مبادرة لابيد.. هل يُحيى رئيس الوزراء الإسرائيلى السلام مع الفلسطينيين؟
مساء الإثنين الماضى، سافر رئيس الوزراء الإسرائيلى يائير لابيد، على رأس وفد رسمى، إلى نيويورك، للمشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وألقى كلمته، الخميس، تناول فيها الاتفاق النووى الإيرانى وعملية السلام مع الفلسطينيين، كما عقد، على هامش الاجتماع، لقاءات رسمية مع عدد من قادة دول العالم.
وتحظى هذه الرحلة الرسمية بأهمية قصوى لـ«لابيد»، الذى يسعى إلى ترسيخ مكانته الدولية، وتسجيل نقاط قوة لدى الرأى العام الإسرائيلى، قبل موعد انتخابات الكنيست المقبلة، المقرر إجراؤها فى نوفمبر المقبل، لذا يعتبرها كثير من المراقبين جزءًا من الحملة الانتخابية ويهتمون بمتابعة أدق تفاصيلها للتعرف على أجندة رئيس الوزراء وتحركاته على الساحة الدولية.
أعلن أمام الأمم المتحدة تأييد حل الدولتين.. ووصف الشعب الفلسطينى بـ«أقرب الجيران»
وصل رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى نيويورك بصحبة وفد ضم عددًا من كبار المسئولين السياسيين والعسكريين والأمنيين فى إسرائيل، من بينهم مستشار الأمن القومى، إيال حولتا، والمدير العام لوزارة الخارجية ألون أوشبيز، بالإضافة إلى عدد من المسئولين الدبلوماسيين، من بينهم السفير الإسرائيلى لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان، والقنصل الإسرائيلى إيساف زامير.
وفى خطابه أمام الأمم المتحدة، ركز «لابيد» على الملف الإيرانى ومعارضة إسرائيل لاستئناف محادثات الاتفاق النووى مع طهران، وأعرب عن معارضته العودة المقترحة لاتفاق عام ٢٠١٥، الذى تعتبره إسرائيل غير فعال، بالإضافة إلى الحديث عن عملية السلام مع الفلسطينيين وحل الدولتين.
واهتم الإعلام الإسرائيلى بكلمة «لابيد» أمام الأمم المتحدة، خاصة أنها تأتى قبل فترة قصيرة من انتخابات نوفمبر، وفى وقت يسعى فيه رئيس الوزراء إلى ترسيخ مكانته الدولية وتسجيل نقاط قوة أمام الرأى العام، فى الوقت الذى تظهر فيه استطلاعات الرأى الأخيرة أن بإمكان «نتنياهو» الحصول على ٦١ مقعدًا فى انتخابات الكنيست المقبلة، وتشكيل حكومة يمينية.
وسببت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى ضجة كبيرة، عندما تحدث عن عملية السلام، وقال إنه ومعظم الإسرائيليين «يؤيدون حل الدولتين، شرط ألا يكون مصدرًا لتهديد إسرائيل»، وأضاف: «نسعى لتحقيق السلام مع الفلسطينيين بما يضمن أمن إسرائيل».
وأوضح «رغم كل العوائق، لا تزال أغلبية كبيرة من الإسرائيليين اليوم تؤيد رؤية حل الدولتين. وأنا واحد منهم».
وأكد «لابيد» فى كلمته أن «القوة الاقتصادية والعسكرية تسمح لإسرائيل بحماية نفسها، ولكنها تتيح لها أيضًا شيئًا آخر، هو السعى من أجل السلام مع العالم العربى بأسره، ومع أقرب جيراننا- الفلسطينيين»، وتابع: «الاتفاق مع الفلسطينيين، على أساس دولتين لشعبين، هو الشىء الصحيح لأمن إسرائيل واقتصادها ومستقبل أطفالنا».
