الإعجاز المصرى فى أكتوبر.. 7 صحفيين يروون أسرارًا وتفاصيل جديدة عن الانتصار المجيد
قبل أن يستفيق الإسرائيليون من أسوأ صدمة فى تاريخهم المعاصر، وقبل أن تبدأ محاولاتهم لتزييف التاريخ وتسويق بضاعتهم المزيفة عبر أخطبوط وسائل الإعلام الدولية، صدر كتاب عن حرب أكتوبر فى عام ١٩٧٤، بعنوان «المحدال» أو «التقصير».
أهمية هذا الكتاب تنبع من عدة أسباب أهمها:
أن من كتبوه هم ٧ من الصحفيين العسكريين الإسرائيليين الذين رافقوا القوات الإسرائيلية أثناء المعارك، فكانوا شهود عيان على تفاصيل هذه المعارك، كما أنهم يمتلكون- بحكم عملهم الرسمى- من المعلومات السياسية والعسكرية الكثير، وحضروا كثيرًا من اجتماعات القادة الإسرائيليين العسكريين والسياسيين قبيل وأثناء وبعد الحرب.
كما أنهم كتبوا هذا الكتاب بدوافع الصدمة والمرارة والإحساس بالهزيمة الساحقة والإذلال، ما دفعهم إلى الكشف عن كثير من الحقائق قبل أن تستفيق المؤسسات الإسرائيلية، وتبدأ فى محاولات إخفاء ما تستطيع إخفاءه من مشاهد السحق.
تعرض الكتاب لأحداث الحرب الكبرى، قصة خط بارليف، وقصة الثغرة، وما غيّره المصريون فى مسلمات الحروب السابقة، كما أفاض فى وصف مشاهد الجندى المصرى وجهًا لوجه ضد الدبابة الإسرائيلية!
وأعاد الكتاب الاعتبار التاريخى لـ«حرب الاستنزاف» المصرية، وكيف أسهمت بشكل رئيسى فى مشهد أكتوبر، كما تعرض فى أكثر من موضع لأعداد الخسائر الإسرائيلية البشرية.
يكتظ الكتاب بالمعلومات والتفاصيل التى لا يتسع المقام هنا لذكرها جميعًا، لكننى تخيرت بعض الفقرات المهمة الخاصة ببعض التفاصيل الكبرى فى ملحمة أكتوبر، وسأعرض تلك الفقرات كما وردت نصًا فى الكتاب، مسبوقة أحيانًا ببعض العبارات التوضيحية، بادئًا بتلك الفقرات عن حرب الاستنزاف كمقدمة لنصر أكتوبر، ثم الفقرات التى عنونها الكتاب بـ«مصيدة الحمقى»، والتى تصف الذهول الإسرائيلى والشعور بالمرارة الشديدة من براعة خطة الخداع الاستراتيجى التى نفذتها القيادة المصرية ببراعة كسرت الغرور الإسرائيلى!
«الاستنزاف».. قصة الحرب التى أنهكت إسرائيل وقالت عنها: «هرستنا قبل أكتوبر»
يؤكد الكتاب أن «حرب الاستنزاف» هى التى فرضت على إسرائيل بعد ٦٧ استراتيجيتها الكاملة فى سيناء، وأنهم بناءً على تلك الحرب قرروا بناء ذلك الخط من التحصينات الثابتة، وبذلك فقد حددت مصر شكل الحرب المقبلة، فى حين أن إسرائيل كانت غارقة فى الإنفاق على خط بارليف.
يكشف الكتاب عن أن ما حققته هذه الحرب على الأرض أعمق من الأهداف المعروفة، مثل رفع الروح المعنوية للمصريين، وأنها على أرض الميدان الفعلية أكبر من أن تُختصر فى معارك محددة.
** وفيما يلى بعض الفقرات التى أنقلها كما وردت فى الكتاب، وتصف كيف أعاد الإسرائيليون رؤيتهم لـ«حرب الاستنزاف» بعد صدمة أكتوبر:
لقد صادف وقف إطلاق النار فى يونيو ١٩٦٧، ومدرعات الجيش الإسرائيلى موجودة على طول الضفة الشرقية لقناة السويس، باستثناء قطاع ضيق فى شمالها، حيث تفصل مستنقعات عميقة بين حواجز الرمل على طول القناة وبين مدينتى بورسعيد وبورفؤاد.
