محمد صلاح.. اسم يليق بمصر العائدة من فجر التاريخ!
(١)
محمد صلاح الأول على العالم باختيار الجماهير المحايد المتجرد رغم أنف التصويت الموجه!
ربما لا يصدق المصريون أنه فى يوم من الأيام كانت هذه هى المكانة العادية للمصريين فى كل المجالات المعروفة من فنون وعلوم ورياضة وسياسة!
كانت مصر تتربع على عرش الحضارة الإنسانية، قبلة الكون التى تتوجه إليها مواكب طالبى العلم والاستشفاء والإيواء والطعام.
محمد صلاح أتى إلينا من فجر التاريخ ليذكرنا بما كان وينفى تلال الأكاذيب والأوهام التى تم غرسها فينا واستسلمنا لها تمامًا.
(٢)
من مصر بدأ كل شىء وانتقل منها إلى ربوع الأرض. ابتكر المصريون الأوائل تقريبًا كل الرياضات المعروفة الآن فى صورها الأولى!
فقد ابتكر المصريون رياضات بدنية مارسها العسكريون كتدريبات عسكرية ومارسها المدنيون طلبًا للرياضة واقتناعًا بأهميتها، مثل المصارعة والملاكمة وحمل الأثقال والمبارزة بالخناجر والعصى ورياضة الوثب وألعاب القوى والسباحة والتجديف والفروسية!
فهنا أقدم منظر للمصارعة فى مقبرة بتاح حتب بسقارة من الدولة القديمة منذ أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة عام.
فى مقابر بنى حسن بالمنيا ومنذ أكثر من أربعة آلاف عام سجل المصريون أكثر من مائتى وضع لرياضة الملاكمة.
وسجل الملك أمنمحات الثانى بالجيزة منذ أكثر من ٤٠٠٠ عام على لوحة وثيقة مهمة تتحدث عن رياضة التجديف وأنه جدف بمجداف طوله ٢٠ ذراعًا لمسافة أربعة أميال.
ولعبت الفتيات لعبة رمى الكرة والسباحة!
فهناك مناظر توثق رياضة السباحة فى سقارة منذ أكثر من ٤٥٠٠عام.
كما ابتكر المصريون لعبة تشبه لعبة الهوكى الحالية.
وابتكر المصريون ألعاب التسلية والحظ والفكر مثل الضاما ولعبة سينيت ولعبة مثل الشطرنج تلعب بدبابيس من عاج.
مارس المصريون تلك الألعاب فى البيوت وفى الساحات وفى المدارس.
وسجلت الوثائق تحذير بعض المعلمين للتلاميذ من التفكير فى ساحة اللعب وقت الدروس!
من الأخطاء التاريخية التى تم تمريرها أن المسابقات الرياضية المجمعة عرفت لأول مرة فى الحضارة اليونانية، بينما الثابت وثائقيًا أن المصريين مارسوا الرياضات المجمعة.
ولقب بعض كبار الموظفين أنفسهم على مقابرهم بلقب (الرجل الرياضى).
(٣)
فى تسعينيات القرن الماضى وأثناء دراستى بأحد معاقل التطرف الدينى ومفارخ الإرهاب آنذاك (جامعة المنيا)، فازت مصر فى إحدى مباريات كرة القدم وكان الطلاب مجتمعين فى صالة كبرى حول شاشة التليفزيون الوحيدة المتاحة بالمدينة الجامعية.
فرحنا وهللنا كثيرًا حتى جاءنا الصوت الكئيب يسخر منا ويردد نفس العبارات السوداء التى نسمعها الآن إذا ما انتصرت مصر فى محفل رياضى... إن الرياضة ملهاة للشعوب يستخدمها الساسة!
وكانت المفارقة المحزنة أن أهم وثائق تفرد مصر رياضيًا منقوشة على جدران مقابر شرق النيل فى نفس المدينة التى اختطفها الغربان فى هذه السنوات الكالحة.
لقد كان السقوط هائلًا من الذرى إلى السفح.
تم وأد كثير من العلوم والفنون فى مصر عبر التاريخ حين فرط المصريون فى مواضع قوتهم التى حمت تلك الحضارة!
كنا نهبط كل فترة تاريخية درجة أو درجات بفعل فاعلين من الخارج أو بفعل البعض منا - حكامًا ومحكومين - حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه حضاريًا فى القرون الأخيرة قبل الغزو الفرنسى مباشرة!
فى تلك القرون الغابرة أصبحت الأمة المصرية جسدًا فاقد الحراك..لا علوم ولا فنون ولا رياضة ولا كرامة ولا حضارة..جهل وتخلف ومرض فضحته وثائق الحملة وما كتبه الجبرتى!
مشهد المدينة الجامعية كان متسقًا تمامًا مع ما آل إليه حال المصريين وقتها..استمراء التخلف والقبح وتبريره والدفاع عن البقاء فى ذيل الأمم حضاريًا!
(٤)
إنجاز محمد صلاح يتعدى النجاح الشخصى إلى ما هو أبعد كثيرًا جدًا. هو إعادة بعث لأمة لا تتبوأ موضعًا يليق بها أو بقيمتها الحضارية!
محاولات تشويهه المستميتة كانت محاولات اغتيال لهذه الفكرة والنموذج لصالح القبح والكآبة والسماجة التى أراد البعض - ولا يزالون - فرضها علينا!
محاولات تشويه محمد صلاح واغتياله معنويًا من وقت لآخر لصالح من خان بلاده صراحة هى محاولات اغتيال لفكرة الأمة المصرية الوطنية التى يخشى القريب والبعيد من استفاقتها!
لقد أتى محمد صلاح ليحرجنا حضاريًا!
لقد سار محمد صلاح على نفس الدرب الذى سار عليه نجيب محفوظ وأحمد زويل والقائد العسكرى والرئيس المصرى الهوى عبدالفتاح السيسى حور محب مصر المعاصرة ومجدى يعقوب وأحمد المنسى وغيرهم من ذلك العدد القليل الذى أدرك السر واستطاع السير على الدرب.
من أكثر من مائة وخمسة ملايين مواطن مصرى، تحتاج الأمة المصرية فقط إلى نصف مليون مصرى من تلك الفئة! فقط نصف بالمائة من هذا الطوفان البشرى!
فقط نصف مليون اسم من هذه الفئة القادمة من فجر التاريخ، فى شتى مناحى العلوم والفنون والآداب والرياضة وكل مفردة من مفردات الحضارة المعاصرة يكفى لقيادة هذه الأمة لإعادة بعثها حضاريًا!
جنبًا إلى جنب مع هؤلاء... فحتمية وجود القوة العسكرية القادرة الرادعة الدائمة...وحصر دور رجال الدين - جميعًا بلا استثناء - داخل دور العبادة فى أمور الدين الشعائرية...هو الطريق!
شكرًا محمد صلاح..شكرًا نجيب محفوظ وأحمد زويل وفاروق الباز وعبدالفتاح السيسى ومجدى يعقوب وأحمد المنسى وكل من سار على الدرب..فأنتم ومن شابهكم فقط من تليقون بمصر وتستحقون بطاقة هويتها الحضارية.