حكاية جمعية «الفيروزيين» ولماذا منعت أغانى لجارة القمر؟
حمل العدد 97 من مجلة الكواكب، والصادر بتاريخ 9 يونيو 1953، من أرشيف نواف سليم، مقال بعنوان “مطربة تهاب المجد”، وفيه يكشف مراسل الكواكب في بيروت سليم اللوزي، عن جمعية تسمي “الفيروزيين”، أسسها الصحفي اللبناني ورئيس تحرير مجلة “الصياد” اللبنانية سعيد فريحة.
وعن أهداف جمعية "الفيروزيين" يقول “اللوزي”: تهدف هذه الجمعية إلي الإشراف علي صوت فيروز وتسديد خطواتها، ثم منعها من إكثار الأغاني التجارية. ولنرجع إلي فيروز نفسها. إن اسمها الحقيقي "نهاد حداد" ولكن الملحن والطرب المعروف الأستاذ "حليم الرومي" قال لها: "لازم تغيري اسمك في الحال". فامتثلت لقوله وأصبح اسمها "فيروز".
ــ فيروز تغسل الصحون في مطبخها
ويلفت “اللوزي” إلي أن: "والمعروف عن "فيروز" أنها كثيرة الخجل، حتي أنها لم تظهر علي المسرح مرة إلا تخلخلت ركبتاها، واستدعى الطبيب لإسعافها من الإغماءات الذي تحدث لها دائما. ولذلك امتنعت أخيرا عن الظهور فوق المسرح رغم سخاء العرض الذي تقدم لها .
وعن منزل “فيروز” يضيف “اللوزي”: أنه يقع في حي "زقاق البلاط" بيروت ــ وهو حي الطبقة العاملة في العاصمة اللبنانية ــ فلتدق الباب، ولا تنتظر أن تفتح لك خادمة، فهذا البيت من أتباع الفلسفة القائلة "سيد القوم خادمهم". إن والدها قد ذهب إلي عمله في إحدي المطابع والساعة الآن التاسعة صباحا، والأولاد الصغار الأربعة أشقاء المطربة قد ذهبوا إلي المدرسة، أما المطربة فسيقع نظرك عليها بعد فتح الباب مباشرة، إنها في المطبخ تغسل الصحون.
ــ سر خوف فيروز من آلات التصوير
ويضيف “اللوزي” عن كواليس زيارته إلي منزل فيروز: إن المطربة قد أندهشت من زيارة عدسة "الكواكب" لها، فهي لم تعتد أضواء الصحافة، وتخاف آلات التصوير كما تخاف الظهور علي المسرح . وتحدثنا عن الخوف وهي تخلع "سترة" المطبخ، ثم تحمل كتبها متجهة إلي الحديقة العامة. إنها تقول: "عندما أقف أمام الناس، أشعر كأن عيونهم قد تحولت إلي سياط موجهة إلي، فيهزني خوف غريب يجعلني أقرب إلي المرضي مني إلي الأصحاء الأقوياء.
وتضحك فيروز ــ ونادرا ما تضحك ــ ثم تقول: "عندما يكبر الإنسان يكبر عقله، إلا "أنا" فكلما كبرت صغر عقلي وتملكني الخوف سنة بعد سنة".
ونسألها عن أمنياتها، فتكست لحظة ثم تقول: "هل تريد الصدق؟ إنني أغني لأني في حاجة إلي الغناء، وأعز أمنياتي هي أن أجد ابن الحلال فأتزوجه وأعتزل الغناء".
وقلنا لها: "لماذا لا تحاولين الظهور في السينما؟" وأجابت: "إذا كنت أخاف أن أظهر علي المسرح، فما بالك بالسينما؟". ونزداد عجبا وحيرة، ثم نتذكر قول ملحنها الأستاذ عاصي رحباني من أنها "نص خوتة".
ــ هكذا تقضي فيروز يومها
وعن برنامج وروتين “فيروز” اليومي يتابع “اللوزي”: تعال معها يوم الأربعاء في كل أسبوع، إنها تترك جميع مشاغلها لتذهب إلي مؤسسة "صغار العمال اللبنانيين"، التي يديرها أنطون قرطباوي، ويتعلم فيها الصغار العلم والفن الصناعي مجانا لوجه الله واليتيم الفقير.
إنها تحب كثيرا هؤلاء الصغار فتذهب إليهم في الضاحية البعيدة من بيروت، هي وملحنها الأستاذ رحباني، وتقضي معهم ساعات لذيذة في ضحك ومرح وغناء أناشيد وطنية.
وقبل أن تدخل إلي هذه المؤسسة، فلا بد أن تذهب إلي الكنسية الصغيرة هناك حيث تركع أمام صورة العذراء، تصلي وتبتهل إلي الله أن يغفر لها ذنوبا لم تقترفها.
أما في الأيام العادية، فلا بد أن تذهب كل يوم إلي محطة الإذاعة اللبنانية وأستديوهات الشرق الأدنى لتتلقى أنغام الألحان التي تفصل لصوتها باستمرار.
ولا تكاد البروفات والتسجيلات تنتهي وتصبح "فيروز" حرة، حتي تأخذ درج السلم يسرعة كأنها تلميذة صغيرة، وإلي البيت رأسا.
هذه صورة يومية سريعة لهذه المطربة الصغيرة السن الكبيرة الاسم. فهل تعتقد أنها فتاة ممتازة أم "نص خوتة" كما يقول ملحنها؟ هذا هو السؤال كما يقول "شكسبير.