ليس مؤتمرًا كونيًا للمناخ.. بل إعلان انتصار مصر!
(١)
فى مثل هذا التوقيت منذ تسع سنوات بالضبط، كان كل شىء فى مصر على حافة الهاوية..دولة بلغ تعداد سكنها آنذاك ما يزيد على تسعين مليون نسمة، كل تفاصيل حياتهم ومصائرهم، بل حياتهم على المحك!
كان أقصى غايات الحالمين والمخلصين لهذا الوطن تتلخص فى عبور المحنة وبقاء الدولة على قيد الحياة كما كانت دولة واحدة!
آلاف الشواهد والمشاهد كانت تنبئ بمصير أسود، لا أمن ولا مخزون استراتيجيا يمنح الطمأنينة، ولا مصادر طاقة كافية لاستمرار الحياة بشكلها الطبيعى الضرورى!
محاولات لخنق مصر ووأد إرادة شعبها وقراره وفرض السيناريو الأسوأ لاستكمال خريطة العبث أو الخراب العربى!
حتى القارة السمراء أدارت ظهرها لمصر، وتمت محاولات إخراج مصر من المحافل الدولية ونقل أى مقرات لمنظمات إقليمية موجودة فى مصر إلى خارجها وتجميد عضويتها فى منظمات أخرى!
ومعارك عسكرية شرسة بين منتخب الإرهاب الدولى وبين القوات المسلحة المصرية بين جبال سيناء ووديانها!
مشاهد اجتماعية بائسة ومشينة!
محاولات فظة لسرقة ثروات مصر البحرية!
هذه كانت خريطة مصر منذ تسع سنوات فقط!
(٢)
تسع سنوات قدمت الدولة المصرية العريقة خلالها نموذجا لفرض إرادتها العادلة ليس فقط فى مجرد البقاء، إنما فى خوض جميع المواجهات بالتوازى دون الإخلال أو التفريط فى أى مواجهة..
ملحمة سجلها التاريخ المعاصر للدولة المصرية وقيادتها ومعها السواد الأعظم من المصريين المخلصين..
تسع سنوات مواجهات عسكرية واقتصادية واجتماعية تم تتويجها اليوم بهذا المشهد الجليل الذى تابعه العالم أجمع..
الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى يستقبل العشرات من الرؤساء والملوك ورؤساء الحكومات من شتى بقاع الأرض فى مدينة السلام الحقيقية شرم الشيخ التى ارتدت كامل زينتها لللحظة الأهم فى العقود السابقة!
مصر تمد يدها بالسلام وتحقق على الأرض الوعد القرآنى الحق... ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين!
المشهد اليوم أكبر من مجرد مؤتمر دولى تستضيفه دولة إفريقية كما يحاول البعض ترويجه.
لكن حقيقة المشهد هو إعلان انتصار للإرادة المصرية.. لقد تحقق الانتصار بالفعل وشهد به الأعداء والأصدقاء.
لكن اليوم هو يوم التتويج بأكاليل النصر ويوم التوثيق والتسجيل التاريخى..أن كل مؤامرات قوى الشر ضد مصر كان مصيرها تحت أقدامها التى طالما دهست أعداء وطالما علت بقامتها، وتقزمت أمامها قامات من أرادها بسوء!
اليوم هو يوم العدل ويوم الإنصاف للقيادة المصرية الشريفة المخلصة.. هو يوم منحه الله لهذا الرجل الذى احتمل لسنوات تطاول المتطاولين والمشككين والخائنين!
لقد أراد الله أن ينصف الرئيس الوطنى المخلص ويمنحه مشهدا يلجم المرجفين ويرى من خلاله تجسيدا حيا لقانون إلهى سرمدى...إن الله لا يضيع أجر المخلصين والمحسنين!
اليوم يوم فرحة المصريين الذين ألهمهم الله حسن البصيرة لحظة الفرز القاسية فاختاروا وطنهم، ولم تخدعهم أكاذيب فراهنوا على فرسان الحق والنبل والوطن..
فالله يمنح هؤلاء المصريين لحظة هدهدة وطمأنينة وثقة أنهم كانوا على حق وأنه يكافئهم على ما احتملوه من بذاءات وحملات تشكيك فلم ينزلقوا أو ترجف قلوبهم للباطل!
(٣)
اليوم يوم شهدائنا بحق.. منذ الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١م حتى الآن لم تتوقف قوافل الشهداء على أرض مصر.
سقط المصريون فى الفخ عام ٢٠١٢م فدفعت الشرطة المصرية والقوات المسلحة ثمن ذلك السقوط دما..
صوب المصريون خطيأتهم عام ٢٠١٣م، فدفعت أيضًا الشرطة المصرية والقوات المسلحة ثمنا أكثر فداحة، وانضم لهما عوام المصريين فى الكنائس والمساجد فى الجود بفريضة الدم فداء لبقاء هذا الوطن!
