السنة المصرية.. أقدم تقويم شمسى
كان السبت الماضى هو رأس السنة المصرية ٦٢٦٤، يعنى آخر يوم من الأيام الستة النسىء أو المنسية من الشهر الصغير اللى بيحمل نفس الاسم، والأحد ١١ سبتمبر هو أول «توت» فى تقويمنا المصرى اللى بيعتبر أقدم تقويم شمسى قائم على حسابات علمية دقيقة.
والسنة المصرية هى سنة شمسية، بتبدأ وبتنتهى وفقًا لظاهرة فلكية يمكن رصدها بالعين المجردة أو بالمراصد، وبيبدأ تقويمها من سنة ٤٢٤١ ق.م، وهو تاريخ أقدم دورة للنجم سبدت «الشعرى» بيوجد تاريخيًا قرائن وأدلة أثرية بتفيد معرفة المصريين للسنة والتقويم من التاريخ المبكر ده.
والتقويم ده اسمه «نى- يارو» بمعنى يوم الانتهاء والاكتمال كموعد لاكتمال الفيضان، وهو اللى اتحول بعد كده لعيد النيروز المصرى.
وخلينا نعرف إن التقويم ده نتج عن شغف المصريين بنهر النيل «حابى» وحرصهم على رصد فيضانه.
وكان نتيجة مراقبة المصريين لنجم «سبدت» أو سيروس، وهو نجم الشعرى اليمانية، لسنين كتيرة توصلوا لتحديد طول دورته الفلكية بدقة متناهية.
وكمان حددوا طول الدورة الفلكية أو طول السنة الشمسية، وهى ٣٦٥ يوم و٥ ساعات و٤٩ دقيقة و٤٥ ونص ثانية، يعنى بفارق يوم كل ١٢٧ سنة، وبكده حطوا المقياس الزمنى اللى بيعلن ميعاد الفيضان، وهو يوم ميلاد السنة، واللى سموه التقويم التحوتى، نسبة إلى الإله «تحوت» إله المعرفة وقياس الزمن.
والمصريين قسموا السنة لـ١٣ شهر، كل شهر مدته ٣٠ يوم، والشهر الأخير ٥ تيام وسموه شهر «نسىء» ومعناه «العقيب»، هو الشهر رقم ١٣ المكمل لشهور السنة المصرية، وبيكون من ٦ سبتمبر لغاية ١١ سبتمبر بداية السنة المصرية الجديدة، وبيتسمى كمان الشهر الصغيّر «ديو هرو حِر رنبت» لأن مدته خمس تيام لمدة تلات سنين متتالية وفى السنة الرابعة بيكون ست تيام، وشهر نسىء له علاقة بالإله «أوزوريس» إله البعث والحساب وهو رئيس محكمة الموتى، وتخبرنا الأساطير إنه اتولد فى أول أيام «نسىء».
وخلينا نعرف إن من أقدم التقاليد اللى ظهرت مع الاحتفال بعيد رأس السنة صناعة الكحك والفطاير، واتنقلت بدورها من عيد راس السنة لتلازم مختلف الأعياد اللى المصريين خلوا لكل منها نوع خاص بيه، وكانت الفطاير مع بداية ظهورها فى الأعياد بتتزين بالنقوش والطلاسم والتعاويذ الدينية.
وبنشوف إن عيد راس السنة فى الدولة الحديثة أخذ طابعًا دنيويًا، وخرج من بين الأعياد الدينية العديدة ليتحول لعيد شعبى له أفراحه ومباهجه ومعانيه.
وكانت طريقة احتفال المصريين بعيد راس السنة بتبدأ بخروجهم للجناين والمتنزهات والغيطان عشان يستمتعوا بالورود والزهور، سايبين وراهم متاعب حياة السنة وهمومها.
وكانت احتفالات المصريين بالعيد بتستمر خلال الأيام الخمسة اللى أسقطوها من التاريخ وهى أيام النسىء أو الأيام المنسية.
وكان المصريين بيقضوا اليوم ده فى زيارة بيت الحياة «بر عنخ»، يعنى المقابر، وكان من التقاليد المهمة إنهم ياخدوا معاهم سبتت/سلال الرحمة، وبتتسمى لغاية دلوقتى طلعة الجبانة أو القرافة أو الروض كتعبير عن إحياء ذكرى موتاهم كل ما سنة بتعدى، ورمز لعقيدة الخلود اللى آمن بيها المصريين، كمان كانوا بيقدموا القرابين للآلهة والمعبودات فى نفس اليوم عشان تحمل نفس المعنى، وبعدين بيقضوا بقية الأيام فى الاحتفال بالعيد بإقامة حفلات الرقص والموسيقى ومختلف الألعاب والمباريات والسباقات ووسايل الترفيه والتسلية العديدة اللى تفننوا فى ابتكارها.
