مداخلتان للكرسى الرسولى فى الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة
يشارك المطران غابرييليه كاتشيا، مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة، في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد كانت له مداخلتان، عصر أمس الاثنين، حول الأسلحة التقليدية وحول نزع السلاح وتدابير الأمن الدولي الأخرى.
وفي مداخلته حول الأسلحة التقليدية، قال المطران كاتشيا: يريد الكرسي الرسولي أن يؤكد مجدّدًا دعمه الجهود متعددة الأطراف لتعزيز والتنفيذ الكامل لبرنامج العمل لمنع الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة ومكافحته والقضاء عليه والصك الدولي للتعقب، وهما وسيلتان مهمتان لإعاقة الآثار الشائنة للانتشار غير المنضبط للأسلحة غير المشروعة. وأضاف هناك علاقة عميقة بين الاتجار غير المشروع بالأسلحة والعنف. ففي أيدي الإرهابيين والجريمة المنظمة والعصابات والجماعات التي تتاجر بالبشر والمخدرات والحياة البرية المحمية، تدعم التجارة غير المشروعة بالأسلحة، وفي كثير من الحالات، تسمح أيضًا للأعمال الخبيثة بأن تترسخ في كل مكان.
وتابع مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة يقول: هناك أيضا علاقة عميقة بين القضاء على هذا الانتشار المروع والتنمية البشرية المتكاملة والسلام. ففي عام ١٩٦٧، أعلن البابا بولس السادس عن أن التنمية هي الاسم الجديد للسلام، وبالتالي لا يسعنا إلا أن نلاحظ أن كلمات البابا بولس السادس تتكرر إلى حد ما في خطة التنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠، مضيفا: "لا يمكن أن تكون هناك تنمية مستدامة بدون سلام ولا سلام بدون تنمية مستدامة". وفي هذا الصدد، يثق الكرسي الرسولي فى أنّه يمكن لبرنامج العمل أن يعزز حقًّا احترام حياة وكرامة الإنسان من خلال نشر ثقافة السلام.
وأضاف المطران كاتشيا يقول إن الكرسي الرسولي، إذ يدرك الحاجة إلى مزيد من التعاون الدولي اليوم، يرحب بالتوصل إلى وثيقة ختامية توافقية في الاجتماع الثامن للدول الذي يعقد مرة كل سنتين حول برنامج العمل المتعلق بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة في الصيف الماضي في نيويورك، بما في ذلك إشارته إلى تعزيز التعاون والتنسيق على المستويات دون الإقليمية والإقليمية وعبر الإقليمية، وتعزيز تبادل المعلومات وتعزيز آليات الرقابة الوطنية.
وتابع مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة يقول: هناك المزيد مما يتعين القيام به، ومن المخجل أن هناك من يكّدس ثروة كبيرة من خلال الاتجار بأدوات الموت.. من ناحية أخرى، يتعين على كل دولة أن تواجه تحدي جانب "الطلب" من المعادلة. ومن هذه المنظورات، فإن واجب مواجهة مشكلة الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة ينبغي أن يكون مصدر قلق للمجتمع الدولي بأسره. لهذا السبب، كما أكد البابا فرنسيس مرارًا وتكرارًا، من المهم أن نقضي على العنف من جذوره ونعزز ثقافة السلام التي تحمي أثمن عطيّة على الإطلاق: الحياة البشرية.
أما في مداخلته حول نزع السلاح وتدابير الأمن الدولي الأخرى، قال المطران كاتشيا: كتب البابا فرنسيس في رسالته العامة "Fratelli Tutti" أن "الترابط والاتصالات المتزايد في عالم اليوم يجعلنا ندرك بقوة وحدة الأمم ومصيرها المشترك". ومع ذلك، فإن هذه الوحدة مهددة من قبل الاستخدام الضار المتزايد لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من قبل الجهات الفاعلة، الحكومية وغير الحكومية. وهذا الاستخدام الخبيث لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ينبع جزئيًا من حقيقة أن تطورنا التكنولوجي الهائل لم يرافقه تطور في المسئولية البشرية والقيم والضمير.
وفي هذا الصدد، تابع مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة يقول: يرحب الكرسي الرسولي بانعقاد فريق العمل المفتوح حول أمن واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الذي يوفر فرصة مناسبة لتصحيح هذا الخلل في التوازن. تشكل شبكة الأنظمة المترابطة التي تشكل الفضاء الإلكتروني بيئة مشتركة وتتطلب صيانتها منا جميعًا أن نتحول من نموذج المنافسة إلى نموذج التعاون. ويتطلب إجراء مثل هذا التحول مجموعة من المبادئ المشتركة، وإذ نأخذ ذلك في عين الاعتبار اسمحوا لي أن أشارك بعض الاعتبارات.
وأضاف المطران كاتشيا قائلا: يجب أن يحترم سلوك الدول في الفضاء الإلكتروني الكرامة المتأصلة الموجودة في كل شخص بشري. ولهذه الغاية، يجب على الدول أن تعزز وتحمي حرية التعبير لكل فرد على الإنترنت. إنَّ هذه الحرية، الضرورية في البحث عن الحقيقة، لها حدود أيضًا، وهي مرتبطة بالنظام الأخلاقي والمصلحة المشتركة. لذلك يُلزم دعم الكرامة الإنسانية في الفضاء الإلكتروني الدول أيضًا باحترام الحق في الخصوصية، من خلال حماية المواطنين من المراقبة المتطفلة والسماح لهم بحماية معلوماتهم الشخصية.
وتابع مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة قائلا: يجب على الدول أن تضمن حماية الذين يجدون أنفسهم في أكثر الأوضاع هشاشة. وهذا لا يعني فقط حماية البنى التحتية الحيوية للفرد، مثل المستشفيات وأنظمة الإمداد بالمياه ومحطات الطاقة والمرافق التي تحتوي على قوى خطرة، لكنه يعني أيضًا الامتناع عن أي نشاط يتسبب عن عمد في الإضرار بالبنى التحتية الحيوية لدولة أخرى. وعلى العدالة أن تقود الدول في أعمالها في الفضاء الرقمي. وهذا الأمر يتطلب من الدول القادرة على المساهمة بفاعلية في الجهود المبذولة لسد الفجوة الرقمية أن تفعل ذلك. لأنَّ هذا الانقسام لا يؤدي إلى أنماط متفاوتة من التنمية البشرية فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى نشوء نقاط ضعف إلكترونية تهدد جميع البلدان، ولمعالجة نقاط الضعف هذه، يشجع الكرسي الرسولي جهود بناء القدرات لإفادة تلك الدول التي ليس لها القدر عينه من المشاركة في ثمار الثورة الرقمية، فيما ينبغي أن يبقى بناء القدرات محايدا سياسيا وبدون شروط.
وختم المطران غابرييليه كاتشيا، مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة، مداخلته بالقول: لقد دخلت الإنسانية حقبة جديدة أوصلتنا فيها براعتنا التقنية إلى مفترق طرق يقدم لنا وعدًا كبيرًا ومخاطرة كبيرة، وإن ضمان مساهمة التطورات الجديدة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التنمية البشرية المتكاملة يتطلب منا أن نقيِّم باستمرار كيفية تطبيق الأدوات الجديدة بطريقة تحافظ على كرامة الإنسان، وبالتالي نرجو أن يمكّننا هذا الجهد من أن نفرح بهذه الإنجازات وأن نتحمس للإمكانيات الهائلة التي تواصل فتحها أمامنا.