كانت تمتد وراء قوات الجيش «الإسرائيلى» صحارى سيناء، وتغيرت بحكم هذه الظروف النظرية الأساسية المتعلقة بتحريك الجيش فى حالة اندلاع حرب جديدة.
فالمساحات الشاسعة فى سيناء مثالية لحرب المدرعات، وأعطت قادة الجيش «الإسرائيلى» فكرة أنه فى حال بدء المصريين الحرب حتى دون إنذار كافٍ، كما حدث فى حرب يوم الغفران ٦ أكتوبر، سيكون بإمكان الجيش مجابهة القوات المصرية وإبادتها فى حرب دفاعية أكثر سهولة!
وبما أن هذه الحرب ستجرى بعيدًا عن التجمعات السكانية فى إسرائيل، فسوف تتوافر للجيش مهلة من الوقت ومجال للمناورة لمجابهة المشاكل العسكرية، دون أن تتأثر الجبهة الخلفية التى كانت دائمًا وأبدًا هى نقطة ضعف دولة إسرائيل زمن أى حرب، بسبب الخشية من سقوط ضحايا من السكان المدنيين.
من أجل تحقيق هذا الهدف، كان لا بد لقوات الجيش الإسرائيلى من التمركز على خط المياه، ونشب خلاف فى هيئة الأركان العامة للجيش بين ٣ وجهات نظر حول الشكل الصحيح الذى ينبغى بموجبه أن تأخذ قوات الجيش مواقعها.. وجهة نظر رئيس الأركان، وتعارضه وجهتا نظر لكنهما مختلفتان فى طرح البديل.
فمجموعة على رأسها الجنرال بارليف، رئيس الأركان العامة وقتها، كانت تؤيد التحصينات الدفاعية الثابتة، ومجموعة جنرالات على رأسها يسرائيل طال وأرئيل شارون، كانت تقف ضد مذهب «بارليف»، واعتنق فريق منها بزعامة «شارون» مذهب «السيطرة عن بُعد»، بينما رأى أصحاب المذهب الثانى بزعامة «طال» الخط المتحرك.
كانت «حرب الاستنزاف» هذه حربًا ثابتة، تُعيد إلى الأذهان فى جوانب عديدة «حرب الخنادق» خلال الحرب العالمية الأولى. ومنذ اللحظة التى اتضح فيها دون أى ريب أن المصريين لا ينوون إيقاف «حرب الاستنزاف» الثابتة، بات واجبًا على هيئة الأركان اتخاذ قرار بشأن السياسة العسكرية الواجب اتباعها.. هل يجب التأهل لشن «حرب شاملة»، أم تنظيم الجيش بما يلائم هذه الحرب «الاستنزاف» التى فرض المصريون طابعها على إسرائيل؟
لقد ظلت المبادرة كلها وطوال الوقت بيد المصريين، ورسمت هيئة الأركان الإسرائيلية خطواتها بناء على الخطوات التى أملاها المصريون، دون أن تدخل فى الحساب احتمال أن تجر «حرب الاستنزاف» حربًا من نوع آخر! لا يصح القول إن هيئة الأركان العامة الإسرائيلية تجاهلت كليًا من حساباتها هذا الاحتمال «نشوب حرب شاملة»، لكن «حرب الاستنزاف» عقدت المفاهيم وشوشتها، وبدلًا من التهيؤ لـ«حرب شاملة»، وجهت معظم الجهود والموارد الإسرائيلية لحل المشاكل التى أثارتها «حرب الاستنزاف»!
خلال «حرب الاستنزاف» التى راح ضحيتها مئات من جنود الجيش الإسرائيلى المتمركز على حافة القناة، نجمت الضرورة الملحة لتوفير حماية ملائمة للمقاتلين هناك، وهكذا ولدت خطة إقامة التحصينات لأول مرة على يد إبراهام بيرن أدان، قائد سلاح المدرعات، وبدأت بحفر ثعالب مغطاة بقضبان حديدية ومغطاة بأكياس الرمل وكتل الحجارة.
وعندما اتضح أن مصر عازمة على الاستمرار فى «حرب الاستنزاف» الثابتة بكل قوتها، وأعلن ذلك بوضوح جمال عبدالناصر، تم البدء فى تنفيذ خطة لبناء تحصينات ومواقع دفاعية بلغ عددها ٣٦ تحصينًا.
فى المرحلة الأولى للبناء أثناء «حرب الاستنزاف»، وقع القصف المركز العنيف الأول عام ١٩٦٨، ولم تستطع المواقع الصمود فى وجه المدفعية المصرية.
