جريمة التنمر والتمييز فى مهرجان الأوبرا
لأكثر من عام أتجاهل ما يعتبره البعض من السلبيات فى مهرجان الموسيقى العربية، أولًا حتى لا أمنح المغرضين من خارج مصر فرصة الطعن فى أحد أهم المهرجانات الدولية المتخصصة فى الموسيقى فى الشرق الأوسط.. وثانيًا لأننى أعرف أن هناك أفرادًا ومؤسسات يسعون لسحب السجادة والريادة من القاهرة لعواصم أخرى لا تملك تاريخًا لا فى الأوبرا ولا فى الموسيقى ولا فى الغناء من الأصل.
لأكثر من عام أتجاهل فكرة أن أتعرض بأى انتقاد لما أراه واجب التصحيح وأكتفى بالتحدث لعدد من الأصدقاء فى وزارة الثقافة.. بعضهم له علاقة مباشرة بالمهرجان وبعضهم ممن يضعون السياسات الثقافية للوزارة برمتها.. وغالبًا ما كانت تتم الاستجابة لما ننصح به من باب المحبة والحرص على المهرجان.. وكان الأمر كافيًا عند ذاك الحد.. إلا أننى لاحظت خلطًا عجيبًا بين هوية مهرجان عماده الأساسى «الموسيقى» وبين ما نسميه «الحفلات الجماهيرية» التى حلت عوضًا عن غياب دور الثقافة الجماهيرية من ناحية.. واختفاء حفلات أضواء المدينة وليالى التليفزيون من ناحية أخرى.. وسبق أن أشرت إلى ذلك التماهى بين حفلات مهرجان القلعة المسمى «محكى القلعة».. ومهرجان القاهرة وحفلات دار الأوبرا فى المحافظات تلك التى تقام فى ساحات المعابد بالتعاون بين وزارتى الآثار والتنمية المحلية.
ورغم الفرح الشديد بذلك الحضور الجماهيرى الكثيف لكل حفلات المهرجان فى دوراته المتتالية.. وقناعتى بأنه لو زادت كراسى الحفلات ثلاثة أضعاف ستنفد تذاكر الحضور أيضًا فالجمهور المصرى كان، ولا يزال، على علاقة طيبة ومدهشة مع الفنون جميعًا وفى مقدمتها الغناء.
بالرغم من تلك السعادة فإن عددًا من الوقائع التى صاحبت مهرجان هذا العام الذى يحل فى وجود الوزيرة الجديدة- نيفين الكيلانى- التى أزعم أنها لم تتدخل فى أمر هذه الدورة من المهرجان.. أقول: بعض ما جرى يستوجب أن ندق الأجراس ونلفت النظر وأن نراجع قيادات المهرجان ولجنته الدائمة.. وبالمناسبة لا أعرف ما السر فى بقاء السيدة جيهان مرسى فى موقع الأمين العام للمهرجان طيلة هذه السنوات بلا أى تجديد يُذكر.. سوى أنها تخرج للإعلام بتصريحات مغلوطة. مثل تلك التى أدلت بها حول غياب إحدى الفنانات لتعلن اعتزالها فيما تخرج الفنانة الأردنية فيما بعد لتكذّب السيدة «مرسى».
لا أعرف السيدة.. وليس بينى وبينها أى سابق معرفة لكن الأمر لا يعنى الرغبة فى التخلص منها أو الإتيان بغيرها.. الأمر يتعلق بتجديد شكل المهرجان ونجومه.. فأكثر من ثمانين بالمائة ممن يشاركون فى حفلات المهرجان يتكررون منذ خمس سنوات تقريبًا.
