الثروة الطبية في خطر
مزارعو مصر يكتشفون طرقاً مثالية لتكيّف محاصيلهم مع التغيرات المناخية
منذ 15 عامًا، حَمِل أحمد صالح حلمه في علاج أهله بالأعشاب وسافر إلى النمسا لدراسة علوم الصيدلة والأسماء العلمية للنباتات الطبية والعطرية التي عاش في كنفها طوال عمره في مدينته سانت كاترين -إحدى مدن سيناء وأعلى الأماكن المأهولة بالسكان- حيث تنبت هذه النباتات دون تدخل بشري.
عاد صالح من النمسا حاملًا شهادته لمساعدة المرضى، وافتتح صيدليته الخاصة معتمدًا على انتشار هذه النباتات حوله، واستطاع اكتشاف علاج 12 حالة من مصابي فيروس سي وأمراض الكبد وعلاج تساقط الشعر باستخدامها.
واكتشف الشاب المصري الحالم أعشاباً طبية منتشرة في مدينته لديها قدرة على علاج الأمراض، ومنها عشبة الصفصاف التي تدخل في صناعة برشام الريفو، ونبات الهايبريكوم الذي يساعد مرضى الجلطات بقدرته على سيولة الدم، إلا أنّ استكمال حلمه أصبح مهدداً بالخطر.
"التغيرات المناخية " تسببت في خسائر جسيمة لمزارعي النباتات الطبية والعطرية في مصر، وأصبح هناك 11 نوعًا من تلك النباتات معرضة لخطر الانقراض وتم وضعها على القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة بفعل تغيرات المناخ، ولجأ المزارعون إلى الاستعانة ببعض الطرق التقليدية، وطرق ابتكروها لحماية نباتاتها من هذا الخطر.
"طال تأثير التغيرات المناخية حجم الإنتاجية الخاصة بالنباتات الطبية والعطرية، فتقلصت إلى النصف تقريباً بفعل حر الصيف والصقيع في الشتاء، ومع ذلك لا توجد في مصر دراسات علمية تعكس واقع التغيرات المناخية على ضعف إنتاجية المحاصيل الزراعية، رغم كثرة الدراسات المكتبية التي تعتمد على المراجع والدراسات السابقة دون إجراء جولات ميدانية"، -حسب حديث محمد فهيم مستشار الزراعة المصري واستصلاح الأراضي للتغيرات المناخية- والذي أكد أنه لإجراء دراسة على التغيرات المناخية على إنتاجية المحاصيل لا بد أن تتم وفق علم سيناريوهات التغيرات المناخية، وهذا العلم غير موجود في مصر.
تراجع إنتاجية الزعتر للنصف
هناك الآلاف من مزارعي النباتات الطبية والعطرية المتضررين من التغيرات المناخية في مصر ومنهم عادل فكري الذي تكبد خسائر فادحة رغم خبرته في زراعة هذه النباتات، والتي تعدت خمسة عشر عامًا.
وتراجعت إنتاجية وأرباح فكري من المحاصيل الثلاث التي يزرعها وهي الزعتر( Thymus vulgaris)، البردقوش (Origanum majorana)، والأورجانا (Origanum Vulgare)، فبعد أن كان يحصد النباتات الثلاث المعمرة 4 مرات في العام تراجعت لمرتين أو ثلاث كحد أقصى، وتراجعت أرباحه إلى صفر أرباح في شهور الصيف -على حد قوله-.
الحر أجبرنا على تغيير طريقة الزراعة
يعيش فكري ذو الـ(50) عامًا في واحدة من أهم محافظات مصر التي تنتج وتصدر النباتات الطبية والعطرية بقرية علي باشا فهمي الشيخ زيادة مركز مغاغة التابعة لمحافظة المنيا- مصر الوسطى- .
تترکز مساحة النباتات الطبية والعطرية وهي نباتات معمرة تنمو صيفًا وشتاءً في محافظات مصر الوسطى - تضم محافظات الجيزة والفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط - بنسبة 57.11% ، بينما تستحوذ محافظات مصر العليا- سوهاج، قنا، الأقصر، البحر الأحمر وأسوان على 26.05%، و محافظات الوجه البحري حوالى 12.83%.
