البابا فرنسيس: درب التعايش السلمي يبدأ بالعدالة إلى جانب الحقيقة والمحبة
استقبل قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، صباح اليوم، في القصر الرسولي بالفاتيكان أعضاء الـ Executive Committee meeting of the World Jewish Congress وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحب بها بضيوفه قائلاً: «تشهد هذه الزيارة على روابط الصداقة التي توحدنا وتقويها: فمنذ المجمع الفاتيكاني الثاني، تتحاور منظمتكم مع لجنة العلاقات الدينية مع اليهود وتنظم منذ سنوات مؤتمرات ذات أهمية كبيرة».
تابع البابا فرنسيس قائلاً: «نحن يهود وكاثوليك، نتشارك في كنوز روحية لا تقدر بثمن. نعترف بالإيمان بخالق السماء والأرض، الذي لم يخلق البشرية فحسب، بل صاغ كل كائن بشريٍّ على صورته ومثاله. نحن نؤمن بأن الله لم يبتعد عن خليقته، بل أظهر لها نفسه، لا من خلال التواصل مع البعض فقط، بشكل منفرد، بل توجّه إلينا وخاطبنا كشعب من خلال الإيمان وقراءة الكتب المقدّسة التي تنقلها تقاليدنا الدينية، يمكننا أن ندخل في علاقة معه وأن نصبح معاونين لإرادته الإلهية».
وأضاف البابا فرنسيس: «لدينا أيضًا نظرة مماثلة حول النهاية، إذ تسكننا الثقة بأننا، في مسيرة الحياة، لا نتقدم نحو العدم، وإنما للقاء العلي الذي يعتني بنا، للقاء الذي وعدنا، في نهاية الأيام، بملكوت سلام أبدي، حيث سينتهي كل ما يهدد الحياة والتعايش البشري، إنَّ عالمنا مطبوع بالعنف والقمع والاستغلال، ولكنَّ جميع هذه الأمور ليس لها الكلمة الأخيرة: لأن وعد الله الصادق يحدثنا عن مستقبل خلاص وعن سماء جديدة وأرض جديدة حيث سيكون للسلام والفرح مسكن ثابت، وحيث سيزول الموت إلى الأبد، وحيث سيمسح الله كل دمعة عن كل وجه، وحيث لن يكون هناك المزيد من الحداد والحزن. إنَّ الرب سيحقق هذا المستقبل، لا بل سيكون هو مستقبلنا. وعلى الرغم من أنّ هناك أفكار مختلفة في اليهودية والمسيحية حول الطريقة التي سيتمُّ بها ذلك، إلا أنَّ الوعد المطمئن المشترك يبقى. هو يغذي رجاءنا، وكذلك التزامنا، لكي يعكس العالم الذي نقيم فيه والتاريخ الذي نعيش فيه حضور الشخص الذي دعانا لكي نعبده ونكون حراسًا لإخوتنا».
ووجه رسالة قائلاً: «أيها الأصدقاء الأعزاء، في ضوء التراث الديني الذي نتشاركه، لننظر إلى الحاضر كما إلى تحدٍ يوحدنا، وكدعوة للعمل معًا. لقد أوكل إلى جماعتينا مهمة أن تعملا لكي تجعلا العالم أكثر أخوة، وتكافحا ضدَّ التفاوتات وتعززا عدالة أكبر، لكي لا يبقى السلام وعدًا للعالم الآخر، بل يكون واقعًا منذ الآن في هذا العالم. نعم، إن درب التعايش السلمي يبدأ بالعدالة التي، إلى جانب الحقيقة والمحبة والحرية، هي أحد الشروط الأساسية لسلام دائم في العالم. كم من البشر، الذين خُلقوا على صورة الله ومثاله، هم مشوهون في كرامتهم، بسبب الظلم الذي يمزق الكوكب، ويمثل السبب الكامن وراء العديد من النزاعات، المستنقع الذي تركُد فيه الحروب والعنف! إن الذي خلق كل شيء حسب النظام والانسجام يدعونا لكي نستفيد من مستنقع الظلم هذا الذي يغرق التعايش الأخوي في العالم، بقدر ما يضر التدمير البيئي بصحة الأرض».
وتابع: «تتطلب المبادرات المشتركة والملموسة الهادفة إلى تعزيز العدالة الشجاعة والتعاون والإبداع. وهي تستفيد بشكل كبير من الإيمان ومن القدرة على وضع الثقة في الله والسماح له بأن يقودنا بدلاً من أن تقودنا المصالح الأرضية، التي هي على الدوام فورية وغير بعيدة النظر، خاصة وغير قادرة على احتضان الكل. أما الإيمان فيوقظنا على فكرة أن كل إنسان هو على صورة الله ومثاله، ومدعو لكي يسير نحو ملكوته. من ثمَّ تذكرنا الأسفار المقدسة أنه لا يمكننا أن نفعل شيئًا ما لم يمنحنا الله القوة والإلهام: "إن لم يبن الرب البيت فباطلا يتعب البناؤون". بعبارة أخرى، لا يمكن لمبادراتنا السياسية والثقافية والاجتماعية لتحسين العالم أن تحقق النجاح المنشود بدون الصلاة والانفتاح الأخوي على المخلوقات الأخرى باسم الخالق الواحد الذي يحب الحياة ويبارك صانعي السلام. واليوم، يتعرض السلام للتهديد في مناطق كثيرة من العالم. لنعترف معًا أن الحرب، كلَّ حرب، هي على الدوام هزيمة للبشرية جمعاء! أفكر في حرب أوكرانيا، وهي حرب تدنيس تهدد اليهود والمسيحيين على حد سواء، وتحرمهم من أحبائهم ومن منازلهم وممتلكاتهم وحياتهم! في الإرادة الجادة للاقتراب من بعضنا البعض وفي الحوار الأخوي فقط يمكننا أن نمهِّد الطريق للسلام. كيهود ومسيحيين، لنحاول أن نبذل كل ما في وسعنا لكي نوقف الحرب ونفتح سبل سلام».