مارلين مونرو التى لا يعرفها أحد
تشريح داخلى لنفسية مارلين مونرو يجسده «Blond» أحدث الأفلام التى تتناول حياة أيقونة الإغراء العالمية، والذى تم عرضه مؤخرًا على إحدى المنصات الإلكترونية من كتابة وإخراج الأسترالى أندرو دومينيك، يستعرض الفيلم كيف عاشت حياة تعيسة بدأت بمعاناتها كطفلة فقدت والدها، مرورًا باستغلالها جنسيًا من قبل أباطرة هوليود، وكذلك تعرضها للإجهاض أكثر من مرة.
«أنقذوا طفلى» هكذا صرخت البطلة فور سقوطها وهى فى أشهر حملها الأولى لتفقد جنينها للمرة الثانية بعد أن شاهدناها داخل غرفة العمليات تتوسل إلى الأطباء بإيقاف عملية الإجهاض قبل أن تفر مسرعة داخل أروقة المستشفى صارخة «أصغوا إلى.. لقد غيرت رأيى»، تنتقل الكاميرا إلى أحشائها فى لقطات مؤلمة تجسد قتل الجنين داخل رحمها، لتعكس المشاهد التالية مدى تشوه روحها جراء ماحدث.
الشعور بالاغتراب أكثر ما حرص الفيلم على تجسيده فى حياة البطلة، حيث تعانى منه كطفلة تدعى نورما جين تتعرض للإيذاء ومحاولة القتل من قِبل والدتها، التى تعانى من اضطرابات نفسية شديدة انتهت بها إلى الحياة داخل مصحة نفسية، تمر السنوات وتقرر نورما أن تزور والدتها لتفاجأ بفشل الوالدة فى التعرف عليها لتنهار نورما فى البكاء، التى تظل تبحث عن والدها فى خط متوازٍ حيث تفتقده بشدة، متطلعة لخطاب أو خيط يوصلها إليه دون جدوى.
يستمر الاغتراب فى نهش روح مارلين حتى بعد الشهرة وهو ما تجسد فى أحد المشاهد حينما نظرت إلى صورتها الساحرة على أغلفة إحدى المجلات لتردد: «إنها جميلة لكنها ليست أنا».
قبل أن تصرخ ذات مرة فى الهاتف «اللعنة على مارلين.. إنها ليست هنا».. لقد تحول جمالها الساحر إلى لعنة تقاومها إذ تمنعها من التعرف على ذاتها التى تحاول أن تجدها لدى والدها الغائب ووالدتها المغيبة، بل لقد أجبرها جمالها الآسر على الخضوع الجنسى بشكل متكرر لعدة رجال، كان من بينهم الرئيس الأمريكى الذى اقتيدت إليه اقتيادًا مهينًا، حيث تستدعى إليه لتجد نفسها مطالبة بإشباع رغباته بشكل حيوانى، مما يعمق إحساسها برفض واقعها الذى تمعن فى الهروب منه من خلال إدمانها للمهدئات.
صنع الفيلم سياقات لصور مونرو الشهيرة تم تنفيذها بدقة شديدة سواء من حيث أحجام اللقطات أو الديكور أو الملابس، كما انتقلت الصور من الألوان إلى الأبيض والأسود أكثر من مرة، وهو ما نجح فى نقل المشاهد إلى زمن الأحداث وتعميق تأثير الكوابيس التى تطارد البطلة، وكيف تحولت لدمية مسلوبة الإرادة غير قادرة على رفض أو حتى اختيار المستغلين لها، لقد ركزت أحداث الفيلم تلك الفكرة، التى جسدت كيف تحولت أيقونة هوليود قرابة الثلاث ساعات هى مدة أحداث الفيلم، إلى امرأة يستغلها جسديًا كل من حولها إضافة إلى الندبات الدفينة داخل روحها، ومعاناتها فى البحث عن هويتها وجذورها وكذلك حرمانها من حلم الأمومة.
اللافت فى معالجة الفيلم أنها نقلت تأثير حياتها الخاصة على فنها والعكس، فنراها أثناء تصويرها أحد الأفلام تصرخ وتغادر الاستديو منهارة إثر معاناتها الشخصية فى الشعور باليتم والتيه، كما نرى تأثير عملها وتحولها إلى أيقونة للجمال والإغراء على حياتها الخاصة، وكيف تحولت لامرأة منكسرة مهزومة نتيجة تسليعها، وهو ما دفعها إلى إدمان المهدئات التى أودت بحياتها كما عبرت نهاية الفيلم.
لعب التجسيد دورًا مهمًا فى تميز الفيلم، حيث أدت الممثلة الكوبية آنا دى أرماس دور مارلين مونرو بإجادة كبيرة تأكدت من خلال تجسيدها أتعس لحظات حياتها، مثل فقدها جنينها وإجبارها على الاستغلال الجنسى، متفوقة على ميشيل وليامز التى جسدت دور مارلين مونرو فى فيلم «My Week with Marilyn»، لعب الماكياج والملابس دورًا مهمًا فى إقناع المشاهد بأنه يشاهد مارلين مونرو بالفعل فى فيلم «Blond»، إلا أن قدرات أرماس التمثيلية ظهرت فى مشاهد عدة مثل مشهد غرفة العمليات ولقائها بالرئيس الأمريكى.