زيارة الرئيس السيسى لقطر والرد على حملة المتربصين!
(1)
منذ بدء التاريخ الإنسانى وحتى الآن قامت علاقات الدول على أسس محددة لم تتغير إلا فى الشكل القانونى الذى يتماشى مع كل عصر، هذه الأسس باختصار هى مصالح كل دولة كما تحددها هى وكما تتفق مع قوانينها الخاصة، والالتزام بالقوانين والأسس الدولية الحاكمة فى كل فترة زمنية!
تنشط المطامع وتتغير المصالح وتنشب الحروب لأسباب مختلفة فتغير كل دولة سياستها الخارجية مع الدول الأخرى حسب أى متغيرات، وحسب ما تراه الدولة ذاتها بما لا يتعارض مع الأسس العامة أو بالأدق بما لا يتعارض مع مصالح الدولة الوطنية.
فحالة الحرب أو العداء أو السلام بين الدول ليست حالة سرمدية أبدية، لكنها متغيرة. حتى الحروب تقوم دائما لتحقيق هدف واحد وهو حماية المصالح السياسية والاقتصادية للدول، أو تحقيق بعض المطامع. فمتى حققت أى حالة – حرب أو سلام- أهدافها يمكن للدولة أن تغير تلك الحالة فتوقع اتفاقات سلام مع دول نشبت ضدها حروب سابقة!
فسياسات الدول تختلف تمامًا عن علاقات الأشخاص، أو علاقة الدولة ذاتها بمواطنيها. وتغير السياسة الخارجية لدولة ما لا تعنى على الإطلاق تنازل تلك الدولة عن مصالحها، أو تهاونها فى أى حق من حقوق مواطنيها.
(2)
فمصر على سبيل المثال تحملت عبء المواجهة العسكرية الأكبر لعقود طويلة ضد إسرائيل وقدمت آلاف الشهداء وتكبدت خسائر اقتصادية كبرى فى تلك المواجهات حتى استطاعت أن تصل لهدفها بتحرير كامل أرضها واستعادة كرامة جيشها، وانتصرت عسكريا فى آخر الحروب.
ثم اختارت أن توقع اتفاق سلام من منطلق القوة؛ لكى تبنى نفسها وتمنح الفرصة لمواطنيها للعيش فى سلام.
فهذا المشهد لم يعنِ أبدا أى تفريط فى أى حقوق أو فى دماء الشهداء، لأن هؤلاء الشهداء لم يتم قتلهم فى مواجهات شخصية، لكنها كانت الحرب وكان البذل فى سبيل هدف أسمى تحدده الدولة ذاتها.
وتوقيع معاهدات بين الدول أو تغيير السياسة الخارجية لدولة لا يعنى كبح جماح المشاعر الشعبية أو تغييرها فكل دولة تحترم المشاعر الوطنية لشعبها، وفى ذلك فقد ضربت مصر مثلا متفردا بعد توقيع اتفاقية السلام بعدم إلزامها لأى قوى محلية بالتزام أى سياسة تتعارض مع المشاعر الوطنية.
لأن مواقف الشعوب تبنى غالبًا على رؤى تداعب المشاعر، بينما قرارات الدول تبنى على الواقع ومصالح الدولة العليا!
(3)
بالقطع أساتذة السياسة وممارسوها يعلمون ذلك علم اليقين، بمن فى ذلك محركو حملات التربص والتشكيك فى أى خطوة تقوم بها القيادة المصرية.
لكنهم – مع علمهم – لن يتوقفوا عن انتهاز أى فرصة لإشعال حملات التشكيك، لأن صراع الوجود بين تلك القوى وبين مصر مازال قائمًا طالما وجدت فى مصر قيادة لديها رؤية طموحة! وهم فى هذه المرة تقوم حملتهم بالأساس على حقيقة أن الشعوب تفكر فى القضايا بقلوبها المجردة!
بدأ سيلٌ من الهجوم على القيادة المصرية عبر وسائل التواصل بسبب زيارة الرئيس السيسى لقطر، وهم يعلمون تماما أنها زيارة طبيعية فى ظل تغير مواقف ومواضع الدولتين سياسيًا، وأن مصر حققت من الانتصارات على الأرض فى السنوات السابقة ما يجعل تلك الزيارة منطقية تماما!
لكن هذا الهجوم يستهدف بالأساس للرأى العام المصرى وهي محاولة يائسة لتأليب مشاعر هذا الرأى العام ضد القيادة المصرية. بدأت محاولات التشكيك وخلط الأوراق.. مثل إذن لماذا كان ما كان منذ سنوات؟! وهل تناست مصر دماء شهدائها؟ ولماذا إذن نتهم فلانا أو فلانا ممن وقفوا منذ سنوات فى خندق الجماعة الإرهابية ثم هربوا إلى قطر؟ وإذا كانت مصر ممثلة فى قياداتها قد بدأت مرحلة جديدة من العلاقات مع قطر، فما المانع من فعل ذلك مع جماعة الإخوان وقياداتها من المصريين؟!