ويقول "زراعة الزعتر( Thymus vulgaris) قديمًا، كانت تتم بزراعة البذور مباشرة في الأرض في شهر أغسطس من كل عام لتبدأ في الإنبات ويتم حصادها للمرة الأولى في شهر فبراير، ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة الشديدة أصبحت البذور تجف وتموت، لذا لا بد من زراعتها في شتلات داخل صوب زراعية تابعة لوزارة الزراعية، وبعد 45 يوم أقوم بنقل الشتلات إلى الأرض، وهذه العملية مكلفة للغاية ليبدأ أول حصاد لها في شهر مايو متأخرة ثلاثة أشهر كاملة عن زراعة البذور مباشرة".
وتراجعت أرباح فكرى من محصول الزعتر بفعل تقلبات المناخ فبعد أن كان يبعيه في الشتاء مقابل 24 ألف جنيه مصري (1400$) ينفق منها خدمة على النبات طوال هذه الفترة 4000 جنيه (200$)، فيصل صافي الربح الذي يحقق في حصاد شهر سبتمبر فقط 20 ألف جنيه مصري (1100$)، أما في فصل الصيف فمكسبه صفر -على حد تعبيره-.
أما عن محصولي البردقوش والأورجانا -نفس الفصيلة النباتية- فلا يحصل منهما فكري على إنتاج يوازي ما يتم إنفاقه على زراعتهما، فتبلغ إنتاجيته 600 كيلو فقط في الصيف، بينما في شهر سبتمبر -إذ لم يكن هناك موجات حر- تبلغ إنتاجية الفدان 2 طن بردقوش، ويحقق مكسباً يصل إلى 30 ألف جنيه (2700$).
وتسببت التغيرات المناخية بتأثيرات سلبية جسيمة على الزراعات الطبية والعطرية حسب محمد فهيم مستشار وزير الزراعة المصري، موضحًا: "التغيرات المناخية تسببت في قلة الإنتاجية بنسبة كبيرة خاصة إذا حدث التأثير على النبات في النصف الثاني من عمره، أما إذا كان في النصف الأول من عمره فسيحدث ضغط فسيولوجي عليه، وبدون وجود نسبة رطوبة كافية سيعجز النبات عن النمو".
ألواح خشبية وبلاستيك لحماية النباتات
لجأ فكري لبعض الحيل لحماية البذور من الحرارة، قائلاً في حديثه: "أقوم بصناعة صوب زراعية داخل أرضي بمساعدة أبنائي من خلال توفير 8 ألواح خشبية أقوم بتغطيتها بشباك بها فتحات صغيرة تسمح بمرور الضوء الضعيف والهواء، وتغطي مساحة قيراط لحماية البذرة من الحرارة المرتفعة وتكمل عملية الإنبات طبيعية".
ويضيف: "استنبطت هذه الفكرة من الصوب الزراعية المنتشرة بالمزارع الكبرى التي تشرف عليها وزارة الزراعة المصرية في محافظتي، ويبلغ سعر المتر من هذه الشباك 20 جنيها (دولار ونصف)، وأحتاج شبكة بعرض 10* 15 متر".
هذه الحيلة التي اعتمد عليها فكري يستخدمها فلاحون آخرون في قريته وهم الذين يفضلون زراعة البذور في وقتها الذي اعتادوا عليه قبل التغيرات المناخية، ولكن أغلبهم يقومون حاليًا بتغيير موعد زراعة البذور لتكون في توقيت أقل حرارة.
ويتناقل الفلاحون خبراتهم في الزراعة والتكيف مع التغيرات المناخية خلال جلساتهم سويًا بالقرب من أراضيهم حسب حديث فكري، وهو ما وصفه عبدالحكيم الواعر، المدير العام المساعد والممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة -فاو- بقدرة المزارعين المصريين على التعامل مع تأثير التغيرات المناخية على محاصيلهم وفق خبراتهم المتراكمة.
