قمة المناخ.. نجاح إجبارى
الأخطار الوجودية، غير المسبوقة، التى تهدّد كوكب الأرض، تستوجب تحركًا سريعًا من كل دول العالم، لوضع خارطة طريق تنقذ الكوكب وساكنيه من نهاية صعبة، تسير نحوها الدول، التى توصف بأنها متقدمة، بخطى متسارعة. وعليه، لم يعد أمام العالم أى بدائل غير خروج قمة شرم الشيخ، كوب ٢٧، بقرارات تنفيذية وإجراءات ملزمة وخطط عمل واضحة، ترقى إلى مستوى التطلعات والطموحات.
العالم، باختصار، فى أشد الحاجة للخروج من شرم الشيخ بـ«اتفاقية تاريخية»، كما أكد أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، فى حوار نشرته جريدة الـ«جارديان»، يوم الجمعة، قال فيه بمنتهى الوضوح إن «السياسات الحالية بشأن المناخ كارثية جدًا، ولن نكون قادرين على تغيير هذا الوضع إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، يتضمن تعهدات جديدة وواضحة بشأن التمويل». والكلام نفسه تقريبًا قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام الاجتماع المغلق لرؤساء الدول والحكومات حول تغير المناخ، الذى عقدته الأمم المتحدة، فى ٢١ سبتمبر الماضى، التى شدد فيها على ضرورة ألا تتسبب الخلافات السياسية أو أى ظروف عالمية، فى التراجع عن التزامات وتعهدات مواجهة تغير المناخ، التى قطعها العالم على نفسه.
لإيمانها بضرورة تضافر الجهود للحد من تأثيرات التغير المناخى، بذلت مصر كل الجهود الممكنة لجعل قمة شرم الشيخ نقطة تحول جذرية، فى العمل الجماعى متعدد الأطراف، ولن تدخر جهدًا فى قيادة العمل الدولى لمواجهة تغير المناخ، وستعمل على توفير أفضل الظروف التى تتيح لجميع المشاركين من جميع الأطراف، الحكومية وغير الحكومية، المساهمة فى إنجاح هذا الحدث المهم وضمان خروجه بالنتائج المرجوة، كما أكد سامح شكرى، وزير الخارجية، خلال تسلمه، أمس، رئاسة المؤتمر، فى الجلسة الافتتاحية، التى شهدت اعتماد جدول أعمال الدورة، متضمنًا، للمرة الأولى، بندًا حول معالجة الخسائر والأضرار.
البداية، إذن، مبشرة وتدعو إلى التفاؤل. لكن، قبل أن يزيد تفاؤلك، وأنت تشاهد، اليوم وغدًا، كلمات رؤساء الدول والحكومات، نشير إلى أن تلك الكلمات فى كل القمم السابقة، شدّدت على ضرورة تعزيز جهود التكيف للتعامل مع الكوارث المناخية، ولمواجهة آثارها المستقبلية، وحذّرت من أن الفشل فى ذلك يهدد حياة المزيد من البشر، و... و... وتضمنت وعودًا وتعهدات، بعيدة كل البعد عما شهدته غرف التفاوض، التى حرصت على إبقاء ثغرات تحيل أى قرارات، أو توصيات أو تعهدات إلى حبر على ورق، كتلك الثغرة، التى منعت تفعيل العديد من مواد «اتفاقية باريس»، خاصة المادة ١٣، التى تتعلق بالشفافية والمحاسبة.
بسبب وجود ثغرات، أيضًا، لم يتم إلى الآن حسم قضايا فنية خاصة بتلك الاتفاقية، الموقعة سنة ٢٠١٥، والتى كانت توصف بأنها «تاريخية ودائمة وطموحة»، والتزمت فيها دول العالم كلها بخفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، وحصر الاحترار فى أقل من درجتين مئويتين، وصولًا إلى درجة مئوية ونصف درجة، إذا أمكن، مقارنة بمعدلات ما قبل الثورة الصناعية. فى حين لا تزال كل التقارير والدراسات البيئية تؤكد أن العالم يسير فى طريق معاكس، وانتهى تقرير «فجوة الانبعاثات» الصادر، منذ أيام، عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى أنه لا يوجد «مسار موثوق» لإبقاء درجات الحرارة دون عتبة الـ١.٥ درجة.
أيضًا، كانت قضية إنهاء استخدام الفحم، مثلًا، على رأس أولويات قمة المناخ الماضية، كوب ٢٦، التى استضافتها مدينة جلاسكو البريطانية، ونص أحد قراراتها على إنهاء الدعم العام المباشر أو تقديم منح تمويل لإنشاء محطات طاقة تعمل بالفحم، على المستوى الدولى. ومع ذلك، لم تلتزم دول أوروبية عديدة، أبرزها ألمانيا، بهذا القرار، وعادت إلى استخدام الفحم، لتعويض نقص إمدادات الطاقة الروسية.
أخيرًا، وبعد أن تضرّرت دول عديدة بالفعل وشهدت كوارث، بات نجاح قمة شرم الشيخ إجباريًا، ولم يعد هناك مفر من تحويل قراراتها المرتقبة، وقرارات القمم السابقة، إلى إجراءات ملزمة، وإيجاد آلية لمحاسبة الدول التى تنتهكها، خاصة بعد أن حذّر أحدث تقرير أصدرته «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ»، IPCC، التابعة للأمم المتحدة، من أن الظواهر المناخية المتطرفة قد تصبح أكثر تواترًا وأشد قسوة.