الأغرب أن سنة غير حسنة.. جرت هذا العام.. إذ قرر السادة أعضاء اللجنة الموقرة تكريم أحد أعضاء اللجنة ذاتها من الشعراء، وكأن مصر والوطن العربى قد خلا من اسم شاعر بعيدًا عن أعضاء اللجنة.. ورغم محبتى لما يكتبه هانى عبدالكريم فإنه كان عليه أن يستشعر الحرج فى ظل تجاهل اللجنة أسماء شعراء كبار رحلوا مثل محسن الخياط وفؤاد قاعود وعبدالرحيم منصور.. وآخرين ممن يعيشون بيننا من جيل الرواد ومن تلاهم من الذين قاربوا على سن المعاش أو تجاوزوه بقليل. ورغم فرحتى بتكريم الملحن حسين فوزى على سبيل المثال والاحتفاء بمئوية على إسماعيل كذلك.. فإنه كان من الغريب أن يتم تجاهل مئوية منير مراد وهو مَن هو.
أشعر بأن أعمال هذه اللجنة، مع الاحترام الكامل لمن هم فى عضويتها وبعضهم من الأصدقاء، تتم فى عجالة ودون تخطيط مسبق.. ويكاد الأمر يبدو فى تجهيز جدول للحفلات ليس إلا.
وإذا تجاوزنا عما سبق الإشارة إليه وغيره الكثير مما يمكن الوقوف عنده لكنه يظل فى سياق ما يمكن تلافيه فى الدورات المقبلة.. إلا أن ما جرى فى اليوم الأخير لحفلات الأوبرا بالقاهرة أمر يثير الريبة والدهشة ويدعو للاشمئزاز.. فقد علمنا وشاهدنا فى بعض مقاطع الفيديو.. ذلك الشاب أحمد سالم المعروف شعبيًا بـ«المطرب النقاش» وهو يُجرى البروفات إلى جانب الفنانة أصالة.. وعلمنا أيضًا أنه كان من المقرر أن يشاركها فى فقرة غير مطولة لا تزيد على دقائق ربما لا تتجاوز العشر فى مقاطع من أغنيتين إحداهما من ألحان الموسيقار حلمى بكر، عضو اللجنة التى تدير المهرجان. إلا أننا فوجئنا باختفاء الشاب سالم.. وبعد أن سألنا كل من تابع الأمر.. كان أن علمنا أنه تم استبعاده بأوامر فوقية من إدارة المهرجان بحجة «وقار الأوبرا».
كان الأمر مستغربًا.. ماذا يعنى مصطلح وقار الأوبرا؟! هل يعنى أن كل ملحن مارس مهنة شريفة مثل النقاشة ليس من حقه أن يغنى على مسارح الأوبرا؟.. هل سيخدش حياءها.. أم حياء اللجنة الوقورة؟.. وبعد ما تواصل صوت الاحتجاجات ضد هذه المهزلة غير الأخلاقية بالمرة كشف السيد حلمى بكر عن عضو اللجنة الذى طلب استبعاد سالم واستجابت له السيدة مرسى.. إنه- الموسيقار بكر نفسه- الذى راح يشرح أن الشاب لم يكن مستعدًا وأنه يحتاج إلى وقت متسائلًا: ماذا لو أخطأ على المسرح؟! «يا سلام» أو لم تخطئ أم كلثوم بجلالة قدرها؟.. أو لم ينشز عبدالحليم؟.. ما هذا الهزل؟.. يبدو أن الموسيقار الكبير الذى نعرف قيمة ألحانه جيدًا اختلط عليه الأمر ما بين موقعه فى لجنة المهرجان وموقعه فى برنامج السيدة هندية، لا أعيب على السيد حلمى بكر الذى يحتاج إلى الراحة حتى تعود له لياقته التى يبدو أنه افتقدها، لكننى أوجه اتهامًا مباشرًا للسيدة جيهان مرسى وإدارة المهرجان بممارسة العنصرية والتنمر والتمييز، وهى جرائم يعاقب عليها القانون المصرى.. وعليهم- إذا لم يكونوا على علم بأن المهرجان يقام على أرض مصرية وفى مؤسسة يملكها الشعب المصرى كله دون تمييز- أن يرحلوا ويتركوا مواقعهم لمن يعرف.. وسواء رحلوا أو ظلوا.. عليهم الاعتذار للمطرب الشاب أحمد سالم، ولكل أصحاب المهن الشريفة فى بلادنا.. وللمهرجان وجمهوره أولًا وأخيرًا.