ورغم عدم إدراكهم لمصطلح تغيرالمناخ ولكنهم يعرفون أنه في السنوات الخمس الأخيرة ظهرت آثاره وحدث تغير واضح في درجات الحرارة تسبب في التأثير على ظهور بعض الآفات في عدد من المحاصيل الزراعية على سبيل المثال، فاتجه الفلاح المصري لتبكير موعد حصاد بعض المحاصيل وتغيير أصناف البعض الآخر لتكون أكثر تحملًا للحرارة وكل ذلك بخبراتهم المتراكمة -حسب حديث الواعر-.
ظهور آفات جديدة
كان ظهور الآفات التي لم تعرفها مصر من قبل أحد تأثيرات التغيرات المناخية التي تركت أثرها على محصول أحمد مناع مهندس زراعي وأحد أبناء قرية سربو مركز قرية سمسطا بمحافظة بني سويف، قائلاً: "منذ 10 سنوات ظهر مرض البياض الزغبي (downy mildew) على ورق نبات الريحان لأول مرة، وتسببت في تراجع انتاجية المحصول".
"قبل 10 سنوات كان الفدان الواحد في قرية أحمد مناع يطرح من 10 إلى 14 طن ريحان (Basil) ، ووصلت الآن إلى 7 إلى 8 طن فقط، متابعًا «لكي نحافظ على المحصول من الضرر الكامل اضطررنا إلى استخدام مبيدات كيماوية وصلت تكلفته لـ 1000 جنيه (55$) في العام ، وتكلفته ليست الأزمة الوحيدة فأصبح المحصول لا يصلح للتصدير للخارج نتيجة بقايا المبيدات الكيماوية التي تظل به، ونسوقه فقط في السوق المحلي بفرق سعري كبير" -حسبما يرى المهندس الزراعي القاطن في محافظة بني سويف-.
محافظة بني سويف -إحدى محافظات إقليم شمال الصعيد- مصر الوسطى، أكبر محافظة مصرية مصدرة للنباتات الطبية والعطرية، وتستحوذ على 60% من إنتاج مصر من هذه النباتات، طبقا لما أعلنه محافظها محمد هاني غنيم.
الصقيع يخفض إنتاجية الشيح للثلث
لم تكن الرطوبة فقط هي الأذى الوحيد الذي تتعرض له النباتات الطبية والعطرية في بني سويف فكانت لموجات الصقيع ضرر آخر عليها، بعد أن واجهت مصر موجات صقيع شديدة شتاء 2021- 2022 ، مما أدى إلى ذبول نبات الشيح (Wormwood) والذي يعد نباتا شتويا ولكنه لم يتحمل الصقيع الذي استمر لعدة أيام متتالية.
كان يصل انتاج محصول الشيح (Wormwood) للفدان الواحد بين طن إلى طن ونص، وفي العام الماضي بلغ حصاد فدان الشيح نص طن حسب حديث مناع.
ويستطرد "بعض الشركات استغلت جهل الفلاحين وباعت منتجات لحماية النباتات من الصقيع منها سيليكات البوتاسيوم وعمل دخان ولكنها لم تجد نفعًا، قائلا «نصحت أسرتي وجيراني بري الأرض جيدًا قبل موعد الصقيع فالمياه تحافظ على العصارة داخل النبات مما يجعل قدرته على مقاومة الصقيع أكبر وبالتالي لا يجف أو يموت، ولكن لا يوجد أى طرق أخرى لحماية النباتات من الصقيع حتى الآن".
المحاصيل غير محصنة من التغيرات المناخية
وتتأثر إنتاجية المحاصيل بموجات الصقيع التي تتعرض لها مصر كما يوضح محمد فهيم مستشار وزير الزراعة المصري واستصلاح الأراضي للتغيرات المناخية، قائلًا «التأثيرات المتلاحقة للتغير المناخي من موجات شديدة الحرارة أو موجات صقيع أو رياح ساخنة يحدث انخفاض قد يكون حاداً في الإنتاجية المحصولية أو يصبح المحصول لا يتحمل التخزين أو التداول، أو حدوث مشكلات فعلية في الفترة ما بعد الحصاد.
