«كيف تنجو الأمم وتزدهر».. كتاب يرصد قصص النجاح وسبل الإصلاح
يُجابه العالم أجمع في العقود الأخيرة مشكلات شتى وتحديات جمة تجعل مختلف البلدان في مأزق قد ينتهي بها إن لم تحسن التعاطي معه إلى هلاك محقق، ومن ثم، فإن دراسة جادة لما يعتري العالم من مشكلات وبحث سُبل الخروج منها يصير ذا أهمية كبرى في الوقت الراهن.
من هذا المنظور، يكتسب كتاب "الإصلاح.. كيف تنجو الأمم وتزدهر في عالم يتداعى" لمؤلفه جوناثان تيبيرمان، والصادر بترجمة عربية أخيرًا عن سلسلة عالم المعرفة، أهميته.
يرى الكاتب أننا نعيش في عصر يتداعى بشكل غير مسبوق؛ بسبب عدد من المشكلات تسم الحقبة الحالية عالميًا، ويُفصل المشكلات التي تعتري العالم في الوقت الراهن وهي: اللا مساواة، والهجرة، والتطرف، والحروب الأهلية، والفساد، ولعنة الموارد، وأزمات الطاقة، والدخل المتوسط، والعراقيل السياسية، ثم يشرع في تبيان قصص نجاح مجموعة من الدول على مستوى العالم، وهي البرازيل وكندا وإندونيسيا ورواندا وسنغافورة وبوتسوانا وكوريا الجنوبية والمكسيك والولايات المتحدة، في تغلبها على هذه المشكلات والتحديات التي واجهتها في سبيل ذلك.
مشكلة اللا مساواة
يشير الكاتب إلى أن مشكلة اللا مساواة ناتج ثانوي لا مفر منه للرأسمالية، وبالنسبة للعالم النامي فكثير من محاولات التصدي للمشكلة يأتي بنتائج عكسية ما يؤدي إلى التراجع وعدم وجود تحسُن يعمل على استمرار اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء ما يجعل الغضب يتأجج في جميع أنحاء العالم.
في هذا الصدد، يروي قصة نجاح البرازيل في محاربة اللا مساواة على مدار السنوات الماضية والتحول من بلد يرزح ثلث سكانه تحت خط الفقر الدولي إلى التغير ببطء بفضل إصلاحات قائدها الذي تبنى استراتيجية للموازنة بين التودد لرجال المال ورعاية استثماراتهم، وإطلاق حملة رعاية اجتماعية وصندوق أسرة يقدم أموالًا لدعم الفقراء، مع اشتراط التحاق الأطفال بالتعليم في المقابل، ما أدى إلى تقليل عمالة الأطفال، وبالتالي تقليص انتقال الفقر إلى الأجيال التالية.
قضية الهجرة
ينتقل الكتاب لمناقشة مشكلة أخرى هي الهجرة، التي اشتدت حدتها في السنوات الأخيرة، ففي 2015 أصبح تدفق اللاجئين الفارين من الفقر والفوضى في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى أوروبا أكبر هجرة جماعية منذ الحرب العالمية الثانية، واتجه معظم المهاجرين إلى أوروبا، وهو ما تسبب في توترات معاداة المهاجرين.
ويسوق الكاتب تجربة كندا في احتواء اللاجئين باعتبارها نموذجًا في التعامل مع تلك الأزمة، من خلال تأكيدها على التعددية الثقافية هوية لكندا، ونجاح القيادة في تدشين سياسات حكومية مصممة لإقناع الكنديين بأن الهجرة ضرورة ومصدر أساسي لهوية الأمة ونجاحها، وهو ما أدى إلى تجنب ردود الفعل المعادية للمهاجرين.
حاضنة التطرف
بعد الثورات العربية، ازدادت حدة أزمة التطرف بالعالم، بعد أن أصبحت سوريا وشمال العراق حاضنة قوية للإرهابيين المحتملين من جميع أنحاء العالم، فضلًا عن انقسام تنظيم القاعدة المركزي مما سمح للكوادر المستقلة ذاتيًا بتولي القضية.
