"الدولة الوطنية".. وكيف خدع الفقهاءُ الشعوبَ المسلمة عبر العصور!
(1)
♦مصر والدولة الوطنية..
♦وثائقيا نعلم أن مصر عرفت فكرة الحدود – شرقا أولا ثم جنوبا وغربا - وأقامت نقاطًا وتحصينات حدودية حقيقية ودشنت جيشها النظامى لحماية تلك الحدود بدءًا من الأسرة المصرية القديمة الثالثة حوالى القرن 28ق.م أى قبل دخول الإسلام لمصر بحوالى خمسة وثلاثين قرنا كاملة!
♦استمرت تلك الحدود عبر القرون رغم تغير الحكام – مصريين لأكثر من خمسة وعشرين قرنا ثم محتلين- ورغم تمددها للخارج أحيانا أو انكماشها للداخل أحيانا أخرى، لكن ظلت مصر هى أقدم أثبت دولة وطنية –أى قائمة على فكرة الولاء للأرض - حدوديا فى التاريخ!
♦بعد اختراق أمنها القومى وتعرضها لأول مرة فى تاريخها للإذلال الأجنبى بغزو الهكسوس، فقد قررت بعد ذلك حماية أمنها القومى بالتمدد خارج تلك الحدود لمدة خمسة قرون، لكنها عرفت دائما حدودها القديمة واعتمدت خارج تلك الحدود على حكام محليين يدينون بالولاء لها.
♦بعد سقوطها تحت الاحتلال الأجبنى الطويل بغزو الإسكندر لها، ظلت لمدة ثلاثة قرون دولة مستقلة يحكمها البطالمة بحدودها القديمة مع التوسع أو الانحسار أحيانا. ثم دخلت بعد ذلك مرحلة جديدة من تاريخها حين أصبحت ولاية فى إمبراطوريات متعاقبة بدءًا من الإمبراطورية الرومانية حتى الإمبراطورية العربية المسلمة!.
♦لم تأتِ المسيحية بأى نظم سياسية للحكم، وكل ما تغير هو ديانة الشعوب الواقعة تحت حكم الرومان. حتى دخل جيش عمرو بن العاص مصر واحتلها بعد هزيمة الحاميات والجيش البيزنطى، فدخلت مصر عصر الإمبراطورية أو الخلافة العربية المسلمة..
♦فهل أتى الإسلام – كديانة – بما يتعارض مع فكرة الدولة الوطنية؟! وما هى أزمة الفكر الإسلامى أو فكر الفقهاء المسلمين مع (الدولة الوطنية)؟ هذا هو ما سوف نحاول تتبعه وفهمه..
(2)
♦العرب والدولة الوطنية حتى ظهور الإسلام..
♦فى شبه الجزيرة العربية، كانت قبائل العرب تحيا حياة القبيلة المتنقلة خلف المياه والمراعى. فلا ولاء لأرض ولا اعتراف بفكرة حدود دائمة إلا تلك التى تستطيع السيوف أن تسيطر عليها حين يجدون بها ما يشبع ظمأهم ويطعم قطعان حيواناتهم.
♦الإغارة والسبى والتنقل والولاء للقبيلة والخضوع لأعرافها وأحكامها هى السمات التى ميزت حياة العرب فى نفس العصور التى كانت مصر دولة وطنية معروفة الحدود ولها جيشها النظامى.
♦تكونت الإمبراطوريات الكبرى، وسيطرت على مناطق غنية شمال وجنوب جزيرة العرب، فعمل العرب لدى تلك الإمبراطوريات بشتى الطرق، فأحيانا حماة لحدودها أو محاربين لأعدائها، وأحيانا أخرى تجارًا على أطراف حدودها.
♦لكنهم ظلوا دائما يحيون حياة التشرذم القبلى، بل وحارب بعضهم بعضا لصالح تلك الإمبراطوريات. لم تتفق مصالح القبائل أبدا، فاختلفت سيوفهم وأطاحت برؤوس بعضهم البعض حتى حدثت الواقعة الأهم فى تاريخهم كله.
