إيقاظ الخلايا النائمة يعالج السرطان.. والإرهاب
بظهور «العلاجات المستهدفة للجزيئات الصغيرة»، منذ عشر سنوات تقريبًا، حدثت طفرة مؤقتة فى الشفاء من سرطان «الميلانوما»، أحد أخطر أنواع سرطانات الجلد، وأنواع أخرى من السرطانات الصلبة. ثم اتضح، لاحقًا، أن الاستجابة الأولية الكبيرة لدى غالبية المرضى، تتبعها انتكاسات، ناتجة عن وجود «خلايا نائمة»، غير مرئية، لا تستجيب للعلاج، ويمكنها الهروب منه.
فريق من الباحثين فى جامعة جنيف بسويسرا، يقودهم راستين ميرات، أظهروا أن هذه الخلايا تعبر عن بروتين يسمى «HuR». ومن خلال فك شفرة آلية هذا التعبير، واستهدافه بمثبط إنزيمى، أمكن تقليل المقاومة العلاجية لجميع خلايا سرطان الجلد. وفى تقرير نشره الموقع الرسمى لجامعة جنيف، بالتزامن مع نشر الدراسة، أكد ميرات أن نصف الأورام الميلانينية، التى تحمل بصمة جينية، يمكن معالجتها بشكل فعال، بل يمكن القضاء عليها فى بعض الأحيان، باستخدام «العلاجات المستهدفة للجزيئات الصغيرة»، لكن ٨٠٪ من المرضى الذين تم شفاؤهم يعانون من عودة الورم مجددًا، وفى الموقع نفسه غالبًا.
الخلايا الإرهابية النائمة، أيضًا، تكون أشد فتكًا، لأنها متخفية ومن الصعب معرفة عددها وعدّتها. وقد تبقى فى حالة خمول، لعدة سنوات، تقوم خلالها بالتخطيط لعمل نوعى، وعادة ما تتنقل، قبل تفعيلها أو تنشيطها، بين عدة دول قبل الاستقرار فى الدولة المستهدفة. وتتميز هذه الخلايا بقدرتها على القيام بفعل عنيف مفاجئ، كما يتيح لها التخطيط لمدة طويلة القدرة على إحداث فارق نوعى على مستوى الاستهداف، سواء فى جمع المعلومات أو فى الأعمال التخريبية ونشر الفتن، وزعزعة الأمن والاستقرار، والإضرار بالاقتصاد الوطنى.
المهم هو أن الدراسة المنشورة، منذ أيام، فى دورية «بيوكيميكال آند بيوفيزيكال ريسيرش كومينيكيشن»، العلمية المتخصصة فى الكيمياء الحيوية والبيوفيزيائية، قالت إن هذه الظاهرة تسمى بـ«المقاومة التكيفية»، موضحة أنها تنتج عن وجود «بقايا صغيرة من الخلايا الخبيثة، يمكن وصفها بالخلايا النائمة، لا تستطيع أدوات الأشعة التقليدية اكتشافها، ويمكنها أن تتكاثر ببطء بعد هروبها من العلاج أو تكيفها معه».
دراسات سابقة أشارت إلى أن البروتين الذى ينظم التعبير عن العديد من الجينات التى تتحكم فى انقسام الخلايا بطيئة التكاثر، بروتين «HuR»، لا يتم التعبير عنه بشكل كافٍ، بعكس الخلايا سريعة الانتشار، التى يتم فيها التعبير عن هذا البروتين بوضوح. ومن بين تلك الدراسات، دراسة نشرها فريق جامعة جنيف نفسه، سنة ٢٠١٩، أظهرت وجود رابط بين عدم كفاية التعبير عن هذا البروتين وقدرة خلايا الورم الميلانينى على مقاومة العلاج. أما ما ميز الدراسة الحديثة فهو أنها اكتشفت الآلية، التى تتسبب فى عدم كفاية التعبير عن هذا البروتين فى الخلايا «الخاملة»، وأكدت ضرورة إيقاظ تلك الخلايا، حتى يمكن استهدافها.
بين هاتين الدراستين، قام باحثون فى مستشفى كولونيا الجامعى بألمانيا، بدراسة شبيهة، نشروا نتائجها فى سبتمبر ٢٠٢١، أى منذ سنة تقريبًا، على الموقع الإلكترونى للجامعة، وتوصلوا فيها، أيضًا، إلى أن أسباب عودة السرطان بشكل مفاجئ، تعود إلى عدم موت بعض الخلايا السرطانية، ودخولها فى «حالة سبات» حتى تتمكن من خلق نقاط هجوم جديدة. ولمواجهة تلك الخلايا، قال مارتن سوس، المشارك فى الدراسة، إنهم قاموا، من خلال التحليل الجزيئى، بتطوير طرق علاجية جديدة تجمع بين الأدوية التقليدية والعلاج المناعى.
.. وأخيرًا، يُقال إن مصطلح الخلايا النائمة، فى الإرهاب، لا فى السرطان، تم استحداثه خلال الحرب الباردة، لوصف مجموعات التجسس والتخريب التابعة للمعسكرين الشرقى والغربى، التى تعمل فى أراضى المعسكر المقابل، وتقوم بأعمال سرية لا تتيحها العلاقات العلنية والأعراف الدبلوماسية. بينما يقول الواقع إن هذا النوع من الخلايا ظهر قبل ذلك بأكثر من مائة سنة، إذ قام لويس أوجست بلانكى، مثلًا، وهو اشتراكى فرنسى مات سنة ١٨٨١، بتشكيل خلايا سرية تتكون من أعداد قليلة، ولم يكن يعطيها إلا معلومات محددة حسب الحاجة.