وعقب وقف إطلاق النار فى أغسطس ١٩٧٠، كانت التحصينات فى مواضع كثيرة مهروسة هرسًا، وكان من المستحيل الدخول إلى غالبية «الدُشم»، وفى الأشهر الثلاثة الأولى عقب وقف إطلاق النار، ومن أجل ترميم الخراب فى «خط بارليف»، تم إنفاق ما يزيد على ٣٠ مليون ليرة إسرائيلية، بينما بلغت التكلفة الإجمالية لـ«خط بارليف» ٢ مليار ليرة إسرائيلية!
فى الليلة الأولى لوقف إطلاق النار فى نهاية «حرب الاستنزاف»، استغلت مصر وقف إطلاق النار فى تحريك عدد من قواعد الصواريخ المضادة للطائرات من نوع «سام٢» و«سام٣» باتجاه الضفة الغربية للقناة.
ومنذ ذلك الوقت باشرت مصر فى إقامة حاجز كثيف من الصواريخ بالقرب من القناة، بسرعة متزايدة، غطى بمداه أيضًا مسافة ٢٠ إلى ٣٠ كم فى عمق الضفة الشرقية، ومُنع سلاح الطيران الإسرائيلى من العمل بصورة فعالة فى هذا القطاع منذ نهاية ١٩٧٠، وبشكل خاص فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣، واتضح أن سلاح الجو الإسرائيلى الذى حقق انتصار الجيش الإسرائيلى الخاطف فى ٥ يونيو ١٩٦٧، لم يكن قادرًا على صد الهجوم المصرى فى أكتوبر بسبب تراص الصواريخ المصرية!
«مصيدة الحمقى».. كيف ضللت القاهرة تل أبيب بأكبر عملية خداع فى التاريخ؟
«مصيدة الحمقى»! هذا هو العنوان الذى أطلقه مؤلفو الكتاب على أكبر حملة خداع فى التاريخ، تلك التى نفذتها مصر ضد القيادات السياسية والعسكرية والمخابراتية الإسرائيلية.. «الحمقى».
بدأت تلك الخطة بتولى الرئيس السادات حكم مصر ١٩٧٠، م وفى عام ١٩٧٢م كانت قد وصلت إلى مرحلة متقدمة، ثم وصلت ذروتها يوم الحرب ذاته.
وهذا بعض ما ورد فى الكتاب نصًا عن تلك العملية المعقدة:
إن الشعار الذى أطلقه جمال عبدالناصر: «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة» لم ينته بموته، بل تبناه حرفيًا وريثه فى الحكم أنور السادات، لكنه فى بعض الأحيان لم يعمل بهذا الشعار علنًا، وذلك لتنفيذ عملية تضليل لم يسبق لها مثيل فى التاريخ.
كان «السادات» فى السنوات الأولى من حكمه يحدد من حين إلى آخر مواعيد وتواريخ لبدء الحرب، ويضطر بعد ذلك إلى أن يوضح لشعبه سبب عدم تنفيذه جداوله الزمنية.. كانت كل خطبه المتعلقة بالحرب متشابهة، وهكذا توقف المسئولون «الإسرائيليون» بكل بساطة عن الأخذ بها بجد!
فى العام الذى أسماه أنور السادات «عام الحسم» ١٩٧١م وفى الأيام الأولى من أكتوبر، بدأت مصر مناورات للعبور وتحريك فرقة مدرعات، بمساندة سلاح الجو وبتغطية من الصواريخ، وكانت حواس القيادة الإسرائيلية ساعتها منتبهة ومحفورة فى ذاكرتها «حرب الاستنزاف» التى راح ضحيتها نحو ٤٠٠ قتيل إسرائيلى وأكثر من ألف مصاب.
ثم ألغى «السادات» فى العام نفسه ومن جانب واحد وقف إطلاق النار، واستكمل استعداده للحرب، وتلقت مصر قاذفات قنابل طراز «تو ١٦» مزودة بصواريخ جو أرض.
بعد ذلك، بدأ «السادات» اتباع أسلوب المناورات الكثيرة، لإدخال السكينة فى قلوب الإسرائيليين، فأجرى المصريون عام ١٩٧٢ سلسلة من المناورات نفذوها حرفيًا تحت أعين الإسرائيليين، وعرضها التليفزيون الإسرائيلى.
