«حل يرضى جميع الأطراف».. كواليس اتفاق الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان
أفادت تقارير عبرية بأن اتفاقية الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل ستوقع فى ٢٠ أكتوبر الجارى، ليجرى الإعلان عنها بشكل رسمى، بعدما توصل الطرفان إلى اتفاق عقب محادثات مكثفة بين وفدى الجانبين، بقيادة الوسيط الأمريكى عاموس هوشستاين.
وقبل أيام قليلة، عرض يائير لابيد، رئيس الوزراء الإسرائيلى، على مجلس الوزراء المصغر، مسودة الاتفاق النهائية التى قبلتها الحكومة، والتى قوبلت بترحيب من معظم القوى السياسية الإسرائيلية، كما قوبلت بترحيب مماثل من القوى السياسية اللبنانية، مع وصف تفاصيلها بأنها «حل يرضى جميع الأطراف»، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
ردود أفعال إيجابية.. وتوقع المصادقة عليها قبل انتخابات الكنيست
على مدار الأيام الماضية، توالت ردود الفعل الإيجابية الإسرائيلية واللبنانية على اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وسط تفاؤل بتحقيق الاتفاق مكاسب للطرفين.
وقال يائير لابيد، رئيس الوزراء الإسرائيلى: «هذا إنجاز تاريخى سيعزز أمن إسرائيل، ويدخل المليارات فى الاقتصاد الإسرائيلى، ويضمن الاستقرار على الحدود الشمالية».
فيما قال بينى جانتس، وزير الدفاع الإسرائيلى: «إسرائيل معنية بلبنان كدولة مستقرة وقوية.. الجار المزدهر والاتفاق الذى نتجه نحوه محترم وجيد للطرفين».
وأعلنت المؤسسة الأمنية فى إسرائيل عن أنها راقبت عن كثب المفاوضات حول الحدود البحرية، وقالت: «لم نستسلم ولن نتنازل عن ملليمتر واحد من الأمن، وتأكدنا من أن الاتفاقية تدعم أيضًا الحقوق الاقتصادية لإسرائيل».
فيما قال إيال حولتا، رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى: «كل مطالبنا تمت تلبيتها، والتغييرات التى طلبناها تم إصلاحها.. حافظنا على مصالح إسرائيل الأمنية، ونحن فى طريقنا إلى اتفاق تاريخى».
ولاقى الاتفاق ترحيب أغلب التيارات السياسية الإسرائيلية، باستثناء زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، كما عرضت الاتفاقية على الحكومة الإسرائيلية ومجلس الوزراء المصغر «الكابينت»، وسيجرى طرحها للمناقشة العامة فى الكنيست فى إجراء قد يستمر لمدة أسبوعين.
وأوضحت الصحف العبرية أن موافقة الكنيست على الاتفاقية لن تكون مطلوبة، وفقًا للبروتوكول، لكن من المتوقع أن تنتهى المصادقة قبل الانتخابات المقررة الشهر المقبل.
وأفادت بأنه من المتوقع أن تؤخر بعض الالتماسات المقدمة إلى المحكمة العليا المصادقة على الاتفاقية، خاصة أن حزب «الليكود»، بقيادة «نتنياهو»، وحزب «القوة اليهودية»، بقيادة إبتامار بن جفير، يفكران فى تقديم التماس إلى المحكمة العليا لأنهما يريان أن الاتفاقية غير شرعية بعد أن وافقت عليها حكومة انتقالية عشية الانتخابات.
على الجانب الآخر، قال مكتب رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون إن الرئيس اللبنانى تسلم المسودة النهائية لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل من نائب رئيس مجلس النواب إلياس ابوصعب، ووصف الأمر بقوله: «إن الاقتراح مرضٍ، ويلبى مطالب لبنان ويحفظ حقوقه وثرواته الطبيعية».
كما قالت وكالة «رويترز» للأنباء، إن «حزب الله» اللبنانى أعطى «الضوء الأخضر» للصفقة، ونقلت عن مسئول كبير فى الحكومة اللبنانية وآخر مقرب من «حزب الله» قولهما إن «الحزب وافق على الاتفاق وإن المفاوضات انتهت».
كما ذكرت وسائل إعلام لبنانية أن المسودة النهائية للاتفاقية تفى بمتطلبات الطرفين، وأن فرنسا أبلغت لبنان بأن شركة الحفر الفرنسية «توتال» ملزمة ببدء الحفر والاستكشاف فور إعلان الاتفاق، وأنها تعتزم جلب سفن وحفارات ومعدات لهذا الغرض مطلع العام المقبل.
تبنى معظم خط 23 الحدودى.. وتعويض تل أبيب عن جزء من حقل قانا
تدور اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان حول تبنى الخط ٢٣ كخط حدودى «لا كحد نهائى»، لكن ليس بكامله، إذ ستبقى مساحة الـ٥ كم الأولى الموازية للساحل على ما هى عليه، استنادًا إلى الخط العائم الإسرائيلى، الذى سيحصل على اعتراف دولى لأول مرة.
