هل تبيع مصر أصولها؟
تخارج الدولة من عدة قطاعات لا يعنى بالضرورة أنها تبيع أصولها، وما تم طرحه بهذا الشأن، فى الجلسة الأولى من اليوم الثانى لفعاليات «المؤتمر الاقتصادى- مصر ٢٠٢٢»، رد عليه الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، بأن البدائل، التى تأتى كأولوية، إما أن تكون من خلال إجراء الطرح العام للأصل فى البورصة للأفراد العاديين، أو دخول مستثمر استراتيجى، محلى أو أجنبى، وقيامه بزيادة رأس المال، والمشاركة فى الإدارة، ورفع كفاءة هذا الأصل؛ للوصول به للشكل الأمثل.
الجلسة، التى حملت عنوان «وثيقة سياسة ملكية الدولة.. ودعم سياسات المنافسة»، جرى خلالها استعراض عدد من المحاور المرتبطة بآليات تنفيذ هذه الوثيقة، والمبادئ الحاكمة لتواجد الدولة فى النشاط الاقتصادى، إضافة إلى استراتيجية «جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية»، والبيئة التشريعية المواتية للنشاط الاقتصادى، ودور سياسة الحياد التنافسى فى تعزيز مشاركة القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وانتهت الجلسة بتعقيب من الدكتور مدبولى، رد فيه على مختلف الملاحظات والاستفسارات الخاصة بالوثيقة، التى تعهد بأن تكون هناك آلية متابعة لتنفيذها بصورة مستمرة، وجدّد التأكيد على أن هدفها هو تحديد إطار تنظيمى ومؤسسى واضح ينظم العلاقة بين القطاع الخاص والدولة، ويعمل على طمأنة المستثمر الداخلى أو الخارجى على استثماراته سواء على المدى المتوسط أو البعيد.
وثيقة سياسة ملكية الدولة، بكسر الميم وتسكين اللام، كما أوضحنا فى مقال سابق، تقدم صورة متكاملة لوجود الدولة بالقطاعات والأنشطة الاقتصادية خلال السنوات الثلاث المقبلة، وتتضمن المبادئ الحاكمة، والمنهجية المتبعة، لتمكين القطاع الخاص وتعزيز مشاركته فى الأنشطة الاقتصادية، وأيضًا لتكوين شراكات بينه وبين القطاع العام، فى إطار برنامج زيادة كفاءة الأصول المملوكة للدولة، وتعزيز فرص الاستفادة من التحول الرقمى، وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة. وبناء على عدد من المعايير، تم تحديد القطاعات التى سيتم التخارج منها، على مراحل، أو بشكل تدريجى، وتلك التى ستتواجد فيها الدولة بشكل مستمر، وفقًا لما تتسم به من أبعاد استراتيجية أو اجتماعية. والأهم، هو أنها وثيقة مرنة، قابلة للتحديث وفقًا لأى تغيرات فى أولويات الدولة، أو استجابة للمستجدات الدولية أو الإقليمية أو المحلية.
أكثر من ٥٠ دولة سبقتنا إلى تحديد سياسة ملكيتها، سواء بإصدار وثيقة، أو بوضع قوانين وأطر تنظيمية. وبعيدًا عن ارتيابك من أهداف، نيات أو مصالح، بعض دعاة التحول الاقتصادى، أو بالقرب من هذا الارتياب، فإن هناك جدلًا موضوعيًا وبنّاءً ومستمرًا، منذ سنوات طويلة، بشأن قدرة الدولة، أى دولة، على الاستمرار فى ملكية وإدارة المنشآت التى يتعدى نطاق إنتاجها السلع والخدمات الأساسية. وينطلق هذا الجدل من اعتقاد شائع بأن ملكية الدولة للمنشآت وإدارتها محفوفة بالمخاطر والمشكلات، وتقود إلى ضعف كفاءة تلك المنشآت ومحدودية فرص نموها وتطورها؛ مقارنة بتلك المملوكة والمدارة من القطاع الخاص.
هناك، بالفعل، منشآت عامة، فى العديد من الدول، عانت ضعفًا واضحًا فى مستويات كفاءتها وحققت خسائر فادحة، ما دفع بعض تلك الدول إلى الانسحاب منها، وفق أنماط مختلفة تدرجت بين تفويض المسئولية فى جانب من الإدارة إلى القطاع الخاص، وبيع هذه المنشآت بالكامل. لكن، فى المقابل، كانت هناك تجارب ناجحة لشركات حكومية حققت أداءً متميزًا وأرباحًا تجاوزت تلك التى حققتها الشركات والمؤسسات الخاصة. ويمكنك أن تعود، مثلًا، إلى تجربة «الشركات المرتبطة بالدولة»، Government Linked Companies، فى سنغافورة، التى تعمل تحت ولاية شركة قابضة، اسمها «تيماسيك»، Temasek، مملوكة بالكامل لوزارة المالية، وأسهمت، منذ ستينيات القرن الماضى، فى النهوض بالقطاعات الإنتاجية والخدمية المختلفة.
.. وتبقى الإشارة إلى أن رئيس الوزراء ردّ، خلال تعقيبه، على ما أثير بشأن إقرار رسوم بصورة مفاجئة على المستثمرين، بتأكيده أن مجلس الوزراء أصدر قرارًا، تم توزيعه على كل مختلف الجهات، بمنع أى جهة من إصدار أى رسوم دون الرجوع إلى المجلس. وطالب المستثمرين، حال ظهور أى رسم بشكل مفاجئ، أو لم يكن موجودًا من قبل، بأن يتصلوا به أو بمكتبه، مباشرة.