الأيام الحاسمة.. هل تنجح أمريكا فى ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان؟
بعد أشهر من التوتر، تقترب المفاوضات بين إسرائيل ولبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما من إتمام اتفاقية تاريخية، بوساطة أمريكية، بعدما قدمت الولايات المتحدة عرضًا للحكومتين الإسرائيلية واللبنانية يمثل ما قيل إنه خط وسط يمكن التعايش معه، ويساعد على حل أزمة حقل الغاز الطبيعى «كاريش» المتنازع عليه.
ويسود التفاؤل الحذر فى إسرائيل ولبنان بشأن القدرة على التوصل لاتفاق، خاصة بعدما انخفضت لهجة التصعيد بينهما، والتى وصلت ذروتها هذا الصيف، حين أسقطت إسرائيل ٤ طائرات مسيّرة أطلقها تنظيم «حزب الله» اللبنانى باتجاه حقل «كاريش»، رغم استمرار بعض المشكلات والعقبات المؤثرة على مسار التفاوض، والتى نستعرضها فى السطور التالية.
تفاؤل حذر بالمقترح الأمريكى لإنهاء أزمة حقل غاز «كاريش» عبر «حل وسط»
فى وقت سابق من العام الجارى، بدأ التوتر بين إسرائيل ولبنان، بعدما أرسلت تل أبيب سفينة للتنقيب عن الغاز إلى حقل «كاريش»، المتنازع عليه، وقالت، فى حينه، إنها ستبدأ فى استخراج الغاز الطبيعى من الموقع.
فى المقابل، ندد المسئولون اللبنانيون بالخطوة الإسرائيلية، وقال حسن نصر الله، زعيم تنظيم «حزب الله» اللبنانى، إن صواريخ الحزب ستكون موجهة نحو حقل «كاريش» فى حال بدأت إسرائيل التنقيب عن الغاز.
ورغم تلك التوترات، التى استمرت لأسابيع، تشير التقديرات الحالية إلى قرب توقيع اتفاق بين إسرائيل ولبنان بشأن الحدود البحرية بينهما، خاصة بعدما طالبت «إنيرجين»، الشركة البريطانية صاحبة امتياز الحفر فى حقل «كاريش»، ببدء أعمال الحفر والضخ التجريبى فى منتصف أكتوبر الجارى.
وجاء ذلك إثر إرسال المبعوث الأمريكى عاموس هوكشتاين مقترحًا مكتوبًا للطرفين، خلال الأيام الماضية، يلخص ما تم طرحه من أفكار أساسية شفويًا، وعلى مدار عدة أسابيع.
وحتى هذه اللحظة، فإن الوسيط الأساسى بين الطرفين هو إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، لكن هناك اقتراحات بضم مزيد من الدول أو الجهات الدولية لتكون ضامنة للاتفاق لتقوية احتمالات صموده، فى مواجهة التصعيد المحتمل الذى قد ينشب مستقبلًا بين إسرائيل و«حزب الله».
وحتى لحظة كتابة هذه السطور لم يتم نشر نص الاقتراح الأمريكى، وإن كان معروفًا أنه يتعلق بالنزاع حول ٨٦٠ كيلومترًا مربعًا فى البحر المتوسط تضم حقول غاز بحرية، من بينها حقل «كاريش»، الذى يقول لبنان إنه يقع فى منطقة متنازع عليها، بينما تزعم إسرائيل أنه يقع ضمن مياهها الاقتصادية المعترف بها دوليًا.
وخلال الأسابيع الماضية، لعبت الولايات المتحدة دورًا كبيرًا فى الوساطة والمفاوضات غير المباشرة بين الطرفين، ووفقًا للقناة الإسرائيلية الـ ١٢، فإن موقع الحدود المقترحة سيكون بمثابة حل وسط بين الجانبين، وأن لبنان سيكون قادرًا على التنقيب عن الغاز على مسافة خمسة كيلومترات شمال منصة غاز «كاريش» الإسرائيلية.
من جانبه، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلى يائير لابيد، الأسبوع الماضى، أن إسرائيل تلقت الخطة الأمريكية المقترحة، وترى أنها ستحافظ على مصالحها وأن المناقشات تجرى بشأن تفاصيلها النهائية، لكنه حذر من أنه لا يزال من السابق لأوانه رؤية الاتفاقية مكتملة.
فى المقابل، سلمت الولايات المتحدة نص الخطة المقترحة إلى الرئيس اللبنانى ميشال عون، وقال الإعلام الرسمى اللبنانى إن الحكومة تعمل بسرعة لصياغة رد على الخطة.
فيما علق حسن نصر الله، زعيم تنظيم «حزب الله» اللبنانى، بقوله إن الصفقة الناشئة تفتح «آفاقًا كبيرة وواعدة للشعب اللبنانى»، وهو ما رأى فيه البعض إشارات مشجعة على قبول المقترح الأمريكى، فيما قال آخرون إن «حزب الله» يحاول أن ينسب لنفسه إنجازات لبنان فى المفاوضات، والتى تتزامن مع الأزمة الاقتصادية الكبيرة التى يمر بها لبنان حاليًا.
ويرى المراقبون أن سرية بنود المقترح الأمريكى، وغياب تفاصيله عن الجمهور الإسرائيلى واللبنانى، مع استمرار المفاوضات بعيدًا عن الأنظار، رغم اقتراب موعد توقيع الاتفاقية، شىء جيد ويعزز من فرص الاتفاق، لأن علانية التفاصيل قد تدفع أطرافًا على الجانبين لزيادة حدة لهجة المعارضة للتأثير على مسار الاتفاق، كما أن هذه السرية تمنح الطرفين فرصة لتقديم التنازلات، بعيدًا عن أعين الجمهور.
