"عبدالمحسن فائق " صاحب أول هجمة مرتدة
نجح مسلسل " هجمة مرتدة " في تأكيد حقيقة الهجمات الإستباقية لجهاز المخابرات العامة المصرية كأسلوب عمل ناجح عرفت به مخابراتنا العامة منذ تأسيسها بداية في شهر يوليو 1953 بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر وبرئاسة السيد زكريا محي الدين .
وما أكده المسلسل ما هو إلا حقيقة مارسها بأقتدار جهاز المخابرات في كل عملياته الناجحة ، وبطولة الأسطورة رفعت الجمل أو ما نعرفه بأسم رأفت الهجان ما هى الإ واحدة من تلك العمليات الناجحة التي فجرت تفاصيلها المخابرات العامة المصرية عام 1988 وحاولت كل الأجهزة الإسرائيلية نفيها بشتى الطرق وفشلت ، فإضطرت إلى الإعتراف بها في النهاية .
عملية زرع عميل مصري في قلب المجتمع الإسرائيلي الناشيء لم تكن الوحيدة بل هي واحدة من 7 عمليات ناجحة أخرى ، معظمها مازالت تحمل صفة سري للغاية ، أما بطلها الحقيقي الذي خطط لها وأشرف عليها فهو ضابط المخابرات المصري البطل اللواء عبدالمحسن فائق رحمه الله والذي عرفنا إسمه من خلال مسلسل الهجان بأسم السيد محسن ممتاز أو محسن "بيه" كما كان يناديه " رأفت " طوال المسلسل .
والحقيقة إنني كنت أفضل كتابة الأسماء الحقيقية لأبطال مسلسلات الملاحم البطولية لجهاز المخابرات العامة تكريماً لهم وتخليداً لأسمائهم ، فبطولات المخابرات لا تقل أهمية وبطولة وفداء عن العمليات العسكرية التي تعرف غالبا بأسماء أبطالها ، ومن هنا جاءت فكرة هذا المقال عن البطل الحقيقي لشخصية محسن "بيه" وهو ضابط المخابرات المصري الذي كان مجرد ذكر أسمه في - إسرائيل - يحدث إرتباكاً وقلقاً بين كل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية .
فى بداية عمل المخابرات المصرية كانت عمليات مكافحة التجسس والسيطرة موكلة لجهاز المباحث العامة أو " القلم المخصوص" كما كان يطلق عليه في العهد الملكي ثم اُوكلت للبوليس السياسي أو مباحث أمن الدولة فيما بعد ، وكان جهاز المخابرات في بداية تشكيله عام 1953 يباشر مهامه في المدرسة الثانوية العسكرية في مصر الجديدة ، وبعد أن تولى الرئيس جمال عبد الناصر رئاسة الحكومة إنتقل مقر الجهاز إلى مبنى مجلس الوزراء وتخصص ثلاثة أدوار منه ، وكان للمبنى مدخلان خصص الباب الأمامي للحكومة وخصص الباب الخلفي للمخابرات ، واستمر الجهاز في ذلك المكان حتى عام1957لينتقل إلى موقعه الراهن في منطقة كوبري القبة الذي شهد تطويراً كبيراً سواء في شكل المبنى أواسلوب العمل .
اللواء عبدالمحسن فائق الخويسكي وهذا أسمه بالكامل هو إبن عمدة شبراخيت بمحافظة البحيرة ، ولد في قرية "محلة قيس" عام 1920 ، و انتقل للإقامة في القاهرة حتى التحق بالكلية الحربية وتخرج منها عام 1942 ، فكان حظه أن شارك في معظم الحروب التي خاضتها مصر في تلك المرحلة ومن بينها حرب 1948 وكانت سبباً في إنضمامه المبكر للضباط الأحرار كما كانت سبباً في إختياره ضمن الفريق الأول الذي تأسس على يديه جهاز المخابرات العامة وجميعهم ابطال حقيقيين اتمنى ان تكتمل سلسلة هذا المقال لنتعرف على دور كل واحد فيهم .
كلف الضابط عبد المحسن فائق بإدارة النشاط الخارجي خاصة اسرائيل وكان وقتها شاباً في بداية الثلاثينات ، حين فكر في زرع عملاء مصريين في قلب المجتمع الاسرائيلي الناشيء بعكس السن الذي ظهر به الفنان الكبير يوسف شعبان في مسلسل الهجان وهو ما يؤكد عبقريته وخبرته المبكرة في العمل المخابراتي .
انتقل نشاط اللواء عبدالمحسن فائق بعد نجاحه في زرع البطل رفعت الجمال في قلب المجتمع الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة مما أحدث صدمه لـ – رأفت - كادت أن تفقده قدرته على البقاء في إسرائيل ، من شدة تأثره بشخصيته وحبه له ، فكان يرى - رأفت - في شخصية - فائق – مصر التي أحبها وضحى بحياته من أجلها ، فاستعان جهاز المخابرات بضابط اخر لا تقل شخصيته عن قوة شخصية اللواء عبدالمحسن فائق فأختير البطل محمد نسيم – قلب الاسد - لإستكمال المهمة مع - الهجان - والإشراف على عمله وتطوير قدراته .
وقد تحقق ما كان يحلم به وخطط له اللواء عبد المحسن فائق ونجح "جان بيتون " او رأفت الهجان نجاحاً باهراً وأستطاع إختراق المجتمع الأسرائيلى حتى ربطته علاقات صداقة مع جولدا مائير رئيسة وزراء العدو ووزير الدفاع موشيه ديان و استطاع تحديد موعد حرب يونيو67 و تفاصيل الجيش الاسرائيلى في سيناء بما فيها الرسومات الهندسية لخط بارليف وغيرها من البطولات والنجاحات .
أختتم اللواء عبد المحسن فائق عمله وكيلاً لوزارة التموين بعد أن ترك العمل المخابراتي في نهاية السبعينات برصيد كبير يستحق مننا جميعا البحث عنه وتوثيقه ، ورحل - محسن بيه - عن عالمنا عام 1988 رحمه الله رحمة واسعة .