بعضنا لا يزال يقع فى نفس الأفخاخ بسهولة فنكرر التساؤلات دون أن نتوقف قليلًا حتى للنظر فى منطقيتها وتوافقها مع أبجديات التفكير السليم وأبجديات علوم السياسة!
(3)
الخطأ الأكبر فى تلك التساؤلات هو وضع علاقة دولة بدول فى كفة موازية ومساوية لعلاقة نفس الدولة بكيان أو جماعة إرهابية ارتكبت جرائم وينتمى أعضاؤها لتلك الدولة!
بل والأكثر استخفافا بالعقول أن تتم محاولة التعامل مع علاقة الدولة بعدد من مواطنيها ارتكبوا جرائم، بعضها يقرب من الخيانة العظمى، أو القتل أو الاعتداء على مؤسسات سيادية بخطٍ موازٍ مع علاقات الدولة مع الدول الأخرى!
إن أى دولة تتبع سياسة معينة مناوئة لمصر فى وقتٍ معين إنما تقوم بما تعتقد أنه يخدم مصالحها. وجميع مواطنيها يحترمون قرارات دولتهم ويلتزمون بها. وحين تغير تلك الدولة سياستها بما يتفق ومصالح مصر فلا مانع من توقيع اتفاقات جديدة معها تخدم مصالح مصر. فهذا مشهد طبيعى متكرر!
لكن أن يقوم مواطنون مصريون أثناء ذروة مواجهة بلادهم ضد هذه الدولة بالاصطفاف فى الخندق الآخر المعادى لمصر، فهؤلاء بموقفهم هذا وطبقًا للقانون المصرى يكونون قد اقترفوا جرائم ضد مصر!
وعودة علاقات مصر بقطر تدريجيًا، لا يعنى إطلاقا براءة أو تبرئة من خانوا وتوطأوا من المصريين ثم هربوا لا براءة قانونية أو تاريخية أو شعبية!
هذا عما يخص الهاربين إلى قطر وضرورة فصلهم تماما عما تقوم به الدولة المصرية من إعادة صياغة لعلاقتها بقطر، وهذه هى الشعرة التى يصر كثيرون على عدم رؤيتها رغم وضوحها الشديد ورغم علم محركى أى حملة تشكيك بها!
أما محاولة وضع الجماعة الإرهابية – ككيان- فى جملة واحدة مع خطوة القيادة المصرية الآن، فهى مغالطة كبرى لو لم ننتبه إليها لوقعنا جميعا فى فخٍ جديد وهو منح الجماعة الإرهابية ما لم يداعب حتى أحلامها فى موضعها الحالى!
الجماعة ليست خصمًا سياسيًا للدولة المصرية تفاوضها وتساومها وتغير سياستها تجاهها، إنما هى جماعة مصرية مارقة عن القانون المصرى، ومجرمة اقترفت جرائم مثبتة على الهواء مباشرة، وأعضاؤها مواطنون يحملون الجنسية المصرية ويخضعون للقانون المصرى.
والدول لا تفاوض مواطنيها على سيادتها وسيادة قانونها، إنما يخضع المواطنون لسيادة الدولة وسيادة قانونها!
أما عن محاولة المزايدة على القيادة المصرية والدولة المصرية بملف الشهداء، فهذا حديثٌ لا يستحق حتى الرد عليه، فمصر لم تتنازل أو تنس شهداءها الذين قضوا منذ عشرات السنوات حتى نتهمها بنسيان شهدائها الجدد، ولن يكون أى طرف يقبع خارج مصر أكثر احترامًا لشهداء مصر من قيادتها الحالية.
(4)
مصر دولة كبرى فى المنطقة وفى العالم، قد يخطئ بعض الصغار ويحاولون ويتوهمون مناطحتها فى لحظات ضبابية، أو يخطئ بعض الأشقاء فى تقدير الموقف، لكن مصر دائما كانت قادرة على تجاوز أوهام الصغار أحيانا وسوء تقدير بعض الأشقاء أحيانا أخرى! ولنا فيما حدث بعد توقيع اتفاقية السلام خير مثل!
فمصر دائما تقوم بجبر كسور العلاقات العربية، وتصويب المسار، دون أى مساس بمصالحها، وهذا هو قدر الكبار!
حماية مصالح مصر القومية تقتضى أن تتواجد مصر سياسيا واقتصاديا فى محيطها الإقليمى العربى والشرق أوسطى. لذلك يقولون أن السياسة – فيما يخص علاقات الدول- هى فن المستحيل الممكن! فلا صديق دائم أو عدو دائم، إنما مصالح دول، ومصر – الدولة– أقدر على تحديد مصالحها!
وأحق الناس فى تلك اللحظة بالحزن والخوف والقلق والإنكماش والتقوقع هم فلول الهاربين، لأن القيادة المصرية علمتنا فى السنوات الماضية أنها تعلم تماما أين تضع أقدام مصر!