فى ٢٥ مارس ١٩٧٢، شكل «السادات» حكومة مصرية جديدة، وجاء فى التصريحات الرسمية أن مهمة هذه الحكومة هى «إعداد مصر للحرب»، وفى اليوم ذاته نشرت صحيفة «الأخبار» المصرية مقالًا افتتاحيًا جاء فيه «إننا نسير نحو معارك كبرى مع إسرائيل».
ونجح المصريون فى إطار «عملية الخداع» فى نهايات سبتمبر ١٩٧٣، عندما لوحظت مرة أخرى تحركات للجيش المصرى فى إقناع إسرائيل بأن القصد هو «مناورة».. حيث حركت مصر الفرق المصرية الخمس التى كانت على الخط الأول لإجراء «المناورة»، وهى التى عبرت.
نشر المصريون أخبارًا علنية رسمية أن المناورة باسم «صلاح الدين»، القائد العربى الذى هزم الصليبيين، وهكذا- للمرة الأولى- لم يوضع الجيش الإسرائيلى فى حالة التأهب القصوى!
وأجرى «السادات» مقابلة مع مجلة «نيوزويك» فى أبريل ١٩٧٣، أعلن فيها عن أنه ينوى تنفيذ «عمل محدود» ضد إسرائيل.. والحقيقة أنه كلما كان «السادات» يكثر من تهديداته بشن الحرب، سواء شخصيًا أو عن طريق جهات أخرى، كان يضعف استعداد إسرائيل للنظر بجد فى أقواله، وبينما كان «السادات» يحاول باستمرار «تسخين الجو» فى الشرق الأوسط، كان رد الفعل الإسرائيلى الدائم: «هذا غير جاد».
ورأت الجهات المسئولة «الإسرائيلية» فى المعلومات العلنية والسرية محاولة مصرية للضغط على إسرائيل، عبر التهديد بشن الحرب، وجزم الآباء الروحانيون بزعامة وزير الدفاع أن مصر لن تنوى المبادرة إلى حرب واسعة، وربما يحاول المصريون عبور قناة السويس فى نقطة معينة بهدف إقامة رأس جسر مؤقت على أرض سيناء.
وبعد الحرب، كشف الفريق أول إسماعيل على، وزير الحربية المصرى آنذاك، عن طرق التضليل التى اتبعها المصريون فى تلك الفترة، وتتضمن:
سرّب «إسماعيل» إلى صحيفة «الأهرام» أن ضباطًا وجنودًا مصريين ينوون السفر إلى مكة فى نهاية شهر رمضان.
ونشر أن وزير الدفاع الرومانى سيزور القاهرة ٨ أكتوبر.
وقال إن التكتم وصل لدرجة أن الموعد المقرر لبدء القتال لم يكن مطلعًا عليه بعد تحديده الأول سوى شخصين، فقط الرئيس «السادات» وهو شخصيًا.
فى الساعة ٨ من صباح السبت ٦ أكتوبر ١٩٧٣م وصلت تقارير لرجال الاستطلاع فى التحصينات «تحصينات بارليف» أن الرعاة المصريين وقطعانهم يشاهدَون من خلف القناة.. وأن الفلاحين يزرعون حقولهم، وأن الجنود المصريين يتجولون على ضفة القناة وهم عزّل من السلاح، وبعضهم منهمك فى الغسيل أو الصيد!
كان هناك وضع غريب.. ففى اللحظة التى بدأ فيها القتال كان جنود مصريون يقفزون فوق الحاجز فى الجانب الغربى، ويتجولون هناك وكأنهم لا يعرفون بما يحدث!
ويوم السبت، كرر مذيع إذاعة «القاهرة» تلك الشفرة البسيطة مرتين: «الساعة الآن الثانية وخمس دقائق!».
الجيش الإسرائيلى خسر قتلى وجرحى فى أول يومين أكثر مما خسره فى كل حروبه
تسريب الأخبار المزيفة إلى الصحف فى لغة الاستخبارات أمر مألوف ومعروف، وكثيرًا ما يجهل الصحفيون أن المادة المسربة إليهم من خبراء أو مصادر سرية هى مادة ملفقة وموجهة، وقد اعترف أحمد إسماعيل بأنه مطلع على هذه النظرية واستخدمها جيدًا. إن أشخاصًا ساذجين هم فقط من يصدقون أنه بالإمكان الإيقاع بجهاز استخبارات متطور وفعال مثل الجهاز الإسرائيلى عن طريق أخبار كاذبة منشورة فى الصحافة، لكن المثابرة على استخدام هذا الأسلوب فترة طويلة تخلق ترسبات لا واعية فى عقل الجهاز، وهو نمط من «غسل الدماغ» الذى سقط فيه جهاز الاستخبارات الإسرائيلى.
