هدوء حذر.. المشهد السياسى فى إسرائيل قبل «انتخابات نوفمبر»
تستعد إسرائيل لانتخابات الكنيست الـ٢٥ فى الأول من نوفمبر المقبل، وهى الانتخابات الخامسة خلال أقل من ٣ سنوات، ويتنافس فيها رئيس المعارضة زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو وأحزاب اليمين، أمام كتلة الوسط والحكومة الحالية التى يترأسها رئيس حزب «يش عتيد»، يائير لابيد، وأحزاب الوسط واليسار.
حملات دعائية هادئة حفاظًا على الأموال.. ونتنياهو يستهدف «السوشيال ميديا»
حتى هذه اللحظة، لم يشتد سباق الحملات الانتخابية، وباستثناء بنيامين نتنياهو، وحملاته المكثفة على مواقع التواصل الاجتماعى، لا تزال باقى الأحزاب الإسرائيلية هادئة، فلا خطابات ولا مفاجآت ولا إشارات ولا مظاهرات، ولا توجد حملات فى الواقع، باستثناء عدد قليل من مقاطع الفيديو على منصتى «إنستجرام» و«فيسبوك»، لكن هذا لا يعنى أن السباق الانتخابى سيظل هادئًا، فالحديث يدور عن هدوء مؤقت قبل احتدام الصراع خلال الأسابيع المقبلة.
الهدوء الانتخابى الحالى يمكن تفسيره من خلال عدة أسباب، أهمها بطبيعة الحال هو التمويل، فالحملات الانتخابية تحتاج لكثير من الأموال، وعندما تجد الأحزاب السياسية الإسرائيلية نفسها تخوض الانتخابات فى المتوسط مرتين فى العام تقريبًا، فلا عجب أنها لا تملك ما يكفى من المال لإدارة حملات طويلة الأمد تكون كثافتها عالية بما يكفى لترك أثر على الجمهور، وهذا يجبر الأحزاب على إدارة حملاتها على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى، فترة منخفضة المستوى فى الدعاية، وقد بدأت فور حل الكنيست وقرار الذهاب إلى الانتخابات، فى يونيو الماضى، فيما بدأت المرحلة الثانية أول سبتمبر الجارى وقد تستمر أقل من شهر بقليل، حتى رأس السنة اليهودية، نهاية سبتمبر الجارى، وهذه الفترة أيضًا لن تكون هناك حملات مكثفة، انطلاقًا من حقيقة أن الأحزاب تفهم أنه لا جدوى من إنفاق مبالغ كبيرة من المال فى الصيف، عندما يخرج قطاع كبير من السكان إلى عطلة، غالبًا إلى الخارج، وبالتالى فإنهم أبعد ما يكونون عن السياسة، حينها.
وفى منتصف أكتوبر المقبل حتى يوم الاقتراع، ستدخل الحملات الانتخابية المرحلة الثالثة، التى سيكون فيها السباق الانتخابى محتدمًا، ولكن يبدو أيضًا أن الاعتماد سيكون على مواقع التواصل الاجتماعى، دون إنفاق المزيد من الأموال على حملات الشوارع واللافتات.
امتناع الأصوات العربية فى مصلحة «الليكود»
حسب التقديرات، فإن الحسم فى الانتخابات المقبلة سيتوقف على مقعدين أو ثلاثة مقاعد تنتقل بين الكتلتين، والكفة حتى الآن ترجح لصالح تحالف «نتنياهو»، وفى حال عدم الحسم، ستتوجه إسرائيل إلى حملة انتخابات أخرى.
إذا نجح بنيامين نتنياهو فى الحصول على ٦١ مقعدًا، وتمكن من تشكيل الحكومة، فسيقيمها على أساس الأحزاب الدينية «شاس ويهوديت هتوراه» والأحزاب الدينية المتشددة «تحالف يضم حزب عوتسما يهوديت».
وفى المقابل ستتكون حكومة التغيير من «رئيس الحكومة وحزب يش عتيد والمعسكر الوطنى والعمل وميرتس ويسرائيل بيتينو»، وبذلك فإنها لا يمكنها أن تقوم دون أن تعتمد على القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس، وعلى ما يبدو أيضًا على القائمة المشتركة، حتى هذه اللحظة لم يعلن كل من لابيد وجانتس بشكل صريح نيتهما فى الائتلاف مع الأحزاب، ولم يتوجها للعرب بحملة انتخابية مكثفة.
من جهته، أطلق بنيامين نتنياهو حملة تستهدف الناخبين العرب فى إسرائيل، ويسعى من خلالها لإقناعهم على الأقل بأنه لا يوجد فرق كبير بينه وبين المرشحين الآخرين لرئاسة الوزراء- رئيس حزب يش عتيد، يائير لابيد، وزعيم الوحدة الوطنية بينى جانتس- وبالتالى لا توجد ضرورة كبيرة للتصويت ضده، فهذه المرة لا يستهدف نتنياهو إقناعهم بالتصويت له، بل على الأقل عدم التصويت لمنافسيه، والبقاء فى المنزل سيكون جيدًا جدًا بالنسبة لنتنياهو، إذ يعتقد العديد من المحللين أنه سيساعد فى تعزيز نتنياهو وكتلته الدينية اليمينية المتشددة.
