«مرثيات وطن».. رواية تعالج قضية المهاجرين من أصول إسلامية داخل أمريكا
تعالج رواية «مرثيات وطن»، للكاتب الأمريكي من أصول باكستانية إياد أختار، والصادرة في نسختها عن دار العربي للنشر، بترجمة محمد عثمان خليفة، قضية المهاجرين من أصول إسلامية داخل أمريكا، والمجتمع الغربي بشكل عام من بعد أحداث 11 سبتمبر وحتى الآن، خاصة مع صعود التيار اليميني المتطرف وانتشار نزعة القوميات بعد تولي دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة.
فمن خلال تجربته الشخصية ومواقف حياته بمراحلها المختلفة ينتقد «أختار» التعامل الأمريكي والغربي مع قضية المهاجرين من ذوي الأصول الإسلامية، ويوضح رؤيته الشخصية وتساؤلاته حول مستقبلهم في مرحلة ما بعد دونالد ترامب.
عوالم أبطال رواية «مرثيات وطن»
تنتظرنا في الرواية شخصيات مثيرة ومؤثرة، أبرزها: والد أختار، «سيكاندر»، وهو طبيب قلب جراح لامع حظي بفضل مهاراته واكتشافاته داخل ميدانه بشهرة كبيرة وبمرضى مثل دونالد ترمب، وعانق «الحلم الأمريكي» ودافع عنه بشراسة لا تخلو من سذاجة، قبل أن يختبر الألم مع وفاة زوجته وينحدر مساره فيخسر ما جناه على طاولات القمار ويخضع لمحاكمة بتهمة خطأ مهني لم يرتكبه.
لدينا أيضًا ضمن أبطال رواية «مرثيات وطن»، والدة أختار، وهي امرأة كئيبة تعاني من حالة حنين كبير لوطنها الأم ومن أسف شديد لاقترانها بسيكاندر بدلًا من زميلها السابق في كلية الطب وصديق زوجها الحميم الذي بقيت تحبه في السر حتى وفاتها، لدينا «رياض ريند»، الموظف المصرفي المثلي الذي يدير واحداً من صناديق الوقاء (أو المجازفة العالية) في وول ستريت، ويأخذ أختار تحت جناحه ويمنحه أمثولة في الحقائق الباردة لرأس المال، وبالتالي في الجانب المفترس للرأسمالية.
لكنّ قيمة الرواية تكمن خصوصًا في التأملات التي يقودها أختار داخلها في وضع أمريكا الراهن وفي تحليله الثاقب للمشاكل التي تتخبط بها، وفي هذا السياق، يبين لنا ارتباط صعود الأيديولوجيا العنصرية والمعادية للمهاجرين بفشل النظام الرأسمالي في تحسين أوضاع الطبقة العاملة في المدن الصغيرة والأرياف، ويكشف النتائج الوخيمة لوقوع ممارسة الطب اليوم في دائرة الكسب المادي، وتراجع القطاع الصناعي أمام تنامي السوق المالية وسلطتها، ويفضح توقف الإدارة الأمريكية عن تطبيق قانون مكافحة الاحتكار الذي أدى إلى التهام السوق على يد عدد محدود من الشركات الكبرى، من دون إهمال الجور المنهجي الذي يواجهه ذوو البشرة السمراء في بلاد العم السام.
ولأن تأملات الكاتب في "مرثيات وطن" لا تقتصر على وضع أمريكا الداخلي، نراه يحط بنا تارة في أفغانستان لتعرية مسؤولية أجهزة الاستخبارات الأمريكية في ما يحصل من حروب وصراعات داخل هذا البلد منذ ثلاثة عقود، وأخرى في باكستان حيث يعود إلى ظروف ولادة هذه الدولة وسيرورة تطورها في اتجاه فساد مدني وحكومي علني، من جهة، وفي عداء مفتوح للأجانب وكل من يختلف مع مسؤوليها وأبنائها في الرأي، من جهة أخرى، وبدلًا من أن تثقل المشاكل الاقتصادية والسياسية الغزيرة التي تقاربها حبكة روايته، نراها تنساب بيسر نادر داخل صفحاتها وتعزز من وقع سرديتها وقيمتها.
ولأن «أختار» لا يلتزم بأي محظور داخل نصه، يسرد أيضًا فيه بعض مغامراته العاطفية والجنسية، كعلاقته بشابة أمريكية مسلمة يقع في غرامها وتفترق عنه في النهاية، لكن ليس قبل أن تنقل إليه مرض الزهري؛ ويتوقف عند فصل معاشرته المشاهير والأثرياء خلال فترة من حياته، بفضل صديقه رياض ريند، ما يمنحه فرصة لخط بورتريه مثير للأرستقراطية الجديدة، ومع أنه سيعي بسرعة أنه لم يكن في تلك الفترة سوى «متزلف نيو ليبيرالي»، فيبتعد عن هذا المحيط، لكن ذلك لن يمنعه من الاستفادة من صديقه رياض لتوظيف كل ما يملكه في مشروع مالي مشبوه وجني أكثر من خمسة ملايين دولار.
كيف مزج إياذ أختار الواقع بالخرافة في مرثيات وطن؟
«مرثيات وطن» رواية شخصية عميقة حول الأمل والهوية في أمريكا اليوم، يمزج فيها مؤلفها إياد أختار، الواقع بالخرافة لسرد قصة ملحمية عن الانتماء وفقدانه في العالم الذي انبثق بعد 11 سبتمبر 2001.
ولكتابتها، شحذ صوتًا سرديًا جديدًا قادرًا على الإمساك ببلد دمر الدَين فيه حياة عدد كبير من أبنائه، وتمت التضحية بمُثُله العليا على مذبح الكسب المادي؛ وترأسه شخصية تلفزيونية عصابية، ويعيش المهاجرون داخله في خوف دائم، جروحه الحديثة لم تلتئم بعد الخراب داخله وخارجه على حد سواء.
رواية يسعى أختار فيها إلى استخلاص معنى لكل هذا عبر نشر قصته وقصة والديه، ولا يوفر أحدًا في طريقه، بما في ذلك نفسه.
«مرثيات وطن»، رواية لا نقرأها إذًا لمتعة السرد الخرافي التقليدي فيها، مع أن أختار يبرع في هذا الفن، بل لأنها محاولة استكشاف جريئة للذات والعالم، ولتشكيلها تحقيقًا عميقًا واستفزازيًا في الهوية الأمريكية المعقدة والإشكالية لكاتبها.