دبلوماسية المصرية ومكافحة الإرهاب
أصدرت وزارة الخارجية مؤخرًا التقرير الوطنى الثالث حول مكافحة الإرهاب وهو التقرير الذى يستعرض جهود الدولة المصرية ومقاربتها الشاملة لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف وذلك باللغتين العربية والإنجليزية بحسبان أن الدولة تولى اهتمامًا كبيرًا بتلك المواجهة وتضع خبراتها فى هذا المجال للمنظومة الدولية خاصة فى أعقاب اختيارها فى أبريل الماضى كرئيس مشارك مع الاتحاد الدولى فى المنتدى العام لمكافحة الإرهاب والذى يعتبر إحدى الآليات الدولية المعنية بتطوير المنظومة الخاصة بمكافحة الإرهاب والتطرف.
وقد تضمن تقرير وزارة الخارجية الذى شارك فى إعداده العديد من جهات الاختصاص ذات الصلة بحيث تضمن العديد من المحاور التى جعلت هناك أهمية كبيرة للتقرير الذى أخذت به العديد من الدول كمرجعية لها خاصة على ضوء ما يواجهه العالم حاليًا من أزمات اقتصادية قد يترتب عليها تداعيات أمنية وإرهابية بأنماط مختلفة لضمان استمرار تلك التنظيمات الإرهابية والوصول إلى استمرار تمويلها وتواجدها من خلال عمليات السطو المسلح أو عمليات ترويع وتخريب فى سبيل الحصول على المال والغذاء والسلاح بكل الوسائل المتاحة لهم.
ولعل من أبرز المحاور التى جاءت فى هذا التقرير ما يلى:
-إن مصر لم تعد تتبنى فكرة المواجهة الأمنية فقط للعناصر الإرهابية والعناصر المتطرفة بل إنها اهتمت بتعزيز قدراتها الداخلية وتبنى مفهوم المواجهة الشاملة من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والتنموية.. ومن هذا المنطلق فإن مصر تطالب المجتمع الدولى بتعزيز الجهود الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب وعدم اقتصارها على المواجهة الأمنية فقط اتساقًا مع التجربة المصرية الناجحة.
- إن مصر تعتزم خلال رئاستها للمنتدى العالمى لمكافحة الإرهاب السعى لكى يقوم المجتمع الدولى بالتزامه تجاه الدول النامية التى تعانى من الإرهاب خاصة الدول الإفريقية من خلال تعزيز قدراتها لمكافحة الإرهاب وذلك من منطلق إن السلام والأمان لا يمكن أن يستقيم فى دولة ما وبجوارها دول أخرى تحتضن عناصر إرهابية أو تعانى من وجود تنظيمات بها لا يستطيع القضاء عليها أو التعامل معها وهو ما نراه حاليًا فى الصومال وتشاد ونيجيريا والنيجر على سبيل المثال.
- مازالت مصر تناشد المجتمع الدولى منذ عدة سنوات بوضع تعريف محدد للإرهاب وعدم استبداله بأى توصيف آخر وكذلك محاسبة الدول التى ترعى الإرهاب وتحتضن عناصره بما فى ذلك توفير الملاذ الآمن لهم أو تسليحهم أو تدريبهم أو تسهيل تحركاتهم عبر أراضيها والعمل على تقويص قدرة التنظيمات الإرهابية على تجنيد عناصر جديدة عبر وسائل الاتصالات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعى لنشر التطرف وخطاب الكراهية والعمل على تجفيف منابع الإرهاب.
- أشار التقرير الى معالجة الظروف المؤدية للإرهاب من خلال اتخاذ العديد من التدابير الوقائية لنشر التوعية والمواجهة الفكرية وذلك عن طريق المؤسسات الدينية كالأزهر الشريف والكنيسة ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء، حيث تم افتتاح مرصد الأزهر لمكافحة التطرف.. وقيام وزارة الأوقاف بعمل دورات متخصصة لدفع مستوى الأئمة والواعظات بشأن إصلاح وتجديد الخطاب الدينى بما يتواكب مع طبيعة العصر وكذلك ما تقوم به دار الإفتاء من جهود كبيرة للرد على خطاب الكراهية ونشر الفتن الطائفية.. كذلك الحال أيضًا بالنسبة لوزارة الثقافة التى وصفت استراتيجية واضحة للقيام بدورها من خلال قصور الثقافة والأعمال الفنية الكاشفة لمخاطر الإرهاب والتطرف وأيضًا رعاية العديد من الندوات والمنتديات التى تعمل فى ذات الاتجاه .
