هل يحلّ السلام فى إثيوبيا؟
بعد عشرة أيام تقريبًا من المحادثات بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيجراى، استضافتها جنوب إفريقيا، قام الطرفان أمس الأول، الأربعاء، بتوقيع «اتفاق وقف العدائيات»، الذى رحبت به مصر، بلسان السفير أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، وأعربت عن تمنياتها بأن يسهم فى إحلال السلام الدائم فى الدولة الإفريقية الشقيقة، وأن يتيح الفرصة لحكومة إثيوبيا وشعبها، لإزالة آثار النزاع ومعالجة أسبابه، ولتضميد الجروح وإعادة بناء السلام الاجتماعى.
اليوم، الرابع من نوفمبر، تحلّ الذكرى الثانية لقيام رئيس الوزراء الإثيوبى، الحاصل على «جائزة نوبل للسلام»، بإرسال قوات حكومته، للإطاحة بـ«الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى»، الحزب الحاكم للإقليم، الذى كان يهيمن على الحياة السياسية فى إثيوبيا، لثلاثة عقود، ثم تعقّد الصراع بمشاركة إريتريا المجاورة. لكن فى ٢٨ يونيو ٢٠٢١، تمكنت قوات «الجبهة الشعبية» من استعادة سيطرتها على مدينة ميكيلى عاصمة الإقليم، ما دفع الحكومة الإثيوبية إلى سحب قواتها، والإدارة المؤقتة، التى عينتها. ثم اتسعت المواجهات لتشمل أقاليم أمهرة وعفر وأورومو و... و... وأسفرت عن مقتل آلاف وتشريد ملايين وأغرق الشمال الإثيوبى فى أزمة إنسانية خطيرة، لم توقفها إدانات أممية وأوروبية شفهية، أو عقوبات أمريكية شكلية، لم تكن رادعة.
فى مثل هذا اليوم، أيضًا، من السنة الماضية، كانت المعارك تشتد والرعب يجتاح العاصمة الإثيوبية، والعائلات ترتعد فى منازلها وتخشى أى طرقة على الباب، بحسب جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية، التى حذرت من احتمال حدوث انهيار شامل فى ثانى أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان. وبينما كان جيفرى فيلتمان، المبعوث الأمريكى للقرن الإفريقى، يواصل عقد لقاءاته مع كبار المسئولين الحكوميين فى أديس أبابا، كان قادة تسع مجموعات مناهضة للحكومة الإثيوبية يجتمعون فى واشنطن، للتوقيع على وثيقة إنشاء تحالف سياسى وعسكرى جديد، سمّوه «الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية الإثيوبية»، يهدف إلى الإطاحة بالحكومة الإثيوبية، بالقوة أو التفاوض، وإجراء حوار وطنى شامل لوضع ترتيب انتقالى.
وسط هذه «المعجنة»، كانت مصر تدعو إلى تغليب روح التعاون، وتؤكد ضرورة تضافر الجهود وتفعيل آليات الاتحاد الإفريقى، لمواجهة التحديات العديدة التى تواجهها دول القارة، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا. كما لم تدخر جهدًا لمعالجة الأسباب الجذرية لتلك التحديات، عبر أنشطة بناء السلام وتثبيت الاستقرار. وبقليل من التركيز، يمكنك ملاحظة أن الدولة المصرية، منذ منتصف ٢٠١٤، أولت قضايا القارة السمراء أولوية متقدمة فى سياستها الخارجية، وقامت بتكثيف التواصل وتعزيز علاقاتها مع جميع دول القارة، بلا استثناء، وسخّرت كل إمكاناتها، وجهودها، وخبراتها لدفع عجلة العمل الإفريقى المشترك.
تأسيسًا على ذلك، أو استكمالًا لهذا التوجه، رحّب السفير أحمد أبوزيد، الذى هو أيضًا مدير إدارة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية، بتوقيع «اتفاق وقف العدائيات»، مؤكدًا أن إحلال السلام فى إثيوبيا يُعد أملًا ومطلبًا لجميع شعوب القارة الإفريقية، نظرًا لأهمية ذلك فى تعزيز بنية السِلم والأمن والاستقرار فى القارة السمراء، وفى منطقة شرق إفريقيا على وجه الخصوص. ونقل المتحدث باسم وزارة الخارجية شكر وتقدير الدولة المصرية للجهود التى بذلها رئيس نيجيريا السابق أولوسيجين أوباسانجو، الممثل الأعلى للاتحاد الإفريقى، وأعضاء فريق الحكماء وفريق الاتحاد رفيع المستوى لعملية السلام الإثيوبية. كما وجه الشكر، باسم مصر أيضًا، لرئيس دولة جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، وحكومة بلاده على استضافتهم لهذه المحادثات.
.. ولا يبقى غير الإشارة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، تناول أمس الأول الأربعاء، فى كلمته أمام القمة العربية الحادية والثلاثين، معضلة الأمن المائى، التى تؤثر على عدد من الدول العربية، وتنذر بعواقب وخيمة إذا تم تجاهلها، وجدّد التأكيد على أهمية الاستمرار فى حث إثيوبيا على التحلى بالإرادة السياسية وحسن النوايا اللازمين، للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن «سد النهضة» تنفيذًا للبيان الرئاسى الصادر عن مجلس الأمن، فى سبتمبر ٢٠٢١، والأخذ بأى من الحلول الكثيرة، التى تم طرحها عبر العديد من جولات المفاوضات، والتى تؤمّن مصالح الشعب الإثيوبى الاقتصادية، وتصون، فى الوقت ذاته، حياة الشعبين المصرى والسودانى.