♦جاء الإسلام وشق طريقه بعد فترة قصيرة من تململ ومقاومة بعض القبائل، فتشبثوا به أخيرا ووجدوا به ضالتهم التى يمكنها أن توحد سيوفهم وتقيم لهم إمبراطورية كبرى مثل تلك التى كانوا لا يقدرون على مناطحتها.
♦الشرعنة الدينية للحروب الغازية لأراضى الغير كانت هى خاتم سليمان الذى عثر العرب عليه بظهور الإسلام فأجادوا استخدامه حتى كونوا فى سنوات قليلة تلك الإمبراطورية الشاسعة.
♦ولكى يضمنوا عدم فقد ذلك الخاتم لتأثيره كان لا بد من تدشين وتقديس تلك الفكرة بديلا عن فكرة وحدة الجنس لدى إمبراطوريات، أو وحدة الأراضى لدى إمبراطوريات أخرى!
♦الإسلام كديانة مثل المسيحية لم يأتِ بأى نظام للحكم وهذا منطقى جدا فالديانات تأتى بالعقائد وتترك شؤون الحكم والسياسة للشعوب. كانت هذه هى أزمة المسلمين بعد وفاة النبى(ص)، والتى كادت أن تنشب بسببها حربٌ قبل دفن النبى(ص) حتى أدرك الموقف بعض كبار الصحابة (أبوبكر وعمر وأبوعبيدة) رضى الله عنهم فنصبوا أبا بكر حاكما أو أميرا لهم، ولم ترد كلمة خليفة على الإطلاق وقتها!
♦أى أن الإسلام حل كمقوم سحرى لأقوم عطشى لإقامة دولة كبرى لكنها لم تعرف قبل ذلك فكرة الولاء للأرض أو حتى الاتفاق على مصالح كمقومات لإقامة تلك الدولة!
(3)
♦هل رفض الإسلام (الدولة الوطنية)؟!
♦لم يرد فى القرآن الكريم أو سنة النبى (صلى الله عليه وسلم) المتواترة ما يتعارض أو يرفض فكرة قيام دول وطنية مستقلة يدين أهلها بالإسلام ويحكمها حكامٌ من أهلها. وهذا كان الخطر الأكبر الذى يهدد الإمبراطورية بالتفكك، وبدت بوادره مبكرا بين بعض القبائل التى أرادت الانفصال عن عاصمة الإمبراطورية طمعا فى مشاركة قريش الزعامة كما اعتادوا قبل الإسلام، لكنهم عرضوا الأمر من زاوية دينية، مما سهل الأمر على الأمير أبى بكر الذى قامت شرعية وجوده على اختيار النبى له لإمامة الصلاة، فكان ما يسمى بحروب الردة.
♦بينما استمرت الولايات مثل مصر على حالها ولاية يحكمها المسلمون العرب تماما كما كانت ولاية يحكمها الأباطرة الرومان من خلال ولاة.
♦وكما لم يكن للمصريين قوة مسلحة تمكنهم من العودة لدولتهم الوطنية فى العصر الرومانى، فلم يكن ذلك ممكنا لهم بعد الغزو العربى وفشلت جميع ثوراتهم فى القرنين الأوليين!
♦ما يؤكد عدم معارضة الإسلام لقيام دول منفصلة عن الإمبراطورية، وأن الأمر كله كان متروكا للشعوب ولمن يقدر على ذلك، هو ما حدث بين معاوية وعلى رضى الله عنهما.
♦فقد وقعا ونفذا اتفاقا قامت بمقتضاه دولتان فى نفس الوقت، إحداهما بقيادة على والأخرى بقيادة معاوية، وقام كل منهما بتعيين الولاة وممارسة السيادة كاملة!
♦هذا معناه أن السيوف هى التى كانت تحدد الموقف على الأرض! ولو كان ذلك يتعارض مع الإسلام لتم اتهامهما بمخالفته! ولو كان هناك من لديه القوة ما يمكنه من الاستقلال لفعل ذلك كما فعل معاوية، ولما تم اتهامه بمخالفة الديانة!