أصيب المتآمرون وأعوانهم بهيستيريا جنونية بعد استفاقة المصريين، فأمدت قوى الشر هؤلاء المتآمرين بكل ما لديها من أسلحة ومساعدات فى محاولة مستميتة لإجهاض استفاقة المصريين...
ووقف رجال مصر يصدون عنها وعن المصريين شراسة الهجمة بأرواحهم ودمائهم...
إن كل حجر تم تشييده فى أى بناء فى تلك السنوات، وكل ترس تم تثبيته فى مصنع، وكل فدان أرض تمت زراعته فى تلك السنوات، وكل يوم عمل عمله أى مصرى وهو آمن، وكل مشهد إعمار شهدته مصر فى تلك السنوات، إنما كان خلف ذلك دماء الشهداء وأرواحهم وأسرهم التى جادت بهم...
نحن جميعا مدينون لتلك الدماء الطاهرة وهذه الأرواح المصرية المجاهدة بما نشهده اليوم..
فسلام على تلك الأرواح والدماء..وسلام على قلوب الأمهات والآباء الذين يشاهدون اليوم مصر تقتطف ثمار ما ضحى من أجله أبناؤهم...
شهداؤنا الأبرار وسادتنا...لتهدأ أرواحكم ولتسعدوا بمنزلتكم العليا التى أنزلكموها الله.. فلم تذهب تضحايتكم سدى..أو هباء منثورا.. ولم يفرط وطنكم- قيادة أو شعب- فى الأمانة.. فهذا يومكم وهذا عطاؤكم لهذا الوطن ولنا.. فاللهم طيب ثراكم وأثابكم عنا خير الجزاء..
(٤)
اليوم يوم تفتح ورود مصر التى غرستها فى السنوات القليلة السابقة..
بنات وشباب مصر الذين أعادتهم القيادة الوطنية الشريفة إلى مشاهد العمل الوطنى العام، بعد طول بعد واستبعاد ويأس..
آلاف الشابات والشبان من المتطوعين المؤهلين لمرافقة الوفود وتنظيم الفعاليات.. وجوه مصرية تملأ القلوب بهجة وأملا واطمئنانا وطموحا وثقة فى قدرتهم على تحمل مسؤلية البلاد اليوم وغدا..
لن يغرر بمصر والمصريين بعد هذا اليوم، ومثل هؤلاء الشباب يتصدرون مشاهد العمل العام..
هؤلاء صمام أمان هذه البلاد غدا..أعرف ما قامت به القيادة المصرية فى السنوات القليلة الماضية فى ملف إعداد وتأهيل الشباب المصرى للعمل العام والقيادة والنهوض بالمجتمع توعويا...
إن التناسب بين أعداد هؤلاء وبين تسلل الإرهاب إلى الأجيال الشابة هو تناسب عكسى.. كلما توسعت مصر فى توجيه شبابها للعمل التطوعى بعد تأهيلهم كلما قوى صمام أمان هذا الوطن.
فتحية لمن فتحوا الأبواب المغلقة لشابات وشباب مصر لحمايتها مما حاق بها سابقا..
وتحية لهذه الورود التى سرت ناظريها وبعثت برسائل الطمأنة للمصريين على مستقبل هذا الوطن...
(٥)
هذا الصباح كنت أتابع المشاهد وأتابع كلمة الرئيس السيسى، وكأنى أشهد يوم أن ألقى الشهيد السادات كلمة النصر فى مجلس الشعب المصرى عام ١٩٧٣م.
لم أكن أهتم بما يقال بعد كلمة مصر أو يتم اتخاذه من قرارات تخص موضوع المؤتمر.. لكنى كنت أستمتع بمشهد النصر!
ضاعف من قوة المشهد هذا التدفق السياحى على مطارات وموانىء مصر بحجم يعد الأكبر منذ محنة مصر عام ٢٠١١م.
هذا التدفق- وبعيدا عن بعده الاقتصادى- حول ما تشهده مصر وكأنه مظاهرة حب كونية لمصر واعتذار لها عما كان منذ سنوات قليلة بمشاركتها لحظة احتفالها بالنصر!
أتمنى من جميع المصريين أن يرتفعوا إلى مستوى الحدث بأن ينحوا جانبا ما دأبوا عليه من نشر توافه الأمور وبعض التفاصيل السلبية هنا أو هناك، وأن يحيوا تلك اللحظات بما تحمله فى طياتها من معان وطنية.. أن يترحموا على شهدائهم ثم يحتفلوا بمشهد إعلان النصر!
إن الذين يتوهمون أن المصريين سيحولون مشهد نصرهم إلى مشاهد فوضوية هم فى حاجة إلى الكشف على قواهم العقلية!
بل إن المصرى الذى لا يرى فيما يحدث فى مصر ما يستحق الاحتفال- إن لم يكن معطوبا فى ولائه الوطنى- فهو ولا شك يعانى من خلل عقلى كبير!