يقول الكاتب: "على الرغم من أن الإسلام الراديكالي كأيدولوجيا عانى نكسة خلال الأشهر الأولى من الربيع العربي، عندما بدأت الثورات الشعبية السلمية توفر بديلًا غير دموي للجماعات المتطرفة وللأنظمة القمعية في العالم الإسلامي فإن ردود الفعل السلطوية المستبدة التي أعقبتها والتي دعمها الغرب ضمنًا أو غض بصره عنها فقط ألهمت جيلًا جديدًا كاملًا من الجهاديين العنيفين".
في هذا الصدد، يسترجع الكاتب تجربة إندونيسيا في التعامل مع المتطرفين الإسلاميين ومجابهة التطرف عن طريق إفساد الدعم الانتخابي للمتطرفين ودعوة الأحزاب الإسلامية إلى الائتلاف الحاكم كي يشنقوا أنفسهم بأنفسهم وملاحقة الإرهابيين الإسلاميين بلا هوادة.
الحروب الأهلية
طال التفكك بلدانا عدة جراء الحروب الأهلية، فبعد أن غادرت القوات الأمريكية العراق، تفككت البلد وتعززت الانقسامات الطائفية، وكذلك فقد قسمت الحرب الأهلية سوريا إلى ثلاث دويلات، واكتظت أفغانستان بصراعات عرقية وطائفية، فضلًا عن حضور المشكلة ذاتها في جمهورية أفريقيا الوسطى أو جمهورية الكونغو الديمقراطية أو كوت ديفوار أو مالي أو جنوب السودان.
في السياق، يورد الكتاب تجربة رواندا في التغلب على الصراعات العنصرية من خلال إعادة الهندسة الاجتماعية لإزالة الحواجز العنصرية، واعتماد الحلول المحلية لمشكلاتها المحلية، وتأسيس دولة لا تقوم على التمييز العرقي من خلال حظر الطائفية وإزالة كل ما يشير إلى القبيلة في الهوية الشخصية، وإعادة رسم خارطة رواندا الإدارية بخلط المناطق المرتبطة تقليديًا بمجموعة أو أخرى.
مرض الفساد
يقول الكاتب: "غالبًا ما يفكر الغربيون في الفساد كأحد أمراض البلدان الفقيرة، وهو نتاج اليأس والحكام منعدمي الضمير والتعليم البدائي والافتقار إلى القيم المشتركة، الحقيقة أن الفساد مرض يصيب الأمم الغنية والفقيرة على حد سواء، الفساد يؤدي إلى إفقار الأفراد والمجتمعات على حد سواء ويقوض أركان الحكم ويهدم ثقة المواطنين بقادتهم".
ويورد الكاتب تجربة سنغافورة التي نجحت في القضاء على الفساد تمامًا مقارنة بأي دولة أخرى عبر إنشاء مكتب مكافحة الفساد، وتفعيل قانون منع الفساد الذي عرّف الفساد على نطاق واسع بأنه إعطاء أي شيء ذي قيمة في مقابل أي نوع من الاستفادة من الحكومة.
الموارد والطاقة
رغم ما هو متوقع من اكتشافات جديدة للنفط والغاز بأنحاء مختلفة من العالم، وما يعد به ذلك من تحولات اقتصادية كبيرة، فإن ذلك الأمل مهدد بسوء استغلال الثروات بشكل يطلق عليه الاقتصاديون "لعنة الموارد"، فعدد الدول التي تمكنت من إدارة هذه الأرباح جيدًا أو بشكل كاف قليل للغاية بسبب ما تنتجه ثروة الموارد الطبيعية من فساد واستبداد، وتأتي بوتسوانا واحدة من هذه الدول بنجاحها في التغلب على لعنة الموارد بعد العثور على أغنى رواسب الماس في العالم، كما يورد الكاتب تجربة الولايات المتحدة في استغلال ثورة الصخر النفطي.
ينطلق الكاتب في مؤلفه من فرضية أن فهم المشكلات خطوة أولى تقود إلى الحل، وأنه على الرغم من اختلاف تفاصيل المشكلات التي تعصف بالعالم حاليًا، فإنها تشترك في سبب أساسي هو فشل السياسيين في القيادة، ورغم أن التجارب الناجحة التي يُفصّلها الكتاب لا تصلح للاستنساخ فإنها تهب الفرصة لتأمل في إمكانات الخروج من المآزق وإن اختلفت المُعطيات.