وقالت قناة «كان» الإخبارية، إن استطلاعًا للرأى أظهر تأييد ٤٦٪ من الإسرائيليين لقرار الحكومة المؤقتة الحالية، برئاسة يائير لابيد، بشأن الصفقة، فيما عارضها ١٦٪ فقط، بينما قال الباقون إنهم غير متأكدين أو ليس لديهم معرفة كافية بالموضوع.
الصلاحيات والاستفتاء و«نتنياهو».. 3 عقبات تواجه الخطوات الأخيرة
رغم التفاؤل على الجانبين، تواجه المفاوضات بين إسرائيل ولبنان ٣ مشكلات أساسية قد تُعقد الأمور أمام الحكومة الإسرائيلية، وهى مشكلة صلاحيات الحكومة المؤقتة، بقيادة يائير لابيد، ومعارضة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الأسبق وزعيم المعارضة، للاتفاق، ما يهدد استمراره حال نجاحه فى الفوز بالانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى مدى الحاجة إلى استفتاء شعبى فى إسرائيل لتمرير اتفاقية حدودية. وفيما يتعلق بعقبة الصلاحيات، يواجه «لابيد» انتقادات كثيرة حاليًا، بسبب التساؤل الذى طرحه عدد من المحللين فى تل أبيب، وهو: هل من صلاحية حكومة تصريف الأعمال، برئاسة لابيد، اتخاذ قرارات تقضى بتغيير خط الحدود قبل أسابيع من موعد إجراء الانتخابات فى أول نوفمبر المقبل، رغم أن حكومته لا تحظى بثقة الكنيست؟.
وفيما يرى رئيس حكومة تصريف الأعمال أن الاتفاقية لا تتعلق بالتنازل عن أرض أو حدود بل تتعلق بمورد اقتصادى فى منطقة متنازع عليها، حيث يرى المراقبون أن الاتفاق بشأن «كاريش» من المفترض أن يجرى تقديمه إلى الكنيست للمصادقة عليه، حتى لو كان القانون لا يتطلب ذلك، ويشيرون إلى أن لابيد امتنع عن هذه الخطوة، فى هذا الوقت قبيل الانتخابات، حتى لا يتحول الأمر إلى معركة سياسية.
أما العقبة الثانية، فتمثلت فى هجوم «نتنياهو»، زعيم حزب «الليكود»، لمنافسة رئيس الحكومة الحالى «لابيد»، بسبب ما وصفه بأنه تنازلات غير مسئولة لمصلحة «حزب الله» فى قضية الغاز.
وقال «نتنياهو» إنه فى حال تشكيله الحكومة الإسرائيلية المقبلة فإن حكومته لن تحترم الصفقة التى عقدها «لابيد»، رغم أن الاتفاقيات الدولية تبقى ملزمة بغض النظر عمن وقعها، وهو ما اضطر «نتنياهو» سابقًا للالتزام باتفاقيات أوسلو، التى وقعها رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إسحاق رابين. ويوضح المراقبون أن الاتفاق حول «كاريش» حتى لو كان ملزمًا لحكومة بقيادة «نتنياهو» فإن الموقف سيظل مشوشًا، خاصة مع مناورات «نتنياهو» التى لا تنتهى، والتى قد تعرقل الاتفاق فى أى مرحلة.
ويتهم زعيم المعارضة خصمه «لابيد» بأنه استسلم للتهديدات من زعيم حزب الله، وأنه يمنح «حزب الله» جزءًا سياديًا من دولة إسرائيل بخزانات ضخمة من الغاز يملكها مواطنون إسرائيليون، وهو لا يملك تفويضًا بالتنازل عن سيادة أراضٍ لدولة معادية، لأن هذه سرقة غير مشروعة».
وردًا على ذلك، كتب لابيد تغريدة تخاطب نتنياهو مباشرة، قال فيها: «لمدة ١٠ سنوات فشلت فى تحقيق هذا الاتفاق، على الأقل لا تضر بمصالح إسرائيل الأمنية، ولا تساعد حزب الله برسائل غير مسئولة». ورغم ذلك، يتحدث بعض المقربين من جناح نتنياهو حول تكوين مجموعات احتجاج بشأن موضوع حقل «كاريش» للتظاهر أمام بيت لابيد، مع تقديم التماس إلى المحكمة العليا فى إسرائيل للمطالبة بطرح الاتفاق للاستفتاء العام. وتمثل مسألة طرح الاتفاق حول غاز «كاريش» للاستفتاء العام ثالث العقبات أمام توقيع الاتفاق، وتستند إلى إقرار الكنيست فى عام ٢٠١٤ لقانون أساس، يفرض على أىّ اتفاق سياسى يشمل تنازلات عن أراضٍ خاضعة لـ«القانون والإدارة القانونية لدولة إسرائيل» الخضوع لاستفتاء عام، حتى ولو أُقرّ فى الكنيست بأغلبية الثلثين.
وقد تم سن هذا القانون بالتحديد ليكون من الصعب على أى حكومة مستقبلية تغيير وضع القدس أو هضبة الجولان، أو إجراء تعديلات على الحدود، أو القيام بتبادل أراضٍ، كجزء من اتفاق سياسى.
وأوضح مصدر سياسى لصحيفة «هآرتس» أن مسألة إقرار الاتفاق بشأن حقل غاز «كاريش»، أو الحاجة إلى استفتاء قبل إقراره هى مسألة معقدة، خاصة أنه فى إمكان المحكمة العليا الإسرائيلية أن تتبنّى موقف الحكومة، وتعتبر أن من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال إبرام مثل هذا الاتفاق دون الحاجة إلى استفتاء عام، ويمكنها أن تفعل العكس، لذا فإن المسألة تظل معلقة.