وفسّر عاصم عبد المنعم أحمد أستاذ مساعد (باحث) بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي - مركز البحوث الزراعية - مركز البحوث الزراعية، التغييرات الفسيولوجية التي تحدث للنبات بفعل تقلبات المناخ، قائلًا: "المحاصيل الزراعية غير محصنة من التغيرات المناخية، وأظهر العديد من الدراسات العلمية الدولية أن الإجهاد الحراري يمكن أن يؤثر على المستقبلات الثانوية والمركبات الأخرى التي تنتجها النباتات الطبية والعطرية مما يؤثر على إنتاجيتها والمادة الفعالة الموجودة بها".
شبكات مياه بديلة لمياه النيل
أزمات التغيرات المناخية على مصر شملت أيضًا الجفاف ونقص المياه ، فلم يشفع لمحافظة بني سويف مرور نهر النيل بأراضيها، فهى تواجه حاليًا أزمة أخرى في نقص المياه، مما اضطر أحمد مناع وأهل قريته إلى بناء شبكة مياه تقوم بسحب المياه الجوفية لري الأرض بها من خلال شراء ماكينات لضخ المياه الجوفية عبر مواسير لري الأراضي، وتبلغ تكلفة بناء هذه الشبكة 10 آلاف جنيه (520$)، وأحيانًا يحتاج الفلاح لبناء أكثر من شبكة، فبنى أحمد مناع شبكتين للري داخل أرضه وكل هذه التكاليف يدفعها الفلاح دون دعم".
ويوضح مناع "بناء ماكينات لضخ المياه طريقة تقليدية استخدمها أجدادنا على أطراف الترع لزيادة تدفق المياه منها للأراضي الزراعية، وأعدنا استخدامها لضخ المياه الجوفية للأرض بعد أزمة المياه الحالية، ويعتمد عليها الكثير من الفلاحين في القرية الآن".
وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي قال في تصريحات سابقة أن نقص الموارد المائية لمصر بنسبة 2% سيؤدي إلى فقد 200 ألف فدان من الأراضي الزراعية وفقدان نحو مليون شخص لوظائفهم.
شراء المياه العذبة للحفاظ على النبات
شح المياه والجفاف أزمة يعاني منها الكثير من المحافظات المصرية، فمن مصر الوسطى إلى مدينة سانت كاترين - تقع على هضبة ترتفع1600 متر فوق سطح البحر في قلب محافظة جنوب سيناء – شرق مصر - لم تكن النباتات الطبية في أفضل أحوالها، فتحتوي سانت كاترين على 472 نوعاً من الأعشاب الطبية منها 42 نوعًا من النباتات النادرة منها ١١ نوعًا مهددًا بالانقراض بفعل الجفاف.
اعتمدت مدينة سانت كاترين منذ وجودها على مياه الآبار والأمطار، ولكن مع تغيرات المناخ وزيادة الجفاف أصبحت الطبيعة مهددة.
ويوضح أحمد صالح، نائب رئيس جمعية صون النباتات أنّ: "بداية من شهريوليو وحتى شهر نوفمبر ألجأ لشراء المياه العذبة لري المحاصيل واشتريها من المواطنين الذي يملكون آبار كبيرة للمياه العذبة، وتبلغ تكلفة شراء متر المياه 30 جنيهاً (أقل من 2$)، وأحتاج ١٠٠٠ متر لري الصوب الزراعية، أما باقي شهور السنة والتي تكون في فصلي الشتاء والربيع فلا أحتاج لشراء المياه فالبئر الجوفي الذي أملكه مع مياه الأمطار يكفي احتياجاتك".
منذ خمسة عشر عامًا لم تكن مدينة سانت كاترين في حاجة لشراء المياه لري النباتات فكان المطر كافيا لاستمرار حصاد الزرع دون أن يضطروا لبناء شبكة ري على نفقتهم الخاصة تصل تكلفتها من 3 آلاف جنيه حتى 4 آلاف جنيه لري 3 صوب زراعية - حسب حديث صالح- ويتم تغييرها كل عامين بأقصى تقدير.