- على صعيد آخر اجتهدت الدولة المصرية فى خلق بيئة طاردة للإرهاب وعناصره من خلال القضاء على العشوائيات ومحاولة النهوض بالاقتصاد – الذى أثرت الحرب الروسية – الأوكرانية بشكل أو بآخر على ذلك – وتحسين الأحوال المعيشية والاجتماعية والسعى لتحقيق التنمية المستدامة من خلال العديد من المبادرات أبرزها "حياة كريمة" التى تجتهد الدولة المصرية لتوفيرها فى جميع المحافظات والمراكز والقرى لتطوير الريف المصرى ومشروعات تحديث البنية التحتية ومشروعات تنمية سيناء وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعى والصحى والتأمينات الاجتماعية.
- لم يغفل التقرير تعاون الدولة مع المجتمع الدولى والإقليمى والعربى.. فعلى الصعيد الدولى على التواصل الدائم مع الدول التى تعانى من ويلات الإرهاب وذلك عن طريق إبرام العديد من الاتفاقات الثنائية لتبادل المعلومات والخبرات فى هذا المجال… وعلى الصعيد الإقليمى كان مكافحة الإرهاب والتطرف إحدى الأولويات التى اهتمت بها مصر عند رئاستها للاتحاد الإفريقى عام 2019 كما حرصت مصر خلال رئاستها لمجلس السلم والأمن الإفريقى على تنظيم لقاءات على مستويات الوزراء والخبراء وقيادات الأجهزة الأمنية حول مكافحة الإرهاب وأيدلوجيات الفكر المتطرف وتجفيف منابع تمويله .
أما على المستوى العربى فى العديد من الفعاليات ذات الصلة التى نظمتها جامعة الدولة العربية وفى مقدمتها الاجتماعات الدورية للخبراء العرب المعنيين بموضوعات مكافحة الإرهاب وكانت هناك حوارات إيجابية ومفيدة ساعدت الدول المشاركة فيها فى كشف العديد من العناصر المتطرفة الموجودة فى بعض هذه الدول والقبض عليهم، كما كانت هناك استفادة كبيرة من نقل الخبرة المصرية فى هذا المجال للدول العربية الشقيقة.
** هكذا رأينا أن جميع أجهزة الدولة المصرية تعمل جاهدة فى الوقت الحالى ليس على المواجهة فقط ولكن المكافحة بشتى الوسائل الممكنة خاصة فى مجال إعمال الفكر والتوعية والثقافة وهى مواجهة شاملة كما رأينا بالنسبة لأجهزة الدولة ....ولكن يبقى هنا دور مهم لابد أن يقوم به المواطن والشعب المصرى كله لمساعدة دولته فى القضاء على الإرهاب وعلى فلوله....وأيضًا الاستجابة والتجاوب مع تلك الجهود خاصة فى بعض المحافظات التى يختبئ بها العديد من العناصر الكامنة والتى تنتهز أى فرصة لاستعادة أنشطتهم الإجرامية والإرهابية التى تسعى لترويع العباد وإسقاط البلاد....وهذا الدور يتمثل فى التعاون مع الأجهزة فى الإبلاغ عن أى مظاهر غير عادية يستشعرونها من بعض المترددين على المناطق السكنية أو الريفية التى قد يتردد عليها بعض تلك العناصر والإبلاغ عنهم حتى ولو كان على سبيل التحوط والتأمين.
إن مصر أمانة فى أعناقنا جميعًا وها نحن قد اقتربنا بالفعل من تقويص الإرهاب وتطهير بلادنا منه بإذن الله فلا يجب أن نتكاسل أو نبخل بأى معلومة تحافظ على أرواح وحياة أبرياء من أهلنا هنا أو هناك....فلنكن جديرين بتلك الأمانة ولنشكل معًا درعًا من دروع الدولة نواجه به الإرهاب ونقضى به على التطرف بإذن الله.. تحيا مصر.