من أكلات المصريين المفضلة فى عيد رأس السنة «بط الصيد» و«الوز» اللى كانوا بيشووه فى المزارع، والأسماك المجففة اللى كانوا بيعدوا منها أنواع خاصة للعيد، أما مشروباتهم المفضلة فى عيد راس السنة فكانت «عصير العنب» أو «النبيذ الطازة» التخمير، وطبعًا البيرة. وكانت أعياد العصير تتفق مع أعياد رأس السنة، ومن العادات اللى كانت متبعة كمان- خاصة فى الدولة الحديثة- الاحتفال بعقود الجواز مع الاحتفال بعيد رأس السنة، عشان تكون بداية السنة بداية حياة زوجية سعيدة.
ومن التقاليد الإنسانية التى سنّها المصريون خلال الأيام المنسية أن ينسى الناس خلافاتهم وضغائنهم ومنازعاتهم، فيعملون مجالس المصالحات بين العائلات المتخاصمة، وتحل الكثير من المشاكل بالصلح الودى والصفح وتناسى الخصام والخلافات، وكانت تدخل ضمن شرائع العقيدة، لأن الإله بيطلب من الناس إنهم ينسوا ما بينهم من ضغائن فى عيده المقدس، عيد رأس السنة اللى لازم تبدأ بالصفاء والأخوة والمودة بين الناس.
كان من التقاليد المتبعة فى عمليات الصلح هذه، أن يتسابق المتخاصمون، كل واحد مع أتباعه وأعوانه لزيارة خصمه أو عدوه، فيقسم الضيف مع مضيفه، أو الخصم مع عدوه، كعكة العيد بين تهليل الأصدقاء وتبادل الأنخاب تأكيد للى بيقوله كتابهم المقدس «كتاب الموتى»: «إن الخير أقوى من الشر والمحبة تطرد العداء..» وبكده كان كتير من القضايا بتتحل وديًا فى العيد.
كمان عيد راس السنة شهد- لأول مرة- استعراض الزهور «كرنفال الزهور» اللى ابتدعته كليوباترا ليكون أحد مظاهر العيد، لما تصادف الاحتفال بعيد جلوسها على العرش مع عيد راس السنة. ولما دخل الفُرس مصر احتفلوا مع المصريين بعيد راس السنة وأطلقوا عليه اسم «عيد النيروز» أو «النوروز»، ومعناه باللغة الفارسية «اليوم الجديد»، واستمر احتفال المصريين بيه بعد دخول المسيحية ولسه بنحتفل بيه لغاية دلوقتى، وكمان فضلت مصر تحتفل بيه كعيد قومى لغاية العصر الفاطمى، واحنا كمان بنحتفل بيه.
ومن الحاجات المهمة اللى لازم نعرفها إن السنة المصرية مرتبطة بالزراعة ومتقسمة لتلات فصول، أولها فصل الفيضان «آخر»، وتانيها فصل بذر الحبوب «بِرت»، وآخرها فصل الحصاد «شمو»، والشهور المصرية لها مكانة مهمة عند المزارعين المصريين، لأن دورة الزراعة مرتبطة بيها وحسابات الزراعة والرى والحصاد معتمدة عليها، وعشان كده كل المصريين فى الريف وفى الصعيد عارفين أسامى الشهور وبيتعاملوا بيها لغاية دلوقتى، ولو كانت الأجيال الجديدة فى المدن فقدوا الصلة بالسنة المصرية وشهورها، إلا أن أهل المناطق الزراعية حافظوا على وجودها بالتعامل بيها، وكمان ربطوا ما بين الشهور المصرية والمحاصيل الزراعية، وربطوا ده بالأمثال الشعبية الدالة على حفظ ثقافتنا الشعبية عبر الزمن.
ولوقت مش بعيد كان التاريخ المصرى بيتكتب على السبورة فى المدارس مع التاريخ الميلادى والتاريخ الهجرى، ولكن مع الصحوة اللى بدأت فى السبعينيات بدأ تدريجيًا اختفاء تاريخنا زى حاجات كتير فى سبيل محو هويتنا الحضارية والوطنية لصالح هويات دخيلة لا ننتمى ليها كمصريين لينا هوية وحضارة ناصعة وعظيمة.