اختفاء الزعتر البرى
سانت كاترين غنية بالنباتات الطبية التي تنبت دون تدخل بشري ومن أهمها الزعتر البري الذي أصبح عرضة للانقراض كما يوضح أحمد صالح قائلًا «الزعتر البري اختفى تقريبًا من سانت كاترين بفعل الجفاف وكذلك الرعي الجائر، ولكي أحمى النبات من الانقراض قمت بعمل صوبات زراعية داخل محمية صون الطبيعة مستغلًا 20 جراما من البذور كنت أملكها ومع الاهتمام بها وتوفير المناخ المناسب لها أنتجت 300 جرام من بذور الزعتر، قمت بجمعها في انتظار فصل الشتاء وقدوم السيول لأرمي البذور في مقدمة السيل ليحملها في كل شبر يمر عليه وبعد ثلاثة أو 4 شهور سيعود الزعتر للانتشار في سانت كاترين".
200 نبات برى نزرع منها 20 نوعا فقط
أغلب النباتات الطبية والعطرية في مصر تنبت بفعل الطبيعة دون تدخل زراعي، وحسب حديث عاصم عبد المنعم أحمد أستاذ مساعد (باحث) بالمعمل المركزى للمناخ الزراعى- مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة المصرية ، فإن هناك نحو 200 نوع من النباتات الطبية البرية تنمو بفعل الطبيعة فقط في مصر، منها 20 نوعًا فقط قيد الزراعة، مضيفًا أن التغيرات الموسمية تؤثر على توافر المادة الفعالة في النباتات الطبية وفقاً لمبادئ طب الأعشاب الغربي حيث تختلف الفعالية العلاجية باختلاف الأوقات أو العروات للموسم الزراعى.
يصل إجمالى ما تم حصره من النباتات الطبية والعطرية في مصر نحو 2500 نوع منها 40 نوع يتم تداولها بشكل كبير خاصة في التصدير، والذى يمثل 95% وما يستهلك محليا نحو 5%، حسب معهد بحوث البساتين.
حسب بيانات التجارة الدولية للمحاصيل تأتى مصر في المرتبة الرابعة فى مصاف الدول المصدرة للنباتات الطبية والعطرية متضمنة البذور والثمار من حيث الكمية بلغت نسبتها نحو ١,٥ % من إجمالى الكميات المصدرة من نحو ١٤٨ دولة على مستوى العالم.
المن والديدان تقلل إنتاجية الريحان
وضعت التغيرات المناخية بصمتها في كل شبر في أرض مصر ففي شمال غرب مصر حيث أراضي وادي النطرون التابعة لمحافظة البحيرة، والواحات البحرية – غرب مصر- تعاني من النباتات الطبية والعطرية من التغيرات المناخية.
ويقول رضا عبد المعز الذي يعمل وسيطًا بين الفلاحين وشركات تصدير منتجات النباتات الطبية والعطرية "منذ 5 سنوات بدأت ألاحظ ضعف الإنتاج الذي أحصل عليه من الأراضي هناك، فكنت أجمع محصول من 55 فدانا من الريحان في وادي النطرون بإنتاجية تصل إلى 10 أطنان، حاليًا الإنتاجية بلغت أربعة أطنان ونصف الطن فقط .
كما ظهرت حشائش ضارة وديدان تأكل أوراق الريحان كما ظهرت حشرة المن، ولا يستطيع الفلاحون في هذه الأراضي التعامل معها لأنهم يعملون فيها بالأجرة لصالح رجال أعمال يستثمرون في زراعة هذه النباتات لتصديرها للخارج مما يُقلل من إنتاجية الفدان.
أكد هذا الحديث، محمد فهيم مستشار وزير الزراعة المصري واستصلاح الأراضي للتغيرات المناخية، بأن الظروف المناخية شديدة التقلب والتباين مناسبة جدًا لأسرع تطور في دورات حياة الآفات والأمراض النباتية، والتي فاقت قدرة المواد الفعالة للمبيدات المتداولة أو جرعاتها في الحد منها، وظهور آفات جديدة في مناطق لم تكن موجودة بها وتحول قطاع كبير من الآفات والأمراض الثانوية إلى آفات وأمراض نباتية رئيسية.
حيل مبتكرة للتظليل على النباتات
واستطاع رضا الذي يعيش بقرية عباد شارونة مركز مغاغة التابعة لمحافظة المنيا – مصر الوسطى- هو وجيرانه ابتكار بعض الطرق لحماية النباتات من الحرارة.