بعد توقف القتال قال اللواء سعدالدين الشاذلى فى مقابلة صحفية: «لم يخطر على بالى مطلقًا أنه يمكن تضليل العدو إلى هذا الحد!». وبنظرة إلى الخلف يصعب إدراك كيف أمكن أن تقع القيادات العسكرية والسياسية فى إسرائيل فى «مصيدة الحمقى» التى نصبت لها!
نشرت وكالة أنباء «يونايتد برس» فى ديسمبر ١٩٧٢ خبرًا، جاء فيه: «ذكر فى تقرير سرى أعده سلاح الجو المصرى أن ٤٠٪ فقط من السلاح و٦٠٪ فقط من الطائرات المصرية فى حالة صالحة، وعليه فقد فسر خبراؤنا أن العوامل الأساسية المسئولة عن ذلك هى الصيانة السيئة ونقص قطع الغيار الروسية، وأن مصر قد فقدت ٥٠ طائرة مقاتلة فى التدريبات، وبما أن مصر كانت تمتلك قبل حرب الاستنزاف ٥٢٣ طائرة، يصبح فى حوزتها الآن من ٤٥٠ إلى ٤٠٠ طائرة، منها ٣٠٠ طائرة فقط صالحة للقتال».
كتب مراسل «التايمز» فى القاهرة يوم ١٦ ديسمبر ١٩٧٢ أن «الجيش المصرى ليس مهيأً للقتال».
كتب مراسل جريدة «لاستامبا» الإيطالية فى القاهرة يناير ١٩٧٣ أن «الفساد متفشٍ، وفى حوزة الجيش المصرى ذخيرة لأسبوع واحد فقط، وأن مصادر مصرية تعترف صراحة بأن مصر تعانى من نقص فى البنزين وقطع الغيار، وهناك طيار واحد فقط لكل طائرتين، وتجثم الطائرات الحديثة الأسرع من الصوت كأحجار لا تجد من يقلبها!».
فى نوفمبر ١٩٧٢، اقتربت طائرتان نفاثتان إسرائيليتان إلى مسافة ٥٠ كم من القاهرة، دون أن ينجح المصريون فى إطلاق صواريخ تجاهها، ثم أُطلق صاروخ بعد أن استدارت الطائرتان وعادتا! فى أبريل ١٩٧٣، كتبت الصحيفة الفرنسية «إكسبريس»: «تختبر إسرائيل الدفاع الجوى المصرى دون انقطاع. النتائج التى توصل إليها الخبراء العسكريون أن مصر تشبه كيسًا فارغًا.. فأجهزة الرادار فيه شبه عمياء.. ردود أفعالها بطيئة!».
لقد كانت الخدعة كاملة، إلى حد أنه حتى فى يوم ٦ أكتوبر نفسه، عندما صدرت الأوامر العاجلة بالتأهب، لم تكن جولدا مائير ودايان ورئيس الأركان قد آمنوا بعد بأن «حربًا شاملة» تقترب حقًا!
فى يوم الجمعة ٥ أكتوبر ١٩٧٣، اكتملت حلقة الخداع المصرى، فقد اجتمع فى هذا اليوم هنرى كسنجر، وزير الخارجية الأمريكى، بمحمد الزيات، مستشار الرئيس أنور السادات، الذى أتقن دوره فى عملية التضليل، فجاء الحديث هادئًا تناول مبادرة السلام، التى كان «كيسنجر» يزعم القيام بها بعد الانتخابات الإسرائيلية التى كان مزمعًا إقامتها ٢٩ أكتوبر!
حاول المسئولون عن الأمن فى إسرائيل، بعد أن سقطوا فى «مصيدة الحمقى» بفعل الخداع المصرى، أن يشرحوا للشعب أنه لم يكن بوسعهم السماح لأنفسهم بتعبئة الجيش، كلما أجرى المصريون مناورة ضخمة، بسبب الأضرار التى ستلحق بالاقتصاد الإسرائيلى!
كل هذا بخلاف الدم، فقد كانت خسائر إسرائيل من القتلى والجرحى هى الأكبر فى تاريخها، وفى أول يومين فقط فى الحرب فاقت خسائرها من القتلى والجرحى ما خسرته فى حروبها مجتمعة!