♦بل إن الأهم والأخطر من ذلك وتتم محاولة تجاهله عمدا فى التاريخ فهو ما فعله النبى (صلى الله عليه وسلم) بعد دخوله المدينة وقبول غالبية أهلها له وإيمانهم بدعوته، فقد وقع النبى عهدا أو دستورا يقوم تماما على فكرة المشاركة فى الأرض! عهدٌ تساوى فيه من آمنوا بدعوته باليهود وبكل من كان يعيش فى المدينة، ولم يحاول النبى (ص) تغيير ذلك الدستور إلا بعد خيانة اليهود لوطنهم المدينة بالتواطىء ضدها وضد حاكمها محمد (ص)!
♦ثم تأكد ذلك بعد أن بدأ ما يسمى بعصر الدويلات المستقلة فى مصر بدءً بدولة أحمد بن طولون! الإسلام لم يلزم المسلمين أبدا بوجوب انتمائهم لدولة واحدة قائمة على الدين..هذه هى حقائق التاريخ!
(4)
♦الجذور التاريخية لخديعة الفقهاء للشعوب المسلمة!
♦منذ بداية الصراعات الدموية على مقعد الحكم فى إمبراطورية العرب الناشئة، كان سلاح (الشرعنة الدينية) لإقناع العوام هو الأكثر استخداما بين الجميع.
♦فى القرون الأولى تم إبعاد جميع المواطنين من الحلم بالحكم بوضع أقوال تشترط أن يكون الحاكم قرشيا فأمنوا بذلك خطر منافسة الشعوب الأخرى بينما بقى الخطر الذى يهددهم، هو منافسة شخصيات أو بيوت متنوعة قرشية تدعم مطامعها بأقوال دينية!
♦فخصص كل متنافس أو فريق أو بيت قبلى مجموعة من المسلمين يضعون له من الأقوال المنسوبة للنبى (ص) ما يقنع به عامة المسلمين أنه الأحق دون غيره من القرشيين بالحكم!
♦وفى القرون الأولى أيضا فى ذروة قوة الدولة الناشئة، حصن الخلفاء أنفسهم من مناطحة أفكار القومية الخاصة ببعض الشعوب، واتبعوا لذلك سياسة ممنهجة فى الدول التى يخشى منها ذلك مثل مصر. اعتمدت تلك السياسة على استبعاد المصريين من الجيش والأسطول تماما!
♦هكذا فى القرون الثلاثة الأولى، كان الشغل الشاغل لحكام الإمبراطورية الجديدة تكريس وتقديس هذا المقوم السحرى لإقامة شرعنة الدولة وشرعنة التمتع بالحكم والثروات التى تم الاستيلاء عليها من مختلف الدول، وهو المقوم الدينى!
♦بعد ضعف الفكرة الأم، وضعف العرب أنفسهم، وسيطرت أجناس أخرى على البيوت الحاكمة والمؤسسات السيادية، حدثت الخديعة الأكبر فى تاريخ المسلمين، حين قام العلماء والفقهاء والمفكرون المسلمون بالرجوع للأحداث السياسية التى جرت فى العقود الأولى بعد وفاة النبى (ص).
♦وبدلا من النظر إليها كأحداث سياسية فقد تم الاعتماد عليها لتدشين فقه سياسى دينى تم تقديمه للمسلمين وكأنه جزء من الدين ذاته فقط لبث قبلة الحياة فى ذلك المقوم المترنح، ولضمان استمرار تلك الإمبراطورية المترهلة جغرافيا!
♦فمثلا موقف بعض المسلمين الأوائل من الخضوع ليزيد بن معاوية رغما عنهم وبقوة السيف بعد مهاجمته لمدينة النبى (ص)، هذا الموقف تم تديينه تحت مسمى دينى براق (بيعة الإمام المتغلب!) وذلك لمنح شرعية لأى قوى يملك إخضاع ولايات الإمبراطورية!
♦ومثلا ممارسات بعض الخلفاء والولاة العنيفة والدموية أحيانا ضد أهل الذمة، وجور بعضهم على أماكن عبادة أهل الكتاب، كل ذلك تم شرعنته وتديينه وتقديمه تحت مسمى دينى (فقه أهل الذمة!)