تقديرات: «عرب 48» فرس الرهان
كشف المعهد الإسرائيلى للديمقراطية عن أن معدل المترددين فى الانتخابات المقبلة للكنيست عالٍ على نحو خاص: واحد من كل أربعة إسرائيليين لا يزال لا يعرف لمن سيصوت فى الانتخابات، و٢٧٪ من جمهور الوسط يترددون لمن سيصوتون، و٢١٪ من اليسار، و٢٠.٥٪ من اليمين مترددون أيضًا. و٢٦٪ من العرب أجابوا بأنهم لا يعتزمون التصويت، و٢١٪ آخرون لم يقرروا بعد لمن سيصوتون.
من ناحية أخرى، أشارت التقديرات إلى أن «عرب ٤٨» سيؤثرون بشكل ما فى نتائج الانتخابات، إذ يبلغ عدد عرب إسرائيل حاليًا نحو مليونى نسمة، ويشكلون نحو ٢١٪ من عموم السكان فى إسرائيل، واستنادًا إلى أربع معارك انتخابية سابقة، فإن «عرب ٤٨»- بمعاونة الأحزاب التى تمثلهم-يمكنهم أن يحسموا مسألة من سيكون رئيس الوزراء التالى وأى حكومة ستكون هذه، وهذا يتوقف على نسبة مشاركتهم فى الانتخابات.
يذكر أن النسبة الأدنى للمصوتين العرب سجلت فى الانتخابات الأخيرة للكنيست، فى مارس ٢٠٢١، وكانت ٤٤.٦٪، وهذا الانخفاض واضح منذ انتخابات أكتوبر ٢٠٢٠، كنتيجة لعدم ثقة «مواطنى ٤٨» فى أحزابهم ولا فى مؤسسات الدولة، إضافة إلى الانقسامات الواضحة بين الأحزاب العربية التى ساعدت بشكل واضح فى انخفاض نسبة التصويت فى الوسط العربى.
على جانب آخر، فإن عشرات الآلاف من المواطنين البدو الذين يحق لهم الاقتراع، سيكونون غير قادرين على ممارسة حقهم الديمقراطى لأن- ببساطة- الصناديق بعيدة جدًا، إذ يقطن قرابة ٨٢ ألف بدوى فى بلدات غير معترَف بها. ونظرًا إلى عدم وجود تسجيل دقيق لمكان إقامتهم، جرى توزيعهم على الصناديق دون الأخذ فى الحسبان توزُّعهم الجغرافى.
وعلى سبيل المثال، بدوى يسكن فى قرية عبدع غير المعترَف بها، مضطر إلى اجتياز مسافة ٣٠ كيلومترًا إلى القرية القريبة المعترَف بها، بير هداج. وهذا ليس شيئًا مقارنة بأحد سكان قرية قريبة من سديه بوكير، المضطر إلى قطع مسافة ٥٥ كيلومترًا للاقتراع فى شقيب السلام، القريبة من بئر السبع. فمعدلات التصويت فى القرى البدوية منخفضة، مقارنة بالمعدل الوطنى، وتتراوح بين ٢٧.٥٪ و٤٢.٦٪.
حرب تحالفات مشتعلة والمعسكر القومى يعقد صفقة
اشتعلت حرب التحالفات بين الأحزاب منذ أسابيع، وهى الحرب التى تمكن أحزابًا صغيرة من التكتل معًا لحماية أنفسها من عدم تجاوز نسبة الحسم، ولكن التحالفات فى بعض الأحيان من شأنها أن تضر ببعض الأحزاب بسبب الخلافات الأيديولوجية بين الأحزاب المتحالفة، ما قد يتسبب فى فقدان أصوات تهتم بأيديولوجيا الحزب الذى تصوت له.
فى سياق التحالفات، اتفق رئيسا حزبى «عوتسما يهوديت» و«الصهيونية الدينية»، وعضوا الكنيست إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، على خوض الانتخابات المقبلة فى قائمة واحدة. وسيترأس القائمة سموتريتش، بينما سيتقاسم الحزبان المقاعد العشرة الأولى بالتساوى، وجاء هذا الاتفاق بعد اجتماعهما برئيس الليكود وزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، فى منزل الأخير فى مدينة قيساريا، قبل أسابيع. ورحب نتنياهو بهذه الشراكة، وأكد أنها تضمن انتصار المعسكر القومى وإقامة حكومة يمينية مستقرة للأعوام الأربعة المقبلة.
وفشل تحالف العمل وميرتس، مؤخرًا، رغم الضغوط التى تعرضت لها زعيمة حزب العمل ميراف ميخائيلى، للتحالف مع ميرتس فى قائمة واحدة، التى انتهت بالفشل بسبب الخلافات الأيديولوجية بين الحزبين. «ميرتس» حزب يسارى، حافظ على هويته فى أصعب الظروف أمام حملات التشهير والتحريض، أمّا حزب العمل فى المقابل، فلم يكن، ولا يُعدّ حزبًا يساريًا، إنما هو حزب اشتراكى- ديمقراطى مركزى، فيما تحمل هوية حزب العمل ثلاثة مركّبات: المركّب الاجتماعى «اشتراكى- ديمقراطى»، والمركّب الأمنى، ومركّب السعى للسلام. وفى حال إزالة أى منها، سيفقد الحزب هويته. وإذا تحالف العمل مع ميرتس، فسيصبغ الأول بألوان ليست له، ويبعد عنه الكثير من الناخبين التقليديين، وقد يكون هذا جيدًا ليائير لابيد وبنيى جانتس، لكن ليس لحزب العمل، فتم وقف التحالف بينهما لأن التحالف كان سيبدد الفروق الأيديولوجية.