الرئيس البرازيلى الأسبق لولا دا سيلفا يقترب من العودة إلى القصر الرئاسى
منذ ثلاث سنوات فقط كان الرئيس البرازيلي الأسبق، لويس إجناسيو لولا دا سيلفا، نزيلا في أحد سجون البرازيل بتهمة الفساد، والآن يقترب الرجل من العودة إلى حكم البلاد التي حكمها في الفترة من 2003 إلى 2010، والتي واجه بعدها اتهامات بالفساد انتهت بالحكم عليه بالسجن لمدة 12 عاما، حتى بدا ساعتها أن حياته السياسية انتهت.
لكن استطلاعات الرأي العام والمؤشرات تقول إن الرجل يقترب من الفوز بانتخابات الرئاسة المقررة يوم الأحد المقبل، حتى إنه لم يعد السؤال هو: هل سيهزم لولا دا سيلفا الرئيس الحالي اليميني المتطرف جاير بولسونارو؟، وإنما: هل سيحدث هذا من الجولة الأولى أم سيحتاج لجولة إعادة؟.
وتقول أحدث استطلاعات الرأي إن لولا سيحصل على 45% من أصوات الناخبين، مقابل 35% سيحصل عليها بولسونارو، وهو ما يجعل المرشح اليساري قريبا من حسم السباق من الجولة الأولى من الانتخابات، والتي يحتاج فيها إلى الحصول على نصف عدد أصوات الناخبين زائد صوت واحد. وإذا لم يحصل أي مرشح على هذه النسبة ستجري جولة إعادة بين المرشحين الاثنين أصحاب أعلى الأصوات يوم 30 أكتوبر المقبل.
وسيكون فوز «لولا»، الذي أطلق سراحه من السجن عام 2019 عندما ألغى القضاء حكم السجن السابق الصادر ضده لأن القاضي الذي أصدره كان متحيزا، واحدا من أبرز التحولات السياسية في الذاكرة الحديثة.
كما سيكون فوز لولا دا سيلفا بالانتخابات الرئاسية المقبلة دليلا ليس فقط على مدى جاذبية وشعبية هذا الرجل الذي وصفه الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، في وقت ما بأنه "الشخص الأكثر شعبية في العالم"، وإنما أيضا سيكون دليلا على تزايد المخاوف من اتساع التفاوت بين الطبقات الاجتماعية، والذي فجّر موجة صعود جديدة لليسار في مختلف دول أمريكا اللاتينية خلال السنوات الأخيرة.
ويقول محللون إن هيمنة «لولا» على استطلاعات الرأي الأخيرة ترتبط بدرجة كبيرة بما فعله الرئيس الحالي بولسونارو الذي يتحدث بغطرسة، والمتهم بالفساد وبالمسئولية عن فشل البرازيل في التعامل مع جائحة فيروس كورونا المستجد قبل عامين.
وفي الوقت نفسه نجح «لولا» في الاستفادة ببراعة من حنين البرازيليين إلى سنوات حكمه التي كانت الأكثر ازدهارا بالنسبة للبرازيل، التي أصبحت تمتلك سابع أكبر اقتصاد في العالم بعد أن كانت في المركز الثالث عشر قبل وصوله إلى السلطة.
ويقول «لولا»، في حملته الانتخابية، إن المواطن البرازيلي العادي كان يستطيع شراء اللحم البقري في سنوات حكمه السابقة.
يقول مارسيلو فرانكا، الكاتب البرازيلي البالغ من العمر 62 عاما: "عشنا بالفعل سنوات سعيدة.. الشعب يحن إلى هذه الأيام".
في الوقت نفسه يتفق الجميع على أن «لولا» سيواجه في حالة فوزه بالرئاسة صعوبات جمة لتكرار نجاحه السابق بسبب التحولات الجذرية السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.
ففي فترتي حكم «لولا» السابقتين جاء نمو الاقتصاد البرازيلي مدفوعا بالطلب العالمي القوي على السلع البرازيلية، مثل فول الصويا والنفط الخام، إلى جانب اكتشاف كميات كبيرة من النفط في البلاد.
لكن البرازيل اليوم مثل غيرها من دول العالم تحاول تجاوز التدعيات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا، في الوقت الذي تحارب فيه التضخم الذي وصل لأكثر من 10% وارتفاع أسعار الوقود.
يقول بريان وينتر، نائب رئيس قسم السياسات في مجلس الأمريكتين، إن "العالم اليوم أكثر تعقيدا.. لم تعد الرئاسة اليوم ممتعة كما كان عليه الحال خلال العقد الأول من الألفية الثالثة".
كما أن «لولا» سيكون مطالبا في حال فوزه بحكم أمة لم تكن منقسمة في يوم من الأيام كما هي منقسمة الآن.
فمنذ اتهامه بالفساد ومحاسبة خليفته المختارة لرئاسة البرازيل ديلما روسيف، تعمقت حالة الاستقطاب في البرازيل، حيث يتهم اليسار اليمين بالتلاعب بنظام العدالة، ويتهم أنصار بولسونارو «لولا» بأنه لص يحاول سرقة الانتخابات.
وكان التوتر واضحا تماما في التجمع الانتخابي الذي تحدث أمامه «لولا» في مدينة نوفا إجواكو قبل أيام، حيث تم تفتيش جميع الحاضرين خوفا من وجود أسلحة، كما ارتدى «لولا» نفسه السترة الواقية من الرصاص.
وعندما تحدث الرجل، البالغ من العمر 76 عاما، كانت نبرة صوته الأجش الشهير أكثر روعة منذ علاجه من سرطان الحلق في 2011. واندفع الرجل ينتقد الطبيعة العنصرية والطبقية لمنافسه بولسونارو، وقال: "الشعب لا يختار الفقر.. نحن نريد أن نعمل وأن نأكل جيدا، ونريد أن يحصل أطفالنا على ملابس جيدة وأحذية جيدة ويأكلون ثلاث وجبات يوميا".
ورغم ذلك فإن لولا دا سيلفا لن يصطدم فقط في حال فوزه بالرئاسة بخصومه المباشرين من معسكر اليمين، وإنما سيصطدم أيضا بقطاع من معسكر اليسار الذي ينتمي إليه.
وتقول السياسية اليسارية رافائيلا ألبيرجاريا، التي أصبحت أول شخص في أسرتها يذهب إلى المدرسة الثانوية بفضل سياسات «لولا» في فترتي حكمه السابقتين" "أنا تجسيد لسياسات لولا".
وقد أصبحت ألبيرجاريا ناشطة سياسية ومرشحة لبرلمان إحدى الولايات البرازيلية ممثلة لحزب العمال الذي يتزعمه «لولا»، لكنها تقول: "نحن لا نريد فقط لولا، نحن نريد المزيد"، في إشارة إلى رغبة قطاع من معسكر اليسار في تنفيذ إجراءات جذرية في قضايا، مثل عدم المساواة بين الجنسين ووحشية الشرطة ومكافحة التغير المناخي، بما قد يتجاوز قدرة الرئيس المنتظر لولا دا سيلفا.