♦ثم تم العبث بأحد الأقوال المنسوبة للنبى (ص) التى كان يخبر بها أصحابه عن شكل الدولة بعد وفاته وأنها ستكون خلافة ثم تكون ملكا.. تم إضافة عبارة (ثم تعود خلافة تعم الأرض)! لخداع الشعوب وإخضاعهم على أمل أن يكون كل حاكم جديد هو الخليفة الراشد المنتظر!
♦هذه الخديعة - بشرعنة أحداث سياسية وإلباسها رداء الدين - هى التى أخضعت المسلمين لكل الطغاة الذين كانوا يتدثرون بلقب الخليفة، ونجد ذلك صارخا فى وثائق الحملة الفرنسية، وكيف كان خضوع المصريين المشين للعثمانيين حتى أنهم –أى المصريين – فرحوا واحتفلوا احتفالات صاخبة بعودة الحكم العثمانى بعد خروج الفرنسيين!
♦كان التدشين الأول لتلك الخديعة فى القرن الثالث الهجرى مع تدشين غالبية كتب التراث واحتواء غالبيتها على أبواب سياسية، ثم تبع سقوط بغداد إعادة بعث لكل مفرداتها ولكن بشكل أعنف!
♦لقد ساعد على ذلك هذا الخلط التاريخى الأكبر الذى وقعت ضحيته الشعوب التى اعتنقت الإسلام عن طريق الغزو العسكرى. فقضايا السياسة مثل قضايا مجتمعية أخرى لم تستطع تلك الشعوب أن تفصل بين رؤية الديانة لها، وبين رغبات وعادات الغزاة العرب! فما فرضه العرب سياسيا ظنته تلك الشعوب جزءً من الإسلام، ومن ذلك قضية الحكم وشكل الدولة!
♦لكن رغم تراكم القرون والأحداث ورغم السقوط فى ذلك الخلط التاريخى بقيت جذور الشخصيات القديمة للشعوب متأصلة فى كل شعب، فشعوب القبيلة بقيت قيم القبيلة داخلها، وشعوب (الدولة الوطنية) بقيت على ارتباطها بأرضها.
(5)
♦إعادة تدوير الخديعة بعد عام 1924م!
♦بسقوط رجل أوروبا المريض أو الإمبراطورية العثمانية سقط آخر شكل لإمبراطورية تحتل شعوبا عربية ومسلمة بذريعة الخديعة التى ابتكرها الفقهاء والعلماء بناء على صراعات المسلمين الأوائل!
♦كان يمكن أن يكون ذلك السقوط هو الصفحة الأخيرة فى حقبة تاريخية، وإعلانٌ لبدء مرحلة أخرى تعود بمقتضاها شعوب الدول الوطنية مثل مصر إلى شكلها الحقيقى عودة هادئة طبيعية، وتدخل شعوب القبيلة إلى مرحلة جديدة من التمدين والحداثة!
♦لكن ما حدث كان مذهلا حقا، بضعُ أشخاص هنا وهناك – علماء أو مهاويس زعامة باحثين عن مطية تقبلها الجماهير – نجحوا نجاحا أكبر كثيرا ربما مما توقعوه هم أنفسهم!
♦نجح هؤلاء فى إعادة تدوير نفس الخديعة، لقد بعثوا من جديد فكرة لم تكن بالأساس موجودة إلا فى كتب التراث. تقول تلك الفكرة أن المسلمين يجب أن يكون لهم إمامٌ أى حاكمٌ واحد يحكم دولة واحدة!
♦هذه الفكرة التى لم يقل بها حتى الرعيل الأول من المسلمين حين قبلوا ما فرضته السيوف من دولة معاوية ودولة على!
♦لقد لعبت الأقدار لعبتها مع هؤلاء، حيث أضيف عاملٌ آخر بعدها بسنوات وهو قيام دولة إسرائيل! فأضاف ذلك زخما دينيا وهوسا دينيا أكبر دفع عوام المسلمين دفعا للانسياق خلف تلك الفكرة – فكرة دولة الخلافة الواحدة- وخلف كل من يرفع رايتها ويعلنها هدفا لدعوته أو أطماعه!
