ملك تحت الإقامة الجبرية!
هذا ما زعمته، أو ادّعته، صحف ووسائل إعلام بريطانية، أولّها جريدة الـ«صنداى تايمز»، التى قالت إن ليز تراس، رئيسة الوزراء، «أمرت» الملك تشارلز الثالث بعدم حضور قمة المناخ، أو الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، كوب ٢٧، التى تستضيفها مدينة شرم الشيخ الشهر المقبل. وكان ردّ القصر الملكى، قصر باكنجهام، هو أن «تراس» نصحت الملك، بعد أن طلب هو النصيحة، وأن الاتفاق على عدم حضور القمة جرى «بصداقة واحترام متبادلين»!
الملك، الذى اعتلى العرش بعد وفاة والدته إليزابيث الثانية، الشهر الماضى، كان يبدى اهتمامًا بقضايا البيئة، وكثيرًا ما شدّد على ضرورة الحفاظ على توازن كوكب الأرض، وأكد خطورة التغيرات المناخية على الكوكب والعالم وحياة البشر. كما كان يحرص على حضور قمم المناخ السابقة. ومنذ أسابيع تابع، فى اتصال تليفونى، مع سامح شكرى، وزير الخارجية، الرئيس المعين لقمة المناخ المقبلة، تحضيرات القمة. وقال شكرى إن مصر تتطلع للعمل مع تشارلز فى حشد الدعم للمبادرات المختلفة، التى سيتم إطلاقها خلال القمة.
كنا قد اعتقدنا، فى مقال سابق، أن الأمطار الغزيرة والعواصف القوية، التى صاحبت تعيين «تراس»، رئيسة للحكومة، تعكس الوضع الاقتصادى القاتم، الذى تعيشه بريطانيا، لكن يبدو أنها كانت تعكس، أيضًا، غضب الطبيعة على تلك التى تقدمت حكومتها، الأسبوع الماضى، بمشروع قانون، لتعديل، أو إلغاء، أو نسف، كل قوانين حماية البيئة الموروثة عن الاتحاد الأوروبى، بحلول نهاية العام المقبل. وربما كان غضب الطبيعة، أيضًا، على الملك الجديد، الذى قرّر، فور جلوسه على العرش، أن يتخلى عنها، وعن جهود حمايتها من عبث البشر، وعن أدوار عديدة كان يلعبها فى قضايا مهمة، بزعم أنه لم يعد من الممكن إعطاء الكثير من وقته وطاقاته للجمعيات الخيرية والقضايا، التى كان يبدى اهتمامًا بها!
دعك، إذن، من تبرير، أو ادعاء، أن رئيسة الحكومة رأت أن قمة المناخ، ليست الحدث المناسب، لتكون أول زيارة خارجية للملك. فالثابت، أو ما بات فى حكم المؤكد، هو أن خطط «تراس» الاقتصادية، التى قوبلت بانتقادات عنيفة، لن تحقق إلا بتراجعها عن التزاماتها المناخية. كما أن حكومتها، التى تشكلت مؤخرًا، ضمت وزراء أطلقوا تصريحات واضحة، أعربوا فيها عن شكوكهم بشأن قدرة بلادهم على تحقيق الحياد الكربونى أو الوصول إلى هدف «الصفر»، بحلول ٢٠٥٠، أو باقى التعهدات المنصوص عليه فى اتفاقية باريس، ثم كان مشروع قانون تعديل، إلغاء أو نسف قوانين حماية البيئة هو «الشومة»، التى قصمت ظهر البعير.
فى هذه الأجواء القاتمة، عقد المحافظون مؤتمرهم السنوى، أمس الإثنين، وهم مفككون، فى غياب ريشى سوناك، منافسها على رئاسة الحزب، وبوريس جونسون، رئيس الحزب والوزراء السابق، واضطرت «تراس» إلى مواجهة حزبها، الذى يتصاعد فيه الغضب والندم على عهد جونسون والملكة الراحلة، شأنهم فى ذلك شأن باقى البريطانيين الذين أظهر استطلاع للرأى، الجمعة الماضى، أن أكثر من نصفهم يرون أن «تراس» يجب أن تستقيل. ونعتقد أن نسبة الغاضبين والنادمين، ستتزايد بعد ظهورها على شاشة «بى بى سى»، وزعمها أن خططها ستعيد النمو الاقتصادى إلى بريطانيا، التى تواجه انكماشًا وشيكًا وتضخمًا غير مسبوق منذ عقود. وهو الزعم، الذى بدّده، على شاشة القناة نفسها، مايكل جوف، عضو مجلس العموم عن حزب المحافظين، الذى كان وزيرًا للبيئة فى حكومة تريزا ماى، ووزيرًا للإسكان فى حكومة جونسون.
.. وتبقى الإشارة إلى أن ملكة بريطانيا الراحلة، التى هى أم الملك الحالى، غابت أيضًا، عن قمة المناخ السابقة، كوب ٢٦، التى استضافتها مدينة جلاسكو الأسكتلندية، والتى وصفها تشارلز، ولى العهد وقتها، بأنها «الفرصة الأخيرة» لإنقاذ العالم. وقيل إن غيابها كان بناءً على نصيحة الأطباء، فى حين كان السبب الذى رأيناه الأنسب، أو الأقرب، هو أنها أرادت أن تغسل يديها من مسئولية بلادها عن غياب القرارات الملزمة، وخطط العمل الواضحة، التى ننتظر، أو نتوقع، ألا تغيب عن القمة المقبلة.