وقال: «السلام ليس حلًا وسطًا، إنه القرار الأكثر شجاعة الذى يمكننا اتخاذه، السلام ليس ضعفًا، إنه يجسد فى داخله القوة الكاملة للروح البشرية، والحرب هى الاستسلام لكل ما هو سيئ بداخلنا، والسلام انتصار لكل خير».
واستدرك: «لدينا شرط واحد فقط: أن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية دولة سلمية.. ألا تصبح قاعدة إرهاب أخرى يمكن من خلالها تهديد رفاهية إسرائيل ووجودها، وأن تكون لدينا القدرة على حماية أمن جميع مواطنى إسرائيل فى جميع الأوقات». وقوبل خطاب «لابيد» بانتقادات من زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، الذى اتهمه بـ«تعريض مستقبل إسرائيل للخطر»، وقال: «الليلة سمعنا كلمة مليئة بالضعف والهزيمة وانحناء الرأس».
وأشار «نتنياهو» إلى أنه توصل إلى أربع اتفاقيات سلام تاريخية مع دول عربية تجاوزت ما أسماه بـ«الفيتو الفلسطينى»، مؤكدًا أنه وحلفاؤه «لن يسمحوا بذلك». كما أدان «نتنياهو» موقف خصمه من التهديد النووى الإيرانى، وقال: «لابيد يعرض مستقبلنا ووجودنا للخطر، سواء فى القضية الفلسطينية أو فى القضية الإيرانية. بينما تندفع إيران إلى اتفاق نووى يعرض للخطر وجود دولة إسرائيل فإن لابيد لا يفعل شيئًا». ورغم انتقادات «نتنياهو»، فإن صحفًا عبرية قالت إن «لابيد» واصل تقليد خطابات خصمه رئيس الوزراء الأسبق، الذى كان يستخدم منصة الأمم المتحدة لمهاجمة إيران.
ناقش مع ملك الأردن التهدئة فى الضفة.. ولم يلتق بايدن لازدحام جدول الأعمال
التقى رئيس الوزراء الإسرائيلى الملك الأردنى عبدالله الثانى، فى نيويورك، فى ثانى اجتماع بينهما منذ يوليو الماضى، عندما زار «لابيد» عمان، وأعرب عن سعادته بالعلاقات المتنامية بين إسرائيل والأردن.
وناقش الجانبان قضايا ثنائية، بما فيها تعزيز التعاون الاقتصادى والمدنى، وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى إن اللقاء شكل تعبيرًا عن تعزيز العلاقات الإسرائيلية الأردنية، ومواصلة تعزيز العلاقات الشخصية بين «لابيد» و«عبدالله الثانى».
وقالت تقارير إسرائيلية إن «لابيد» طلب من ملك الأردن المساعدة على تهدئة الأوضاع فى مناطق الضفة الغربية قبيل فترة الأعياد اليهودية الكبرى، التى تبدأ الأسبوع المقبل.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عن مسئول إسرائيلى رفيع المستوى قوله إن «لابيد» و«عبدالله الثانى» ناقشا العنف فى الضفة الغربية، وتحدثا عن أهمية ممارسة السلطة الفلسطينية لسيطرتها على المنطقة، خاصة فى شمال الضفة.
وأشار المسئول الإسرائيلى إلى أن «لابيد» أوضح لملك الأردن أن العديد من الإسرائيليين سيزورون الحرم القدسى فى أيام العيد، كما جرت العادة فى السنوات الأخيرة، وطالبه بإدانة التحريض ضد هذه الزيارات.
ويأتى اللقاء بين «لابيد» و«عبدالله الثانى» بعدما التقى الأخير، فى وقت سابق، الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن»، الذى يتواجد فى نيويورك، أيضًا، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكد التزام الأردن بحماية الأمن والوضع التاريخى والقانونى للمنطقة المقدسة، وأن الصراع لن يتم حله إلا من خلال حل الدولتين، بموجب قرارات الأمم المتحدة.