♦وتماما كما حدث منذ ألف وربعمائة عام، فقد نجحت تلك الدعاوى فى شبه الجزيرة العربية فقامت مرة أخرى دولة على شرعية دينية فصّلها وصاغها فقيه، فداعب ذلك النجاح خيالَ كل من كان لديه نفس العقيدة أو نفس المطامع!
♦فى مصر ظهر مغامرون حاولوا امتطاء نفس الجواد، ولم ينجح منهم إلا حسن البنا ومن خلفه فى دعوته مثل سيد قطب الذى كان أكثر صراحة ووضوحا فكشف الحقيقة كاملة فى كتابه (معالم فى الطريق) من كراهية صريحة ورفض صريح للدولة الوطنية، وتكفير كل من يؤمن بها ويؤمن بوجوب قيام الدول على أسس وطنية من حدود وأرض ودساتير!
♦منذ ظهور هؤلاء المهاويس بدأ ترويج أفكار بعينها بين المصريين، وبعض تلك الأفكار بقيت إلى اليوم. من ذلك أنهم أقنعوا قطاعا من المصريين أن الحدود بين الدول بدعة معاصرة قام بابتداعها المستعمرون ليفرقوا ويضعفوا المسلمين، وأن الأصل أن الدول كانت (سداح مداح) بين الشعوب المسلمة!
♦نجحوا فى إقناع المصريين أن حدود مصر حديثة شأنها شأن بعض دويلات القسم الآسيوى من الوطن العربى والتى لم يكن لها وجود أصلا قبل عدة عقود!
♦نجحوا فى إقناع قطاعٍ من المصريين أن الوطنية مجرد شعار وثنى تم اختراعه مؤخرا شأنه شأن الماسونية القديمة والماركسية وكل المصطلحات والمفردات التى عرفتها الشعوب فى القرنين التاسع عشر والعشرين!
♦لم أنسَ وجه ولا حديث أحد ملعمى اللغة العربية والدين بالصف الثالث الإعدادى حين سمعتُ منه لأول مرة أن هناك من يقاتل فى معركة وطنية بشجاعة ثم يستشهد، لكنه لن يدخل الجنة لأنه شهيد دنيا، وأن الله سوف يخبره أنك كنت تقاتل فى سبيل الوطن لكى يقال عنك شهيد الوطن وقد قيل! واستغرق الأمر منى سنوات حتى أدرك أنه لم يكن إلا صوتا لتلك الخديعة الكبرى!
(6)
♦دور العلماء وشيوخ المساجد فى تمرير الخديعة!
♦حسن البنا وأتباعه فى عدة عقود مارسوا الإرهاب الصريح لمحاولة إجبار (الدولة الوطنية) على الرضوخ لجنونهم ولفكرتهم الفاسدة..لقد كانوا – كجماعة وقادة وفكرة - خصوما واضحين مُعلَنين للدولة الوطنية، وكل ما كانو يقدرون عليه هو إخفاء خلاياهم المسلحة..
♦لكن هناك من قاموا بأدوارٍ أخطر وأسوأ مما قام به هو وجماعته ضد الدولة الوطنية، وبعثوا بالشك والريبة فى عقول كثيرٍ من المصريين عبر العقود الماضية وكلفوا تلك الدولة كلفة باهظة..
♦إنهم كثرٌ من العلماء الرسميين وكثير من أئمة المساجد المصرية خاصة فى الفترة منذ نهاية السبعينات وحتى 2012م.
♦إصرار هؤلاء على مداعبة مشاعر جموع المصريين بقصص غير حقيقية مما يسمى التاريخ الإسلامى السياسى أدى لتكون رأى مصرى عقلى شبه جمعى أن المسلمين لابد وأن يكون لهم دولة واحدة وأن عودة ذلك أصبح أمرا عقائديا لا يجوز إنكاره!
♦إخفاءهم بشكل عمدى لبعض الحقائق مثل حقيقة ما حدث بين على ومعاوية، ومثل جميع الصراعات الدموية على الحكم فى الدولة العربية الأولى، وتلميحهم دائما بأن الشهداء هم فقط شهداء الحروب الأولى التى خاضها المسلمون الأوائل تماما كما أخبرنا معلم الدين، وإصرارهم على تجاهل جهاد مصر الوطنى بشكل يثير الذهول....