ويوضح رضا "يقوم الفلاحون في القرية بزراعة الزعتر في صفوف طولية وكل 15 مترا نزرع خطا عرضيا من الذرة بحيث يكون هناك ظل كامل على النبات".
وتابع في حديثه: "رغم ذلك نبات الزعتر أصبح يحقق خسائر لكل الفلاحين طوال شهور الصيف رغم أنه نبات معمر، فأنفق عليه مغذيات وعمال في 3 شهور الصيف بقيمة تتراوح بين 5000 جنيه و7000 جنيه، وبعت المنتج بـ2500 جنيه (130$)، لكن الحصاد الذي تلاه قمت ببيعه في شهر مايو مع استقرار درجات الحرارة مقابل 13000 ألف (700$)".
نشرت الهئية العامة للأرصاد الجوية المصرية، في أغسطس 2021، تقريرًا يُفيد بأن صيف 2021 قد شهد ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة منذ 5 سنوات، حيث سجلت الحرارة ارتفاعًا بمتوسط (٣-٤) دراجات مئوية فوق المعدلات الطبيعية.
قرية كاملة تفقد محصولها بسبب الصقيع
وكان للصقيع الذي تعرضت له مصر الشتاء الماضي أثره على إنتاجية البردقوش في قرية عباد شارونة، فقلت الإنتاجية وتراجع سعر الطن إلى 3 آلاف جنيه وألفين ونص، وهو أقل من ربع الأرباح التي كانوا يحصلون عليها قديمًا.
وذبل نبات الماليسيا في شتاء 2021- 2022 فلم يتحمل موجات الصقيع في القرية كلها، ويتابع رضا عبدالمعز « ثلث أرضنا مات بها المحصول بسبب موجات الصقيع وخسرنا ما يقرب من 15 ألف جنيه مصري (900$)، واضطررنا إلى التخلص منه رغم التكلفة المادية في زراعته وقمنا بزراعة نبات آخر حتى لا نترك الأرض خالية حتى يأتي موسم زراعته في العام التالي.
شهدت مصر في الشتاء الماضي موجات صقيع متتالية تسببت في تراكم الثلوج بمناطق متفرقة لأول مرة في مصر مما دفع المسؤولين عن الأرصاد الجوية المصرية لمراجعة توصيف المناخ والمعروف بأنه حار جاف صيفا، دافئ ممطر شتاء ا، ووصفته إيمان شاكر مدير عام الاستشعار عن بعد بالهيئة العامة للأرصاد الجوية إن طقس مصر أصبح شديد الحرارة والرطوبة صيفا وقارس البرودة شتاء.
خطة التكيف مع تغيرات المناخ
ولتكيف النباتات المصرية مع تغيرات المناخ ، تعمل وزارة الزراعة على تنفيذ خطة لتطوير محاصيل زراعية "ذكية"، قادرة على التكيف مع تغيرات المناخ وتتواءم مع شح المياه، مع إجراء بعض التغييرات في مواعيد الزراعة لتناسب التغيرات التي حدثت في الطقس حسب حديث عاصم عبد المنعم أحمد أستاذ مساعد (باحث) بالمعمل المركزى للمناخ الزراعى.
ويشرح عبدالحكيم الواعر، المدير العام المساعد والممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" مفهوم الزراعة الذكية الذي تعتمد عليه مصر للتكيف من تغيرات المناخ قائلًا: "تتعلق الزراعة الذكية بالمعاملات الجديدة التي يُجريها المزارع للتجاوب مع تداعيات التغيرات المناخية، فمثلاً عندما يجري المزارعون في الدلتا إجراءات من شأنها التجاوب مع تأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر وما نتج عنه من ارتفاع نسبة الملوحة في الأراضي، فهذه زراعة ذكية مناخياً، وعندما يقوم بحصاد المياه ليواجه نقص الأمطار الموسمية في مناطق الزراعة المطرية في مطروح فهذه زراعة ذكية مناخياً".
"تمت كتابة هذه القصة وإنتاجها كجزء من برنامج تنمية المهارات الإعلامية الذي قدمته مؤسسة Thomson Reuters Foundation ، والمحتوى هو مسئولية الكاتب والناشر".