وعلى هامش اجتماع الأمم المتحدة، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلى، أيضًا، اجتماعات رسمية مع عدد آخر من القادة، من بينهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ورئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس، ورئيس الوزراء اليونانى كيرياكوس ميتسوتاكيس، فى لقاء يهدف، بحسب المراقبين، إلى طمأنة اليونان إلى أن العلاقات المتطورة مع أنقرة لن تضر بعلاقة إسرائيل معها.
كما شارك «لابيد» فى الحفل السنوى لأصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلى «FIDF» فى نيويورك، الذى حضره ٥٠٠ من الداعمين الرئيسيين للمنظمة.
فيما لم يلتق رئيس الوزراء الإسرائيلى مع الرئيس الأمريكى جو بايدن، خلال الزيارة إلى نيويورك، بسبب ازدحام جدول أعمال الأخير، وحاجة «لابيد» إلى مغادرة الولايات المتحدة بعد إنهاء خطابه أمام الجمعية العامة للعودة إلى إسرائيل لحضور حفل زفاف ابنه.
اجتمع مع أردوغان لبحث استئناف العلاقات وشكره على «تعاونه الاستخباراتى»
شهدت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى نيويورك لقاء مهما مع الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، فى أول لقاء بين الرئيس التركى ورئيس حكومة إسرائيلى منذ عام ٢٠٠٨، بعد شهر من عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى إن اللقاء شهد بحث مصير إسرائيليين تحتجزهم حركة «حماس» الفلسطينية فى قطاع غزة، مع تأكيد «لابيد» على أهمية إعادتهم إلى ديارهم، مع الترحيب بما اعتبره «قمعًا تركيا لبعض أنشطة حماس على أراضيها فى الأشهر الأخيرة».
كما تحدث «لابيد»، خلال الاجتماع مع الرئيس التركى، وفقًا لبيان رسمى، عن مخاوفه بشأن إيران، وقدم الشكر لـ«أردوغان» على «تعاونه الاستخباراتى».
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن «لابيد» شكر «أردوغان» على استعداد أنقرة لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع تل أبيب فى وقت سابق من هذا الصيف، خاصة عندما أصدرت إسرائيل تحذيرًا من السفر بسبب مخاوف من أن عملاء إيرانيين كانوا يسعون لاستهداف المدنيين الإسرائيليين الذين يزورون تركيا.
وقالت وسائل إعلام محلية، فى ذلك الوقت، إن قوات الأمن التركية اعتقلت فى أواخر يوليو خلية إيرانية كانت تخطط لاغتيال أو اختطاف سائحين إسرائيليين فى إسطنبول.
كما أشاد «لابيد» باستئناف الرحلات الجوية الإسرائيلية إلى تركيا مؤخرًا، مضيفًا أن ذلك سيؤدى إلى تعزيز السياحة فى كلا البلدين.
وقال البيان، أيضًا، إن «لابيد» سلط الضوء بشكل خاص على تعيين القائم بالأعمال الإسرائيلية إيريت ليليان سفيرًا فى أنقرة، كما أشاد برفع مستوى مبعوثى البلدين، رغم أن تركيا لم تعلن بعد من سيكون سفيرها فى تل أبيب. فى المقابل، أكد مكتب الرئيس التركى أن الاجتماع عقد بالفعل، لكنه لم يتطرق إلى تفاصيله. وكانت العلاقات الإسرائيلية التركية قد توترت فى ٢٠١٠، بسبب حادث السفينة التركية «مافى مرمرة»، لكن الأشهر القليلة الماضية شهدت العلاقات تحسنًا بعدما أعرب الرئيس التركى «أردوغان» عن رغبته فى «الاستمرار فى تطوير العلاقات مع إسرائيل من أجل المستقبل والسلام والاستقرار».
وجاء الاجتماع بعد أكثر من شهر من إجراء الزعيمين مكالمة هاتفية، والاتفاق على المضى قدمًا فى سبيل استعادة العلاقات بشكل كامل، وإعادة السفراء.