البامية التى شوَّكت التطرف الإسلامى!
حتى الحاجة نبيلة، المغنية الشعبية التي برزت في الآونة الأخيرة بروزًا لافتًا، لم تسلم من هجوم التطرف الإسلامي عليها.. فيديوهات كثيرة تستنكر شهرة المرأة الطيبة وتدعوها إلى التوبة من ذنب الغناء والخلاص من فخاخ الإعلام؛ فالمتطرفون يرون الغناء ذنبًا ويتصورون كل إعلام، خلاف إعلامهم، فخًا.
الحاجة التي تنتمي إلى محافظة الشرقية، اكتشفها ولدها، وسجل لها، وروج حالتها الغنائية الدافئة الجميلة، وهي الحالة التي لقيت اهتمامًا عامًا طبيعيًا، لكنها أغاظت، فيما يبدو، أناسًا لا يحبذون الفنون، أغاظتهم بشدة هذه المرة؛ لأن الصادح بالغناء امرأة، ولأنها سيدة بسيطة من عوام الناس، وتغني غناء شعبيًا حميمًا، بوسعه استقطاب الجموع، وهو ما تحسه أوهامهم خطرًا جسيمًا؛ لأنه يُمكّن نون النسوة تمكينًا، ويشجع اللواتي يشبهن السيدة، وما أكثرهن فهن يشكلن أغلبية المجتمع، على أن يبحثن عن مواهب أنفسهن ويصرن مثلها فيمتلئ الوطن بالمحرمات؛ فهكذا الفن عمومًا في نظرهم!!
"ما اروحش الغيط البامية شوَّكتني".. أكثر أغاني الحاجة نبيلة ذيوعًا، أغنية تنتسب إلى الفلكلور المصري الزاخر بالدرر، ولكن البامية شوَّكت التطرف الإسلامي فوق ما شوَّكت المغنية الشعبية ومثيلاتها في السوق المصرية المفتوحة الودودة، شوَّكته فلم يتحمل ألمها، لفرط هشاشته، وصرخ محذرًا من عواقب الركض الحر في الغيطان، لا سيما ركض النساء!
يا لنقص المتطرفين! ويا لسوء ظنهم بالأرض والبشر!.. غير أننا لا يجب أن نسكت أو نذعن لخرابهم العقلي والوجداني، بل الصحيح أن نكشف عوارهم للخلق ونفضح تطرفهم المقيت.. علينا ذلك حقًا قبل أن يتبعهم العوام ممن يغازلونهم بالدين ويحثونهم على الجهاد ضد ما تراه أدبياتهم الدينية المعتمدة فسقًا وفحشًا وضلالًا؛ وإن كثيرًا من العوام يسيرون وراءهم بالفعل فليس يعصمهم من السقوط في الهوى المتطرف حظ من وعي ولا ثقافة.
الأغنية اللطيفة، شأن معظم أغانينا الموروثة، تتحدث عن الفتاة الريفية التي تنتظر الزواج بحبيب ينتشلها من العناء.. عناء عملها في حقول الفلاحين، وتتخذ من شوك البامية ذريعة إلى التخلص من الشقاء الملازم لطبيعة ما تعمله، مشيرة إلى كونها لا بد أن تنال نصيبها من الراحة في بيت يخصها.. (هذه قراءة، والأفق يتسع لقراءات أخرى؛ فالنص، ولو كان صغيرًا ويسيرًا، يحتمل قراءات متعددة متباينة المعاني)..
لا يدري أحد ما الذي استفز التطرف الإسلامي في أغنية كهذه الأغنية الفلكلورية البهيجة تحديدًا، غير أنه التيار الذي يخاصم الفن عمومًا، كما سبقت الإشارة، ويخاصم الإناث قبل الفن، ويراهن متاعًا للذكور، ويراهن عارًا مطلقًا يتحتم إخفاء جسده وتكميم فمه!
إن النساء أمل كالرجال، والواجب أن نرعاه، وإن دوار الفن الشعبي خلا من الجديد منذ سنوات، والواجب أن نفرح بحدوث هذا الجديد حين يحدث، ولكن بلدنا ما زال يتعرض لاختطاف مرعب للأسف.