تقرير أمريكى: تلويح بوتين باستخدام السلاح النووى فى أوكرانيا «خطأ فادح»
رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أنه رغم الطرح الخاص بأن روسيا ربما تفكر في استخدام الأسلحة النووية لإجبار الغرب على التراجع إذا واجهت احتمال الهزيمة في الحرب التي تخوضها في أوكرانيا بسبب التفوق التقليدي الغربي، إلا أنه لا ينبغي أن يكون الخوف هو المسيطر في تعاطي الغرب مع التهديد النووي الروسي.
وذكرت المجلة أنه منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، قدمت شريحة من النخبة الغربية والرأي العام- بمن في ذلك سياسيون وخبراء ومعلقون- عددا من التفسيرات حول سبب عدم قدرة الغرب على دعم النصر الأوكراني أو عدم وجوب حدوث هذا النصر، فعندما بدأت العملية العسكرية الروسية في فبراير الماضي كان هناك حجة مفادها أن الهيمنة العسكرية الروسية ستجعل الدعم الغربي لأوكرانيا عديم الجدوى، وبعد ذلك، ومع استمرار الحرب، ظهر ادعاء مفاده أنه على الرغم من إحباط خطة موسكو الأولية لهجوم سريع لأوكرانيا، إلا أن القوات الروسية سوف تشق طريقها ببطء وبثبات نحو نصر لا مفر منه، والآن، وبينما يدفع الجيش الأوكراني القوات الروسية إلى التراجع، استقر مؤيدو إبرام اتفاق مع روسيا على رواية جديدة، وهي أن الولايات المتحدة وشركاءها بحاجة إلى التراجع عن دعم أوكرانيا، خشية أن يحاصروا الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الذي بدوره قد يتسبب في تفجير العالم «استخدام أسلحة نووية».
ويرجع هذا القلق المتزايد إلى مبدأ عسكري روسي مفاده "التصعيد لخفض التصعيد"، بمعنى أنه إذا كانت روسيا تواجه احتمال الهزيمة بسبب التفوق التقليدي الغربي، فإنها ستفكر في استخدام الأسلحة النووية لإجبار الغرب على التراجع، واليوم، وحيث تخسر روسيا- وفقا للمجلة الأمريكية- في أوكرانيا، أصبح خطاب القادة الروس مؤخرا أكثر ترويعا من أي وقت مضى مع تلويح صريح باستخدام السلاح النووي.
وتضيف المجلة: "مع ذلك لا ينبغي أن يكون الخوف هو المحرك للرد الغربي على التهديد النووي الروسي، فإذا كان بوتين لا يزال عقلانيا، فهناك العديد من الأسباب التي تجعله يرغب في تجنب اللجوء للسلاح النووي، وإذا لم يكن كذلك، فإن تراجع الغرب قد لا يحدث أي فارق".
وميدانيا، ربما لا يكون لاستخدام أسلحة نووية تكتيكية تأثير ملحوظ، لاسيما وأن الجيش الأوكراني منح الرتب الدنيا سلطة اتخاذ القرارات العملياتية في أرض المعركة، ما يقلص من أهمية أي هدف يمكن استهدافه بفعل انفجار نووي تكتيكي، واعتمادا على موقع حدوث الضربة، يمكن أن تؤدي تداعيات الانفجار إلى مقتل الكثير من الروس أيضا.
وبالنظر إلى الوضع الحالي للقوات الروسية، فمن غير الواضح ما إذا كان الجيش الروسي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من أية ميزة تكتيكية قد تكسبها روسيا من استخدام السلاح النووي.
كما أنه ليس من الواضح أن الاستخدام النووي ضد هدف مدني (كييف أو مدينة أخرى) من شأنه كسر الإرادة الأوكرانية للقتال، فعلى سبيل المثال، فشلت محاولات مماثلة في الحرب العالمية الثانية وفي شمال فيتنام، بل جاءت النتيجة عكسية، حيث احتشد السكان وتكاتفوا حول قادتهم وأصبحوا أكثر تصميما على القتال.
