سد نيريرى.. وذكرى النصر
مع احتفالنا بالذكرى التاسعة والأربعين لنصر أكتوبر، احتفل الأشقاء فى «جمهورية تنزانيا المتحدة»، أمس الأول الخميس، بصبّ آخر مكعب خرسانة واكتمال الأعمال الإنشائية فى جسم سد «جوليوس نيريرى»، التى أنجزها أكثر من ٢٥٠٠ مهندس وعامل مصرى وتنزانى، فى ٢٢ مليون ساعة عمل، موزعة على ٦٨٧ يومًا.
يتولى تنفيذ مشروع السد، بكل مكوناته، تحالف مصرى، نرى أنه يستحق ما هو أكثر من الشكر والتحية والتقدير، ليس فقط لاختياره هذا اليوم، لصب مكعب الخرسانة الأخير، ولكن أيضًا لأنه تمكن من التغلب على معوقات طبيعية صعبة وعديدة، ليحقق حلمًا تنزانيًا بدأ فى ستينيات القرن الماضى، مع تأسيس دولة الاتحاد، وصار محطة مهمة فى طريقها إلى التنمية المستدامة، بتوفيره الطاقة الكهربائية للمصانع، ودعمه الزراعة والصيد النهرى. إضافة إلى أنه سيتيح التحكم فى الفيضانات، التى تسببت فى وفاة وفقد الآلاف، معظمهم من الأطفال، وسيحد من تكوّن المستنقعات الموسمية، التى تعد سببًا رئيسيًا فى انتشار أمراض خطيرة.
السد، كما لعلّك لاحظت، يحمل اسم جوليوس نيريرى، الذى ربطته علاقة صداقة قوية بالزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وقاد نضال بلاده ضد الاستعمار الإنجليزى، وقام بتوحيد تنجانيقا وزنجبار، سنة ١٩٦٤، لتنشأ «جمهورية تنزانيا الاتحادية، التى ظلّ يرأسها، حتى تخلى عن الحكم سنة ١٩٨٥، ليخلفه على حسن موينى، حتى ١٩٩٥، ثم بنيامين مكابا، حتى ٢٠٠٥، ثم جاكايا كيكويتى، ثم الرئيس جون ماجوفولى، الذى تم انتخابه فى ٥ نوفمبر ٢٠١٥، ورحل فى ١٧ مارس ٢٠٢١، وأصبحت نائبته سامية حسن، الرئيس السادس للبلاد».
بحضور الرئيس الراحل ونائبته، الرئيسة الحالية، والدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أقيم احتفال خاص بمدينة دار السلام فى ١٢ ديسمبر ٢٠١٨، لتوقيع عقد مشروع سد ومحطة «جوليوس نيريرى» الكهرومائية، الذى بلغت قيمته ٢.٩ مليار دولار، والذى فاز به التحالف المصرى، المكون من شركتى «المقاولون العرب» و«السويدى إليكتريك»، فى مناقصة عالمية طرحتها حكومة «جمهورية تنزانيا المتحدة» لصالح «الشركة التنزانية لتوريد الكهرباء»، تانيسكو، TANESCO، المالكة للمشروع.
فور توليه الحكم، اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسى، مع نظيره التنزانى الأسبق جاكايا كيكويتى، فى يونيو ٢٠١٤، بالعاصمة الغينية مالابو، على هامش قمة الاتحاد الإفريقى. وفى أغسطس ٢٠١٧، زار الرئيس تنزانيا وعقد مباحثات قمة مع الرئيس السابق جون ماجوفولى. واستقبل، فى ١٠ نوفمبر الماضى، بقصر الاتحادية، الرئيسة الحالية سامية حسن، التى أعربت عن تقدير بلادها الكبير لعلاقاتها التاريخية الممتدة والمتميزة مع مصر، مؤكدةً حرصها على تطوير تلك العلاقات، وتعظيم الدعم الفنى الذى تقدمه مصر للكوادر التنزانية، وأشادت بالشركات المصرية العاملة فى مجال البنية التحتية، ودعت إلى تعزيز الاستفادة منها فى تنفيذ الخطة التنموية الطموحة التى تسعى تنزانيا لتنفيذها، وأشارت إلى ما حققه التحالف المصرى فى مشروع سد «جوليوس نيريرى»، الذى وصفته بأنه أحد أكبر المشروعات القومية فى البلاد.
المكونات الرئيسية للمشروع، تشمل إنشاء السد الرئيسى، على نهر روفيچى Rufiji ومحطة توليد كهرومائية، و٣ أنفاق لمرور المياه اللازمة إلى مبنى التوربينات، ونفق تحويل مسار المياه، وأماكن توزيع الطاقة، ومحطة ربط للكهرباء، و٤ سدود تكميلية، لتكوين الخزان المائى، وكوبرى خرسانى على النهر، وطرق لتسهيل الحركة وربط مكونات المشروع، إضافة إلى محجرين على جهتى المشروع وقرية صغيرة. وبوصول السد إلى ارتفاع ١٩٠ مترًا فوق سطح البحر على قاعدة مساحتها ٢٠ ألف متر مربع وبطول ١٠٣٣ مترًا عند القمة، اكتملت الأعمال الإنشائية، واتخذ «التحالف المصرى» التجهيزات اللازمة لبدء احتجاز مياه نهر روفيچى خلف السد، والتى من المقرر أن تستمر لمدة شهرين، بحسب توقعات الفيضان للعام الجارى.
.. وتبقى الإشارة إلى أن مشروع سد ومحطة «جوليوس نيريرى»، يتابعه الرئيس السيسى، بشكل دورى، ويوجّه بضرورة أن يقوم التحالف المصرى بتنفيذه على أعلى مستوى من الجودة، فى إطار اهتمام مصر بتوطيد علاقاتها بقارتها الأم، ونظرًا للأهمية الكبيرة التى يمثلها هذا المشروع للشعب التنزانى الشقيق، ولما يعكسه من قدرة وإمكانات الشركات المصرية على تنفيذ المشروعات الكبرى، خاصة فى القارة السمراء.