لماذا تمنح الكنيسة الأرثوذكسية فسخ الزواج؟.. الأنبا نيقولا يجيب
أصدر الأنبا نيقولا أنطونيو، المتحدث الرسمي لكنيسة الروم الأرثوذكس، دراسة عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أجاب خلالها عن سؤال: «لماذا تمنح الكنيسة الأرثوذكسية فسخ الزواج (التطليق)؟»
وقال إن الكنيسة الأرثوذكسية تحذو حذو يسوع المسيح الذي أكد على شريعة الزوجة الواحدة بقوله: "أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ كَيَانًا وَاحِدًا، إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ كَيَانٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ"، لكنه سمح باستثناءٍ واحد في قانون عدم فك الارتباط في الزواج وهو الزنى، كما أنها أيضًا تحذو حذو يسوع المسيح، ذلك عندما استصعب تلاميذه قوله هذا وقالوا له: "إِنْ كَانَ هكَذَا أَمْرُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ"، أجابهم قائلًا: "لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم"، وترك له المجد لكل شخص على قدر استطاعته أن يظل بلا زواج إن حُل زواجه أو أن يتزوج مرة أخرى لئلا يقع في تجربة، بقوله أيضًا لتلاميذه: "مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ"، بهذا وضع له المجد قانون القدرة والاستطاعة لتنفيذ الوصايا الصعبة؛ لأن منهجه قائم على علاج المغفرة وليس العقاب الجسدي المؤبد بمنع الزواج إلى الأبد، فالمسيح جاء لشفاء الإنسان من ضعفة البشري، ذلك لعلمه بعدم قدرة بعض الأشخاص من التمكن من تكميل هذه الوصية الإلهية بالتمام بسبب ضعف طبيعتهم البشرية.
وأضاف: لذلك فإن الكنيسة الأرثوذكسية أحيانًا تمنح فسخ الزواج لأسباب وجيهة أخرى، وهي في حالة استحالة استمرار الحياة الزوجية بما يتوافق مع الغاية من سر الزيجة المقدس القائم على محبة وأمانة كل من الزوجين للآخر؛ لأن سر الزيجة المقدس هو عهد يقطعه الزوجان على نفسيهما أمام الله والكنيسة بحفظ ما رُسم وحُدد لهما في الوصايا الإلهية التي تُليت عليهما وقت إقامة السر، وبكسر أي من الزوجين هذا العهد، بعدم حفظ ما رُسم وحُدد لهما في الوصايا الإلهية التي تُليت عليهما وقت إقامة سر الزواج، يفصل نفسه عن شريكه الآخر، لكن أيضًا عند وقوع حادث مثل هذا فإن الكنيسة تشدد على أنه حسن إن أمكن حفظ رباط الزواج بمصالحة الزوجين، فيكون الزواج غير منحل.
وتابع: فالكنيسة الأرثوذكسية تنظر للزواج على أنه مبدئيًا غير قابل للحل وتعتبر فسخه خطيئة، لكنها تساعد الخطأة إذ تمنحهم فرصة أخرى بإباحتها فسخ الزواج والزواج الثاني؛ ذلك حينما لا يعود الزواج حقيقة واقعة ولا تتشبث بالحفاظ على وهم شرعي، فيُنظر منها إلى فسخ الزواج كتساهل استثنائي ولكنه ضروري للخطيئة البشرية، إنه فعل تدبير كنسي وفعل من محبة الله للبشر لكن على أن يكون ذلك بضوابط حددتها الكنيسة المقدسة بالسلطة الممنوعة لها من الرب يسوع المسيح نفسه، بقوله لرسله وبهم لخلافائهم من تلاميذهم: "اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ، مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ"، على ذلك فرضت القوانين الرسولية تأديبات كنسية على التائبين: «وهكذا يجب أيضًا أن تصنع (الكنيسة) بالذين يتوبون عن خطاياهم، أي نفصلهم زمانًا محددًا كمقدار خطيئتهم، وبعد هذا إذا تابوا نقبلهم إلينا كما يقبل الآباء أبنائهم إليهم»، أمّا سبب هذه العقوبات فهو أنّ الكنيسة ترى في الزواجات المتعدّدة علاج ميل جانح نحو شهوة الجسد لا يتلاءم والأخلاق المسيحية.
وأكمل: إن الكنيسة الأرثوذكسية، وهي تساعد الرجل والمرأة على النهوض بعد السقطة، تعلم تمامًا أن الزواج الثاني لا يمكن أن يكون مثل الأول، لذا فإن جُزءًا من الاحتفالات التي تشير إلى الفرح في خدمة الإكليل يجري إلغاؤها في الزواج الثاني وتُستبدل بصلوات التوبة، والزواج الثالث غير مستحب لديها، أما الرابع فهو مرفوض كليًا منها.
وأردف: كما أن الكنيسة الأرثوذكسية بعدم منعها الزيجة الثانية، تحزو أيضًا حزو الآباء القديسون الذين لا يمنعون الزيجة الثانية تساهلًا للضعف البشري، معتبرين هذا الأمر نقصًا في الكمال المسيحي، وعلى ذلك حددوا في قوانينهم أن الذين يطلبون الزيجة الثانية ينبغي أن يوضعوا تحت قانون كنائسي لأنهم لم يحفظوا العفاف المأمور به المسيحيون، وأن يُقتصر في طقس أكاليلهم على بعض القطع والصلوات التي في طقص الإكليل الأول، فالزيجة الثانية لدى الآباء القديسون هي من أجل الضعف البشري على أن تفرض على من يشترك فيها عقوبة كنائسية، أما الثالثة فقد اعتبرت في قوانينهم لوثة جسدية للجسد ولا تسمح بها الكنيسة إلا بعد قانون كنسي أثقل من الزيجة الثانية، وما فوق ذلك من زيجة رابعة لا فرق بينها وبين تكثير الزوجات لهذا مُنعت الزيجة الرابعة منعًا قطعيًا.