♦كل ذلك كان ضربا وخلخلة لمشاعر المصريين تجاه دولتهم الوطنية العتيقة، وكان حرثا للأرض فى عقول كثيرٍ من المصريين للشك فى أن الأصل فى قيام الدول، والأصل فى قصة مصر التى تسبق الإسلام بآلاف السنين هو شكل الدولة الوطنية بالحدود المعروفة!
♦هناك حديث مسجل تِلفِزيونيا منذ سنوات قليلة جدا وبعد ثورة 30 يونيو لأحد أكبر القامات الدينية الرسمية فى مصر، وفيه ما يزال يصر على أن حديث عودة الخلافة حق، لكنه يختلف فقط فى رؤيته لشكل تلك الخلافة وكيف يمكن أن يكون شكلها العصرى!
♦يتحمل هؤلاء إثم ما حدث فى مصر فى العقود الأخيرة، لأن كثيرا منهم يؤمن حقيقة بأن الدولة الوطنية بدعة! وطاغوت! ولأن كثيرا منهم غير ملمين بتاريخ مصر، فهم كانوا ينشرون تلك الأفكار بحماسة حقيقية!
♦لقد ثبت معلوماتيا أن كثيرا من المنتمين للجماعات التى لا تؤمن بفكرة الدولة الوطنية هم من خريجى مدارس دينية مصرية رسمية! ومازلنا كل عام نمنح تلك المدارس آلافا من عقول الصغار!
♦فى نهاية الأحداث التى حدثت بمصر منذ يناير 2011م، انتصرت طبيعة وشخصية الشعب الأصلية وهى الشخصية المؤمنة إيمانا حقيقيا بالولاء للدولة الوطنية. لكننا مازلنا فى حاجة إلى تحصين الأجيال القادمة من أى هجمات عقلية جديدة يقوم بها المتخفون من أنصار الهوس الدينى السياسى!
♦أختم حديثى بحقيقة مهمة، أن البقاء فى مصر للدولة الوطنية! هذه طبيعة المصريين التاريخية الراسخة. فالمصريون معروفون بتقديسهم لترابهم الوطنى منذ آلاف السنوات. وكان غباءً شديدا قد أغرى كل الجماعات المارقة بقدرتهم على تغيير تلك الطبيعة المصرية!
(7)
♦خلاصة ما سبق..
♦مصر دولة تاريخية قامت دائما على فكرة الدولة الوطنية ذات الحدود، ويدين أهلها بالولاء للأرض رغم تعاقب المعتقدات الدينية المختلفة.
♦أن العرب قبل الإسلام لم يألفوا شكل الدولة الوطنية ولم يعتادوا على فكرة الولاء للأرض.
♦بعد الإسلام تشبث العرب به ليكون الولاء له وسيلة لإقامة إمبراطورية ضخمة بعد فشل جميع المقومات الأخرى لقيام دولة كبرى لهم.
♦لم يرفض لإسلام كديانة فكرة الدولة الوطنية ولم يأت الإسلام شأنه شأن المسيحية بأى أنظمة حكم سياسية.
♦السيوف فقط هى ما حسمت شكل الدولة العربية الناشئة، فلم يرفض المسلمون الأوائل وجود دولتين فى نفس الوقت وفى عهد أحد الخلفاء الراشدين.
♦أكبر خديعة تعرض لها المسلمون حدثت بعد ثلاثة قرون على الأقل من وقوع أحداث سياسية كبرى، ثم تجددت مرة ثانية فى القرن السادس الهجرى.
♦قامت الخديعة على شرعنة وتديين نتائج الصراعات السياسية الأولى بعد وفاة النبى(ص) وجعل تلك التصرفات منبعا لإصدار أحكام شرعية سياسية!
♦إعادة بعث وتدوير نفس الخديعة بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية 1924م
♦ظهور مهاويس الفكرة فى عدد من البلدان ونصيب مصر منها!
♦دور العلماء والشيوخ الرسميين فى نشر الخديعة بين المصريين!
♦البقاء فى مصر للدولة الوطنية!