وباتمنى بشدة أن تعيد الدولة التأريخ بالسنة المصرية مرة تانية فى المدارس ووسايل الإعلام وعلى مراسلتنا الرسمية.
وفى النهاية، دى شهور السنة المصرية الخاصة بينا كمصريين:
١- توت «تحوت» ١١سبتمبر- ١٠ أكتوبر
من أمثاله الشعبية: توت.. يقول للحر موت، توت.. حاوى توت، توت.. يا تتغطى يا تموت، توت.. يا تروى يا تفوت.
ومن فاكهة شهر توت: البلح الرطب.
٢- بابة «حابى» ١١ أكتوبر- ١٠ نوفمبر
من أمثاله الشعبية: إن صح زرع بابة.. يغلب النهابة، بابة.. خُش واقفل الدرابة.
ومن فاكهة شهر بابة: الرومان.
٣- هاتور «حاتحور» ١١ نوفمبر- ٩ ديسمبر
من أمثاله الشعبية: هاتور أبوالدهب منتور، اللى يفوته هاتور.. يصبر لما السنة تدور.
ومن فاكهة شهر هاتور: الموز.
٤- كيهك «كا- حِرّ- كا» ١٠ ديسمبر - ٨ يناير
من أمثاله الشعبية: كيهك.. صباحك مساك، تقوم م النوم تحضر غداك وعشاك، البهايم اللى متشبعش فى كيهك.. مصيرها الهلاك.
ومن أكلات شهر كيهك: السمك.
٥- طوبة «تا- وبت» ٩ يناير- ٧ فبراير
من أمثاله الشعبية: طوبة.. البرد والعجوبة، طوبة.. يخلى الصبية كركوبة، طوبة.. تخلى الصبية جلدة.. والعجوزة قردة، الاسم لطوبة والفعل لأمشير.
ومن أكلات شهر طوبة: القلقاس «اللى مياكلش قلقاس يصبح جتة من غير راس».
٦- أمشير «مشير» ٨ فبراير- ٩ مارس
من أمثاله الشعبية: زعابيب أمشير، أمشير.. أبو الزعابير الكتير.
ومن محاصيل شهر أمشير: الخروب.
٧- برمهات «بر- م- حات» ١٠ مارس- ٨ أبريل
من أمثاله الشعبية: برمهات.. روح الغيط وهات، برمهات.. قشش م الغيط وهات.
ومن خيرات شهر برمهات: اللبن، الخس.
٨- برمودة «رع- نينت» ٩ أبريل- ٨ مايو
من أمثاله الشعبية: برمودة.. دق العامودة.
ومن أهم محاصيله: الورد.
٩- بشنس «خنسو» ٩ مايو- ٧ يونيو
من أمثاله الشعبية: بشنس.. يكنس الغيط كنس.
ومن أهم محاصيله: النبق.
١٠- بؤونة «با- أون» ٨ يونيو- ٧ يوليو
من أمثاله الشعبية: بؤونة.. يفلق الحجر، بؤونة.. ينشف المية فى الشجر، بؤونة.. نقل وخزين المونة، بؤونة.. يوصلنا لأبيب بمعونة.
ومن خيراته: العسل.
١١- أبيب «عبيب» ٨ يوليو- ٦ أغسطس
من أمثاله الشعبية: أبيب.. مية النيل فيه تريب، أبيب.. أبو اللهاليب، أبيب.. فيه العنب يطيب، أبيب.. يخلى العنب زبيب، أبيب.. هات لبطنك طبيب.
ومن أهم محاصيله: التين، العنب، الكمترى.
١٢- مسرى «مس- رع» ٧ أغسطس- ٥ سبتمبر
من أمثاله الشعبية: مسرى.. يروى الأراضى العِسرة، مسرى.. يجرى المية فى الترع العِسرة، إن فاتك مسرى.. متلقاش ولا كِسرة.
ومن خيراته: اللمون، العنب، التفاح، الرمان، الموز.
١٣- نسىء «ديو هرو حِر رنبت» ٦ سبتمبر- ١٠ سبتمبر
من أمثاله الشعبية: إفرحى فى النِسى.. عشان الهم يتنسى، فى النِسى.. هِيِصى وإلبسى.
وأخيرًا... ويبت ريبيت نيفرت ٦٢٦٤.. سنة جديدة سعيدة..
كل سنة والمصريين بخير وكل لحظة ومصرنا عظيمة دايمًا.