رؤية مصر لـ«لم شمل» العرب
مع تجديد التأكيد على أن مصر لن تدخر جهدًا فى سبيل دعم جامعتنا العربية، بيت العرب، بما يحقق مصالح شعوب كل الدول العربية الشقيقة، شدّد الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته، أو كلمة مصر، أمام القمة العربية الحادية والثلاثين، أمس الأربعاء، على ضرورة استلهام روح القومية العربية، وتجديد عزيمة الصمود، من أجل الحفاظ على هويتنا، وتحرير إرادتنا الوطنية، والدفاع عن حقوق شعوبنا، وصون مقدراتها.
يوم انعقاد القمة، التى استضافتها العاصمة الجزائرية واختير لها شعار «لم الشمل»، قلنا إن لم شمل العرب لن يتحقق إلا باتفاق القادة على تطوير المنظومة العربية لمكافحة الإرهاب، ونقلنا عن كلمة مصر، التى ألقاها الرئيس فى القمة السابقة، أن «الدم العربى لا يزال يراق فى عدد من الأوطان العربية، بأيدٍ عربية حينًا، وعلى يد إرهابيين أجانب وميليشيات عميلة لقوى إقليمية، تسعى للتدخل فى الشئون العربية لإعلاء مصالحها، أحيانًا أخرى». وأشرنا إلى أن هذه الكلمة، لخصت، فى حوالى ألف كلمة، كل أزمات المنطقة، سواء الموروثة من مرحلة التحرر الوطنى، أو تلك التى تفجرت، منذ ١١ سنة، فى أكثر من بلد عربى.
اليوم، ومن واقع الترابط الفعلى، الذى يجعلنا جميعًا أعضاءً لجسد واحد.. ومع حجم التحديات، الذى يفوق قدرة أى دولة على التصدى له منفردة، طالب الرئيس بتبنى مقاربة مشتركة وشاملة تهدف إلى تعزيز قدرتنا الجماعية على مواجهة مختلف الأزمات استنادًا إلى أسس واضحة تقوم على تكريس مفهوم الوطن العربى الجامع من ناحية، والدولة الوطنية ودعم دور مؤسساتها الدستورية من ناحية أخرى، بما يسهم فى حفظ السلم الاجتماعى وترسيخ ركائز الحكم الرشيد والمواطنة وحقوق الإنسان ونبذ الطائفية والتعصب، والقضاء على التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وقطع الطريق أمام أى محاولات لدعمها أو منحها غطاءً سياسيًا أو توظيفها من قبل بعض القوى الإقليمية أو الدولية لإنشاء مناطق نفوذ لها فى العالم العربى.
ضمان قوة وحدة الصف العربى، كما قال الرئيس، خطوة أساسية على صعيد تأسيس علاقات جوار إقليمى مستقيمة تستند إلى مبادئ غير قابلة للمساومة وملزمة للجميع، وهى احترام استقلال وسيادة وعروبة دولنا، وتحقيق المنفعة المتبادلة، وحسن الجوار والامتناع الكامل عن التدخل فى الشئون العربية. وعليه، أكد الرئيس أننا ما زلنا نحتاج إلى مزيد من العمل العربى الجماعى، لتسوية القضية الفلسطينية، التى كانت تاريخيًا وستظل المعيار الحقيقى لمدى تماسكنا. وأيضًا، للتعامل مع أزمات ليبيا وسوريا واليمن والعراق والسودان، التى تؤثر علينا جميعًا وتعرقل جهودنا فى التنمية والتكامل.
على أرضية ما يجمعنا من تاريخ مشترك، وتطلعًا إلى مستقبل أكثر ازدهارًا، أكد الرئيس أن مصر ستظل طامحة وراغبة فى تحقيق شراكة فعلية بين دولنا، وتعزيز قدراتنا العربية، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، موضحًا أن تكامل القدرات المتباينة ينشئ منظومة صلبة قادرة على مواجهة التحديات المشتركة، والأزمات الدولية المستجدة بما فى ذلك أزمتا الطاقة والغذاء. بل إنها ستوفر الحماية لنا جميعًا من الاستقطاب الدولى الآخذ فى التصاعد فى الفترة الأخيرة. هذا الاستقطاب الذى باتت له تبعات سلبية على التناول الدولى لأزمات منطقتنا العربية، والذى أعاد للأذهان مظاهر حقبة تاريخية عانى فيها العالم بأسره.
فى ظل تتابع الأزمات العالمية والإقليمية، دعا الرئيس السيسى إلى استعادة محطات التعاون المضيئة فى تاريخنا، التى تجسدت فيها أسمى معانى العروبة والإخاء والتكاتف، وتعهد بأن تضع مصر نصب أعينها، دومًا، تماسك الكيان العربى، وصونه وحمايته. وفى سياق وحدة الأمن القومى العربى، تناول الرئيس معضلة الأمن المائى، التى تؤثر على عدد من الدول العربية، وتنذر بعواقب وخيمة إذا تم تجاهلها، مجددًا التأكيد على أهمية الاستمرار فى حث إثيوبيا على التحلى بالإرادة السياسية وحسن النوايا اللازمين، للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن «سد النهضة» تنفيذًا للبيان الرئاسى الصادر عن مجلس الأمن، فى سبتمبر ٢٠٢١، والأخذ بأى من الحلول الكثيرة، التى تم طرحها عبر العديد من جولات المفاوضات، والتى تؤمّن مصالح الشعب الإثيوبى الاقتصادية، وتصون، فى الوقت ذاته، حياة الشعبين المصرى والسودانى.
.. أخيرًا، ولأن تحدى الأمن المائى لا ينفصل عن تحديات أخرى تواجهها المنطقة، أبرزها تغير المناخ، الذى أصبح واقعًا مفروضًا على العالم، أعرب الرئيس عن تطلعه لاستقبال القادة العرب فى مصر، يومىّ ٧ و٨ نوفمبر الجارى بـ«قمة شرم الشيخ لتنفيذ تعهدات المناخ»، حتى نتمكن من تحويل هذا التحدى إلى فرصة حقيقية للتنمية والانتقال إلى أنماط اقتصادية أكثر استدامة لصالحنا جميعًا.