نتنياهو والاتفاق
كلمة «تاريخى» لها سحر خاص فى السياسة الإسرائيلية، أرشيفى الإسرائيلى ممتلئ بهذه الكلمات «اتفاق تاريخى» أو «معاهدة تاريخية» أو «زيارة تاريخية»، عندما يمجدون شيئًا يقولون عنه تاريخى، هذه المرة أدار بنيامين نتنياهو– كعادته– الدفة، وقال عن اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان إنه «استسلام تاريخى».
لأول مرة تستخدم الكلمة الإسرائيلية الساحرة «تاريخى» بمعنى سلبى.. لكن مع نتنياهو نحن مع الشىء ونقيضه فى تلك اللحظة واللحظة التى تليها.. لا توجد حدود ولا توجد كوابح.. توجد فقط مناورات وخدع وعزف منفرد فى غرفة دون جمهور، المؤسسة الأمنية والتيارات السياسية والجمهور مع الاتفاق، ونتنياهو وحده ضده!
هاجم نتنياهو الاتفاق، وحسب تقديرات محللين إسرائيليين وتقديراتى، المعلومات التى ذكرها فى الهجوم ليست دقيقة، وتحتاج لمراجعة.
تحدث نتنياهو فى مؤتمر انتخابى فى رحوفوت، وأدلى بخطاب غريب، قال: «نصر الله هدد يائير لابيد وأمره بالتوقيع وإلا سيختطف! فاستسلم يائير لابيد بشكل مخجل. هذا غريب جدًا، كيف يجرؤ يقول هذا؟
يرى نتنياهو أن الاتفاق يشكل استسلامًا لحزب الله، واحتجاجًا على إقراره فى ظل حكومة انتقالية وقبل الانتخابات، هذه المسألة سيتم بحثها بشكل قانونى فى الكنيست ومع الالتماسات فى المحكمة العليا، لكن الحديث عن الاتفاق نفسه غريب وغير دقيق.
قال بنيامين نتنياهو: «خلف ظهور مواطنى إسرائيل والكنيست، استسلم لابيد وجانتس لابتزاز حزب الله، قائلًا: إنهم ينقلون الأصول الاستراتيجية لدولة إسرائيل إلى حزب الله فى صفقة التصفية. وسيستخدم حزب الله المليارات من الغاز لتسليح نفسه بالصواريخ ضد مواطنى إسرائيل، وإيران ستضع نفسها أمام روش هنكارا وأمام احتياطيات الغاز الإسرائيلية».
كل ما سبق غير دقيق، لا يوجد نقاش حول السيادة هنا، لا تنازل عن الأرض، لا إخلاء للمستوطنات ولا مساومات فى القضايا الأمنية، المياه الاقتصادية خالية من السيادة، إنها ليست منطقة ذات سيادة إسرائيلية. الحديث هنا عن صفقة اقتصادية، فقط من أجل المال، نتنياهو يعرف ذلك جيدًا.
يعلم نتنياهو أن النزاع هو على نسبة محدودة بحقل قانا، وهو يعرف أنه لم يُعثر بعد فى حقل «قانا» على الغاز، وإذا عثروا عليه، فالحقل صغير وليس كبيرًا، وهو يعلم أيضًا أن جميع رؤساء الأذرع الأمنية وجميع خبراء الغاز والمهنيين يعتقدون أن المصلحة الإسرائيلية الاستراتيجية تقتضى التوصل إلى تسوية هذه القضية فى أسرع وقت ممكن من أجل تحقيق الاستقرار فى المياه الاقتصادية والسماح لحقل «كاريش» بالعمل دون تهديدات من حزب الله.
الحقيقة أن لابيد لم يوقع الاتفاقية التى رفض نتنياهو التوقيع عليها، نتنياهو لم يرفض التوقيع عليها، الاتفاقية لم تُطرح أصلًا فى عهد نتنياهو، لم تكن هناك مفاوضات جدية فى عهده، وإذا كانت طُرحت كان سيوقع، ووقتها كان سيصفها بـ«التاريخية».
علينا أن نقول الحقيقة– ولو مرة- نتنياهو زعيم إسرائيلى تاريخى لكن هذه المرة هو لا يتحرك كزعماء، هو يتحرك كمتمسك بالسلطة بأى ثمن. كل شىء يفعله منافسوه هو سيئ حتى لو كان جيدًا.