ذكرى أحمد عرابى
تهل علينا فى شهر سبتمبر ذكرى الزعيم الوطنى أحمد عرابى، وبالفعل ارتبط شهر سبتمبر بتاريخ أحمد عرابى، بل وبتحولات مصيرية فى التاريخ المصرى. هل نتحدث عن ٩ سبتمبر ١٨٨١ وهو التاريخ الرسمى للثورة العرابية، ووقفة عابدين الشهيرة حيث قدّم عرابى ورفاقه مطالب الأمة إلى الخديو توفيق.. أم نتحدث عن سبتمبر ١٨٨٢ وهزيمة عرابى أمام جيش الاحتلال الإنجليزى فى معركة التل الكبير، ثم دخول الجيش الإنجليزى القاهرة فى ١٥ سبتمبر ١٨٨٢، وبداية عصر من الاحتلال امتد إلى ما بعد ثورة يوليو ١٩٥٢.. أم نتحدث عن وفاته فى ٢١ سبتمبر ١٩١١ بعد عودته من المنفى، وبعد إهانته من الجميع، حيث حمَلَه البعض مسئولية وقوع الاحتلال البريطانى لمصر؟
ومن المقولات الشائعة فى التاريخ أن الرأى العام المصرى أدان أحمد عرابى، لأنه تسبب بعصيانه فى مجىء الاحتلال البريطانى لمصر. وأن التاريخ المصرى رفض ما عُرف بالثورة العرابية، وأطلق عليها اسم «هوجة عرابى». وأن الزعيم الوطنى مصطفى كامل هاجم عرابى عند عودته من المنفى، وأدان أفعاله وتهوره، بل واتهمه بالخيانة. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن عرابى أصبح نسيًا منسيًا فى التاريخ المصرى، حتى مجىء ثورة يوليو ١٩٥٢، هذه الثورة التى رفعت من شأن عرابى وثورته، نظرًا لاشتراك الثورتين- العرابية ويوليو- فى الطابع العسكرى.
والحق أن المقولة السابقة بها الكثير من الخطأ، وتجاوز حقائق التاريخ. نحن لا ننكر هجوم البعض، وعلى رأسهم مصطفى كامل، على أحمد عرابى، ولكننا ننكر مسألة أن الرأى العام كله قد هاجم عرابى وأصدر عليه حكمه؛ إذ نشهد وقبل ثورة يوليو بعدة عقود، محاولات مهمة لرد الاعتبار إلى عرابى والثورة العرابية، وإعادة التقييم من منظور تاريخى، وليس من منظور سياسى، وفى إطار ظروف العصر. ولعل أهم هذه المحاولات كتابات محمد صبرى السربونى ومحمود الخفيف، وسنركز فى هذه المقالة على سردية السربونى حول عرابى لأنها الأقدم، والأكثر موضوعية.
يعتبر صبرى السربونى أحد أهم المؤرخين المصريين الأكاديميين فى النصف الأول من القرن العشرين؛ إذ حصل محمد صبرى على الدكتوراه من جامعة السوربون، لذلك عُرِف بـ«السربونى»، كما أنه صاحب الدراسة المهمة والرائدة آنذاك عن ثورة ١٩. وفى عام ١٩٢٧ بدأ السربونى كتابة سلسلة من المقالات فى جريدة السياسة الأسبوعية تحت عنوان «أحمد عرابى باشا»، وبداية يصف السربونى عرابى قائلًا: «حسب عرابى باشا أو أحمد عرابى المصرى كما كان هو يسمى نفسه اعتزازًا بجنسيته، أنه زعيم أول ثورة قامت فى مصر والشرق فى سبيل تحقيق فكرة سامية هى أبهى ما تزدان به الإنسانية فى عصورها الحديثة، فكرة الكرامة الذاتية والعدل والحرية والمساواة».
ويضرب لنا صبرى السربونى مثلًا فى الموضوعية، والنقد التاريخى؛ إذ بعد رد الاعتبار لعرابى وثورته، يأخذ عليه غياب الحنكة السياسية لديه، مما أدى إلى الانقسام بين المكون المدنى والمكون العسكرى فى الثورة، وأيضًا حسن النية فى تصديق ديلسبس بمسألة حياد قناة السويس وعدم السماح بدخول الجيش الإنجليزى منها. وأخيرًا التصريحات المهادنة التى أعلنها عرابى بعد عودته من المنفى تجاه الوجود الإنجليزى فى مصر، لكنه يلتمس العذر له فى تقدم عمره ومعاناة النفى والغربة.
متى نستطيع كتابة تاريخ موضوعى لمصر، ونتناول زعماءنا بعيدًا عن ثنائية الأبيض والأسود؟