ويجب هنا الإشارة إلى أن استخدام السلاح النووي في "هيروشيما وناجازاكي" باليابان غالبا ما يُساء تفسيره، حيث لا شك أن اليابان استسلمت بعد هذه الهجمات النووية، لكن الحقيقة هي أن اليابان كانت تخسر الحرب بالفعل، لذا فقد أدى الاستخدام النووي إلى تسريع نتائج المعركة بدلا من عكسها، فيما ظلت القيادة اليابانية تناقش ما إذا كان ينبغي عليها مواصلة القتال حتى بعد الضربات النووية، وذلك قبل التوصل في النهاية إلى قرار الاستسلام.
عواقب تواجه روسيا بسبب استخدام السلاح النووى
ولكن بالنسبة لحالة روسيا، فإذا استخدمت موسكو أسلحتها النووية فسوف تتعرض على الفور لرد فعل استراتيجي كبير، حيث وعدت الولايات المتحدة وحلفاؤها بـ"عواقب وخيمة" إذا استخدمت روسيا الأسلحة النووية، ورغم أن إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لم تحدد علنا ماهية هذه العواقب، إلا أن لدى الولايات المتحدة وحلفائها الكثير من الأدوات تحت تصرفها، من بينها: التدابير الاقتصادية مثل مصادرة الأصول الروسية بدلا من تجميدها، وشن ضربات تقليدية ضد القوات الروسية في أوكرانيا، وربما أيضا رد نووي أمريكي، ولكن، ستكون النتيجة حينها كارثية بالتأكيد.
ويجب كذلك الإشارة إلى رد الفعل السياسي العنيف الذي قد تواجهه روسيا إذا استخدمت أسلحتها النووية ضد أوكرانيا، لاسيما في ظل الدعم الدولي المهتز لروسيا- وفقا لفورين بوليسي- حتى بين أصدقائها، حيث قام رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" الشهر الماضي بانتقاد روسيا علانية، فيما عبرت الصين بالفعل عن قلقها، كما أن داعمي روسيا الآخرين- بما في ذلك صربيا وكوريا الشمالية- حاولوا النأي بأنفسهم عن تصرفات موسكو الأخيرة، كل هذا يحدث الآن بالفعل قبل أن تتجاوز روسيا العتبة النووية.
وترى المجلة الأمريكية أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) في حاجة ماسة إلى مناقشة آلية الرد إذا استخدمت روسيا أسلحة دمار شامل. كما يجب التباحث بشأن العواقب بعيدة المدى للتهديدات النووية الروسية، فإذا واصلت موسكو تهديداتها، فستتغير إلى الأبد البيئة الأمنية الدولية، حيث إذا نجحت "مقامرة" روسيا- بحسب وصف المجلة الأمريكية- فإن التحالف الغربي الذي يدعم أوكرانيا سيوصم بأنه ضعيف ومنقسم، وأنه أرغم أوكرانيا في النهاية على التراجع، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى موجة من الانتشار النووي لاسيما في الدول القريبة من الحدود الروسية التي تسعى إلى الحفاظ على استقلالها.
وعلى النقيض من ذلك، إذا فشلت "المقامرة" واستمرت أوكرانيا في القتال بدعم غربي، فقد يستنتج الغرب أنه ما يزال بإمكانه القتال رغم التهديد النووي الروسي، وإذا حدث ذلك، فسيكون بوتين قد أضعف مصدر نفوذه الوحيد المتبقي (خوف الغرب من ترسانته النووية).
إذن، فإن الحسابات المنطقية تؤكد أن الاستخدام النووي الروسي لا معنى له من الناحية الاستراتيجية، ولكن، إذا لم يعد بوتين عقلانيا تحت وطأة الضغوط والخسائر، كما يخشى البعض، فلن يكون أمام أوكرانيا وأنصارها الغربيين خيار آخر سوى مواصلة القتال، حيث إنه لن يكون هناك بديل متاح للجميع في هذه الحالة، فأي اتفاق لإنهاء الحرب يتطلب أن يحترم كلا الجانبين التزاماتهما على المدى الطويل.
ولا شك في ضرورة أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها مستعدين في حال سارت روسيا في المسار النووي، لكن ترك مخاوفهم تلقي بظلالها على جميع المصالح الأخرى المعرضة للخطر في أوكرانيا لا معنى له، والواقع هنا يشير إلى أن الشيء الوحيد الأكثر رعبا من استخدام روسيا أسلحتها النووية هو ترك مثل هذه المخاوف تقود وتقوض الاستراتيجية الغربية والأوكرانية.