تحجيم وتحطيم داعش
هذا كتاب ظريف يقدم حكايات وحواديت، تزعم نجاح الولايات المتحدة فى تحجيم وتحطيم تنظيم «داعش» الإرهابى، باستراتيجية قامت على العمل عبر شركاء محليين، فى العراق وسوريا، بدلًا من إرسال قوات أمريكية لخوض القتال بشكل مباشر، لكنه لم يشر إلى دور جماعات إرهابية، أمريكية أو بريطانية المنشأ والتوجيه، كان دورها يتلخص فى إفساد أى محاولة لتجاوز الأزمات، التى عاشتها، وتعيشها، دول المنطقة.
فى الكتاب، الذى يحمل عنوان «تحجيم وتحطيم: القصة الداخلية للحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية من باراك أوباما إلى دونالد ترامب»، يستعرض مايكل آر جوردون، Michael R. Gordon، محرر شئون الأمن القومى فى جريدة «وول ستريت جورنال»، المناقشات والمناورات والمداولات المغلقة للجنرالات، مستغلًا قدرته «غير العادية» على الوصول إلى كبار القادة العسكريين، وعناصر من القوات فى ساحة المعركة!.
عمل «جوردون» مراسلًا عسكريًا لجريدة «نيويورك تايمز» لمدة ٣٢ سنة، قبل أن ينتقل فى أكتوبر ٢٠١٧، إلى الـ«وول ستريت جورنال». وفى بداية الغزو الأمريكى للعراق، سنة ٢٠٠٣، كان الصحفى الوحيد، الذى رافق قيادة الحلفاء البرية، تحت قيادة الجنرال تومى فرانكس. أما النقطة الأكثر سوادًا فى تاريخه، فهو أنه وزميلته فى «نيويورك تايمز»، جوديت ميلر، كانا أول من كتبا عن البرنامج النووى العراقى المزعوم، الذى بررت به الولايات المتحدة غزوها الدولة الشقيقة. كما سبق أن انفرد، بمشاركة ستيفن إنجلبرج، بنشر مزاعم عن قيام شركة ألمانية بمساعدة ليبيا فى إنشاء مصنع للأسلحة الكيماوية فى العاصمة المغربية الرباط!.
بعد استعراض تفاصيل الانسحاب الأمريكى من العراق، يحكى كتاب «تحجيم وتحطيم»، Degrade and Destroy، كيف استفاد أبوبكر البغدادى، مؤسس وزعيم تنظيم «داعش» من الاضطرابات التى عاشتها سوريا، وبدأ يتوسع فيها، قبل أن يبدأ عملياته الواسعة فى العراق، وصولًا إلى المشهد الذى كان أثيل النجفى، محافظ الموصل قبل سقوطها، يتابع فيه، من ملجئه فى أربيل، إعلان «البغدادى»، فى ٤ يوليو ٢٠١٤، قيام «دولة الخلافة»، وفى يده ساعة «رولكس» كان النجفى قد تركها فى بيته بالموصل قبل فراره.
لم يكد الأمريكيون، بحسب الكتاب، يبدأون فى التعاون مع الأكراد حتى وجدوا مقاتلى «داعش» يتقدمون نحو مدينة «عين العرب»، التى يسميها الأكراد كوبانى، فى ريف حلب الشمالى على الحدود مع تركيا. وبالتالى تدخل الأمريكيون لدى الأتراك حتى يسمحوا لقوات «البيشمركة» بعبور الحدود ودخول كوبانى لمنع سقوطها. وعن دور الأكراد فى تحرير الموصل، كتب «جوردون» أنهم مهَّدوا الطريق لتقدم القوات العراقية، غير أنهم كانوا لا يريدون الموت من أجل أراض، لن تكون جزءًا من كردستان فى المستقبل. وفى سياق مختلف، أشار إلى أن الأكراد كانوا فى غاية الاستياء من تخلى الأمريكيين عنهم، وتركهم يواجهون الأتراك وحدهم.
العراق، كما لعلك تعرف، أعلن عن هزيمة «داعش»، أواخر ٢٠١٧، واعتبارًا من منتصف مارس ٢٠٢٠، تسلمت القوات العراقية ثمانى قواعد عسكرية، كانت تحت سيطرة التحالف، بعد خناقة صاروخية، بين القوات الأمريكية والميليشيات الموالية لإيران. غير أنك ستجد فى الكتاب، تفاصيل عن الضربات الجوية الإسرائيلية، التى قيل إنها استهدفت «فصائل إيران»، فى العراق وسوريا، مع إشارات واضحة إلى أن الإسرائيليين كانوا يحصلون على الإذن الأمريكى، قبل تنفيذها. وفى هذا السياق، يحكى «جوردون» أن ضربة استهدفت فصائل شيعية داخل العراق، أثارت استياء الأمريكيين بعد غضب العراقيين، ولمّا طلبوا معرفة سبب عدم إبلاغهم بها مسبقًا، قيل لهم إن جهاز المخابرات الإسرائيلية «الموساد» قام بالتنسيق مع المخابرات المركزية، وبالتالى لم يكونوا فى حاجة إلى استئذان الجيش الأمريكى أو التشاور معه!.
.. وأخيرًا، نرى أن أطرف ما زعمه مايكل آر جوردون فى كتابه، هو ما ذكره عن صدمة الأمريكيين حين فوجئوا بالتدخل العسكرى الروسى فى سوريا، سنة ٢٠١٥، ومحاولتهم منع عبور الطائرات الروسية إلى الأراضى السورية، عبر بلغاريا، قبل أن يتكيفوا مع هذا الوضع، لاحقًا، ويقوموا بتقسيم مناطق النفوذ!