمية مؤخرًا أخبارًا عن امتداد موجة الاحتجاجات ضد النظام الإيرانى إلى المناطق العربية فى إيران. وأعادت هذه الأخبار إلى ذاكرتى الملف المنسى وهو «الأقلية العربية فى إيران»، هؤلاء الذين عُرفوا فى التاريخ بـ«عرب الأحواز»، فما هى قصتهم؟
تشهد أحداث التاريخ، وعبر عصوره المختلفة، على استمرارية الأطماع الفارسية الإيرانية فى المنطقة العربية. وربما هدأت هذه الأطماع بعض الشىء مع الفتح العربى الإسلامى لبلاد فارس، إلا أنها سرعان ما عادت من جديد وبقوة، لا سيما بعد ضعف الدولة العباسية، ثم قيام الدولة الصفوية الإيرانية فى القرن السادس عشر. وتعتبر قصة اغتصاب إيران فى القرن العشرين للأحواز العربية فصلًا مهمًا فى هذا الشأن.
تقع الأحواز فى منطقة شمال الخليج العربى، إلى الشرق من مدينة البصرة. والأحواز منطقة عربية أصيلة، قامت فيها عدة دول عربية على مر التاريخ، لعل أهمها السلطنة المشعشعية ما بين عامى ١٤٣٦م- ١٧٢٤م وكانت عاصمتها مدينة الحويزة. وتلا هذه الدولة دولة عربية أخرى هى الدولة المعروفة بالدولة الكعبية، وهى التى استمرت تحكم الأحواز حتى عام ١٩٢٥.
وقد قام المؤرخ العراقى الشهير مصطفى عبدالقادر النجار بدراسة المرحلة الأخيرة فى حكم الدولة الكعبية فى الأحواز «عربستان، أى بلد العرب». وخرج المؤرخ بنتائج مهمة وخطيرة حول تواطؤ بريطانيا مع رضا شاه بهلوى، إمبراطور إيران فى عام ١٩٢٥، بالسماح لإيران بغزو الأحواز وضمها إليها. وكانت هذه الصفقة فى إطار رسم خريطة الشرق الأوسط فى عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى، ويرجع اهتمام إيران بضم الأحواز إليها نظرًا للأهمية الاستراتيجية لموقع الأحواز فى الساحل الشرقى للخليج العربى، فضلًا عن جواره للعراق، ورغبة إيران الدائمة فى التدخل فى الشأن العراقى. ولا يقل البُعد الاقتصادى أهمية عن البُعد الاستراتيجى فى مسألة استيلاء إيران على الأحواز وضمها إليها؛ ويرجع ذلك إلى أن منطقة الأحواز تتميز بغناها بالنفط، حتى إن معظم النفط والغاز الإيرانى يُستخرَج فى حقيقة الأمر من منطقة الأحواز. كما تتميز منطقة الأحواز بخصوبة أراضيها، نظرًا لوجود نهر كارون، كذلك تعتبر الأحواز المورد الرئيس لإيران للذرة والسكر.
ومنذ اغتصاب إيران الأحواز وضمها إليها، بدأت سياسة «التفريس» فى المنطقة ومحاولة محو الهوية العربية للأحواز، وبدأ ذلك بتغيير الاسم التاريخى للمنطقة «الأحواز» وإطلاق اسم فارسى عليها وهو «خوزستان»، أى بلاد القلاع والحصون، نسبةً إلى القلاع والحصون التى بناها الفاتحون العرب فى المنطقة. كما شرعت الإدارة الإيرانية فى محاولة طمس الهوية العربية من ذاكرة الأجيال الجديدة، فعلى سبيل المثال مدينة المحمرة الشهيرة تم تغيير اسمها العربى وإطلاق اسم فارسى عليها هو خرم شهر، كما تم تغيير اسم الشارع الرئيسى فى مدينة المحمرة، والذى كان يعرف باسم الشارع الخزعلى نسبةً إلى الشيخ خزعل، إلى اسم فارسى وهو شارع بهلوى. هذا فضلًا عن تغيير أسماء الموانئ التاريخية الشهيرة؛ فعلى سبيل المثال ميناء خور عبدالله تغير اسمه إلى ميناء بندر شاهبور.
ولم يقتصر الأمر على تفريس الأسماء فى محاولة لطمس الذاكرة العربية، وإنما امتد الأمر إلى محاولة محو الهوية العربية تمامًا فى المنطقة من خلال منع التدريس باللغة العربية، وفرض اللغة الفارسية فى المدارس. كما عملت السلطات الإيرانية على إصدار الصحف الفارسية فى الأحواز. ولم تكتف إيران بذلك وإنما لجأت إلى سياسة التغيير الديموجرافى فى التركيبة السكانية للأحواز، من خلال السعى إلى نقل الكثير من العرب إلى خارج المنطقة وإحلال عناصر فارسية محلهم.
وأدت سياسة التمييز العنصرى فى الأحواز إلى تذمر العرب وسعيهم إلى تأكيد هويتهم العروبية، وبدأ ذلك منذ عهد الشاه؛ إذ تصاعدت الأصوات المدافعة عن عروبة الأحواز، لا سيما بعد تأسيس جبهة تحرير عربستان فى عام ١٩٥٦. وتشير المصادر إلى تعاون الموساد الإسرائيلى مع نظام الشاه فى كشف أسماء قادة هذه الجبهة وتصفيتهم.
كما استمر الرفض العربى لسياسات التمييز العنصرى وإفقار الأحواز فى عهد ما يعرف بالجمهورية الإسلامية. وكانت أكبر الانتفاضات التى عرفتها منطقة الأحواز فى عام ٢٠٠٥ ضد سياسة تهجير وإبعاد الكثير من العناصر العربية عن المنطقة. كما رصدت منظمة العفو الدولية فى عام ٢٠١٢ تعرض بعض أبناء الأحواز لمحاكمات جائرة «بسبب عملهم لصالح الأقلية العربية الأحوازية» وتوجيه تهم غريبة لهم مثل «العداء لله والفساد فى الأرض» وهى تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.
ويعتبر التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية، الصادر فى عام ٢٠٢٢ عن الحريات وحالة الأقليات، خير دليل على استمرار النظام الإيرانى فى سياسة الاضطهاد العنصرى ضد عرب الأحواز؛ إذ يذكر التقرير: «تعرض الأشخاص المنتمون إلى الأقليات العرقية مثل عرب الأحواز وغيرهم للتمييز المجحف الذى يحد من الفرص المتاحة أمامهم للتعليم والعمل وتولى المناصب السياسية، ورغم الدعوات المتكررة للتنوع اللغوى، فقد ظلت اللغة الفارسية هى اللغة الوحيدة للتعلم فى المرحلتين الابتدائية والثانوية».