الدولار.. واتفاق الصندوق
التركيز على انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، الذى لم يكن غير تحصيل لحاصل، «غلوش» جزئيًا على التوصل إلى اتفاق، على مستوى الخبراء، بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولى، الذى جاء نتيجة مناقشات مثمرة، وفى قول آخر «بعد جهد شاق من المفاوضات»، اتفق خلالها الطرفان على حزمة متكاملة من السياسات والتدابير والإصلاحات الاقتصادية والهيكلية المتسقة مع برنامج الإصلاح الوطنى.
برنامج الحكومة، الذى يدعمه صندوق النقد الدولى، يستهدف حماية استقرار الاقتصاد الكلى، واستدامة الدين العام، وتحسين قدرة الاقتصاد المصرى على مواجهة الصدمات الخارجية الناتجة عن الأزمات العالمية الحالية، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، ومضاعفة الإصلاحات الهيكلية، التى من شأنها دعم النمو، وزيادة المكون الإنتاجى وإفساح المجال للقطاع الخاص، لكى يقوم بدوره فى دفع عجلة التنمية وتوفير المزيد من فرص العمل. وبشأن السياسة النقدية، عرفنا من محافظ البنك المركزى، أنها تستهدف إعادة بناء الاحتياطيات الدولية، ومضاعفتها، خلال السنوات الأربع المقبلة على نحو تدريجى ومستدام، بعد التأكد من سد الفجوة التمويلية.
الاتفاق مع الخبراء، يأتى فى إطار آلية «تسهيل الصندوق الممدد»، Extended Fund Facility، ويوجه رسالة واضحة وصريحة، للداخل والخارج، بأن أوضاع الاقتصاد المصرى مستقرة وآمنة. وفى المؤتمر الصحفى الذى عقده الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أمس، بمقر مجلس الوزراء، قالت الدكتورة إيفانا هولار، رئيسة بعثة مصر المُكلفة من الصندوق، إنه يستهدف ضبط ميزان المدفوعات، ودعم الموازنة العامة للدولة المصرية، وتحفيز عملية الحصول على تمويل إضافى من شركاء مصر الدوليين والإقليميين؛ للحفاظ على الاستقرار الاقتصادى، ومعالجة اختلالات الاقتصاد الكلى التى نتجت عن تداعيات الحرب فى أوكرانيا، موضحة أن البيئة العالمية، التى تشهد حاليًا تغيرات بوتيرة متسارعة، وكذا التداعيات المرتبطة بالحرب فى أوكرانيا، تفرض تحديات كبيرة على كل دول العالم، بما فيها مصر.
يتضمن الاتفاق تمويلًا بـ٩ مليارات دولار: ٣ مليارات دولار من الصندوق، ومليار دولار من صندوق «الاستدامة والمرونة»، و٥ مليارات دولار من الشركاء الدوليين. وفى هذا الإطار، سترتكز سياستنا المالية، بحسب الدكتور محمد معيط، وزير المالية، على خفض الدين الحكومى لأقل من ٨٠٪، وضبط الاحتياجات التمويلية الإجمالية، والاستمرار فى سياسة الضبط المالى على المدى المتوسط، من خلال تنفيذ استراتيجية الإيرادات الحكومية متوسطة الأجل، وتحسين كفاءة وفاعلية وتدرج النظام الضريبى، عن طريق زيادة القاعدة الضريبية وضم الاقتصاد غير الرسمى؛ لتحقيق فائض أولى مستدام، وأيضًا تخفيض عجز الموازنة.
مع هذا التوضيح، الذى نراه مطمئنًا، تعهد وزير المالية بأن تستمر الإصلاحات الهيكلية للمالية العامة، التى تهدف إلى زيادة تحسين تكوين الموازنة العامة، وتعزيز الحوكمة، والمساءلة، والشفافية، ودعم أهداف التخفيف من آثار تغير المناخ. كما تعهّد، أيضًا، بالاستمرار فى تعزيز الحماية الاجتماعية، من خلال تبنى حزم متعددة من إجراءات الحماية الاجتماعية، التى تم الإعلان عن عدد منها فى أبريل وسبتمبر وأمس الأول.
فى هذا السياق، يمكننا قراءة قرار لجنة السياسات النقدية، بالبنك المركزى، بالانتقال، بصورة دائمة، إلى نظام سعر صرف مرن، يترك لقوى العرض والطلب تحديد قيمة الجنيه المصرى مقابل العملات الأجنبية الأخرى، ومنها الدولار، وهى الخطوة التى كانت مهمة وضرورية، بعد أن وصل سعر الدولار، كما يعرف القاضى والدانى والواقف بينهما، فى السوق السوداء، التى يصفونها بـ«السوق الموازية» إلى ٢٥ جنيهًا. وفى هذا السياق، يمكننا أيضًا قراءة قرار رفع سعر الفائدة، وغيرها من القرارات، التى تهدف إلى النزول بالأسعار، واحتواء الضغوط التضخمية، ومعالجة آثارها، ثم خفض التضخم، حتى يصل إلى حدود الرقم، الذى يستهدفه البنك المركزى، والذى سيتم الإعلان عنه نهاية العام الجارى.
.. وتبقى الإشارة إلى أن البنك المركزى أعلن، أمس، أيضًا، عن الإلغاء التدريجى للتعليمات الخاصة باستخدام الاعتمادات المستندية فى عمليات تمويل الاستيراد، وصولًا إلى إلغائها بالكامل قبل نهاية العام، مع رفع مبلغ الشحنات السابق استثناؤها، ليصبح ٥٠٠ ألف دولار، بدلًا من ٥ آلاف دولار. وهو ما يعنى، ببساطة، حل مشاكل غالبية المستوردين ومحتكرى الشاى والقهوة و... و... وقاتلى الكتاكيت.