كما تقرر أن يكون حقل غاز «قانا»، الذى يوجد معظمه فى المياه الاقتصادية اللبنانية وبعضه فى المياه الاقتصادية لإسرائيل، لبنانيًا بالكامل، على أن تحصل إسرائيل على رسوم منه.
وهدد النقاش حول خط السفن الاتفاق فى لحظات معينة، مع حقيقة أن لبنان لن يعترف بأى حدود بحرية مع إسرائيل، وأن الأمر يتعلق فقط بتحديد كتل فى المياه الاقتصادية لكلا الطرفين.
ودارت المناقشات حول عبارة «الوضع القائم»، التى اعتبرتها إسرائيل اعترافًا لبنانيًا بقيمة الخط، بينما أراد لبنان استخدام تعبير «الوضع الراهن»، الذى يؤكد استمرار النزاع على الحدود البحرية والبرية بين الجانبين.
وتم الاتفاق أيضًا على أنه ومع بدء استخراج الغاز من حقل «كاريش»، الموجود كله فى المياه الاقتصادية الإسرائيلية، ستبدأ أعمال الحفر فى حقل قانا اللبنانى، من خلال مجموعة دولية، تتشكل من شركتى توتال الفرنسية بنسبة ٤٠٪، وإينى الإيطالية بنسبة ٤٠٪، فيما انسحبت الشركة الروسية، وبات الجزء المخصص لها فى يد الحكومة اللبنانية.
ومن المقرر أن يتم تعويض إسرائيل عن جزء من حقل قانا، يعادل الثلث تقريبًا، وهو الموجود ما بعد خط ٢٣ إلى الجانب الإسرائيلى، فى حال بدء استخراج الغاز من هذا الحقل.
وقال بعض وسائل الأنباء إن الجانب الأمريكى ضغط على لبنان لقبول الصياغة الغامضة حول المنطقة غير المتفق عليها، وأوضح الأمريكيون أنه وبسبب الوضع الداخلى للحكومة فى تل أبيب، فإنه يجب على الجانب الإسرائيلى أن يخرج بصيغة تظهر أنه لم يخسر.
كما زعمت أن الأمريكيين قالوا إنه ومن أجل حل المشكلة، لا يجوز للطرفين تقديم خطوط حدودية جديدة إلى الأمم المتحدة، لكن إبلاغها فقط من خلال الأمريكيين بأنه تم التوصل إلى تفاهم.
وركزت وسائل إعلام عبرية، فى تناولها الأمر، على العائد الاقتصادى المتوقع لإسرائيل من جراء الاتفاق، مع الإشارة إلى أن الترتيبات بشأن الحدود البحرية مع لبنان تعود على تل أبيب بعائدات مهمة أُخرى، تتركز على المجال الأمنى، إذ إن توقيع الاتفاق وبدء أعمال الحفر فى الجانب اللبنانى من شأنهما ضمان الهدوء فى المنطقة البحرية، وتقليص الحاجة إلى حماية حقل «كاريش».
ولفتت إلى أن الجانب اللبنانى يسعى حاليًا لإثبات أن بيروت لم تتنازل عن مواقفها، وأنها طلبت تعديلات على الصيغة المعروضة عليها، واصفة الاتفاق بأنه مكسب كبير للبنان الذى يعانى من جرّاء أزمة اقتصادية هى الأصعب فى تاريخه.
وأوضحت أن الأرباح الاقتصادية التى سيحققها لبنان ليست فورية، إذ إن استخراج الغاز يستغرق عادة عدة أعوام، لكن هذه الخطوة من شأنها أن تمنح أملًا للمواطنين اللبنانيين، كما أنها قد تؤدى لاستقطاب جهات غربية وعربية للمساعدة.
ونوهت بتخفيف «حزب الله» من تهديداته لإسرائيل، بعد التوصل للاتفاق، مع تبنى خطاب يدور على كون هذا الاتفاق مهمًا للشعب اللبنانى على الصعيد الاقتصادى، وأن توقيعه هو مسئولية السلطة اللبنانية.
وقالت وسائل إعلام عبرية، إن «حزب الله» سيحاول «نسب الانتصار إلى نفسه بسبب تهديداته السابقة بضرب منصة كاريش»، و«سيدعى أن الاتفاق لا يتضمن أى مكون تطبيعى مع إسرائيل، ولا يُشير إلى أى تغيير فى العلاقات».
وأضافت أن الاتفاق قد «يكبح جماح حزب الله» بسبب وجود مصلحة اقتصادية للبنان فى الانضمام إلى الدول المصدرة للغاز فى شرق المتوسط، ما يهدئ من حالة العداء بين بيروت وتل أبيب.