أكثر من 25 مليون لغم!
القتلة الحديديون، المنتشرون فى ٥٩ دولة، يقتلون أو يصيبون شخصًا، على الأقل، كل عشرين ثانية. ومع أن لدينا العدد الأكبر من هؤلاء القتلة، أو من الألغام والأجسام المتفجرة والذخائر، التى خلّفتها الحرب العالمية الثانية بالصحراء الغربية، إلا أن نصيبنا من الضحايا قليل نسبيًا، بفضل جهود قواتنا المسلحة: ٨٣١٣ حالة إصابة، منذ سنة ١٩٨٣، توفى منهم ٦٩٦، ويعيش الباقى بحالات عجز مختلفة.
البيان الصادر عن المتحدث العسكرى، صباح أمس الأربعاء، قال إن قواتنا المسلحة تمكنت، حتى الآن، من إزالة أكثر من ٢٥ مليون لغم وجسم متفجر وذخائر، خلفتها الحرب العالمية الثانية بالصحراء الغربية، التى تمثل ٢٢٪ من إجمالى مساحة مصر، ما أسهم فى تنفيذ العديد من المشروعات العمرانية والتنموية المختلفة، التى عادت على الدولة المصرية بالنفع فى مختلف المجالات. وأشار البيان إلى توقيع بروتوكول مع الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام، بوزارة التعاون الدولى، لتطهير الظهير الصحراوى للقرى والنجوع، بنطاق العلمين والحمام والضبعة ومطروح والنجيلة وبرانى والسلوم وسيوة، حفاظًا على صحة وسلامة ساكنى تلك المناطق.
بعد إعلان إيطاليا الحرب على بريطانيا، بدأ إطلاق النار فى كل المستعمرات الإيطالية المجاورة للمستعمرات البريطانية. وفى مثل هذا الشهر سنة ١٩٤٠، بدأت إيطاليا، التى كانت تحتل ليبيا، غزوها الأراضى المصرية واستولت على بلدة سيدى برانى الواقعة على بعد ٩٥ كيلومترًا من الحدود. غير أن البريطانيين قاموا بتنفيذ هجوم مضاد، وتمكنوا من استعادة تلك الأراضى وتقدموا إلى عمق الأراضى الليبية، ما جعل الإيطاليين يطلبون المساعدة من حلفائهم الألمان، لتدور بين عامى ١٩٤١ و١٩٤٣ معارك ضارية فى منطقة العلمين، جرى خلالها استخدام الألغام الأرضية على نطاق غير مسبوق. وبانتهائها، ضرب الطرفان عرض الحائط بالقاعدة رقم ٨٣ من قواعد القانون الدولى الإنسانى، التى تلزمهما بإزالة تلك الألغام أو إبطال ضررها، عند انتهاء الأعمال العدائية.
سنوات طويلة، قضتها مصر وهى تعانى من ضياع ٦٨٣ ألف فدان من أراضيها، بمنطقة الساحل الشمالى الغربى، تمتد من محيط مدينة العلمين حتى الحدود الليبية، ومن السلوم وسيدى برانى شمالًا على البحر المتوسط حتى منخفض القطارة جنوبًا. وفى ديسمبر ١٩٩٧، تأسس أول مركز فى مصر ومنطقة الشرق الأوسط لمكافحة الألغام، وهو منظمة غير حكومية تهدف إلى التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية والجهات الرسمية، التى تعمل فى مجال مكافحة الألغام فى العالم. وأسفرت جهود هذا المركز عن حصوله على عضوية الحملة الدولية لحظر الألغام، وعضوية ائتلاف المنظمات غير الحكومية من أجل إنشاء محكمة جنائية دولية، كما تمكن من تأسيس الحملة العربية لمكافحة الألغام، بمشاركة ١٣ منظمة غير حكومية.
مع الجهد الكبير الذى قامت به وزارة الخارجية، لمطالبة الدول المعنية، على رأسها بريطانيا وألمانيا، بتحمل مسئوليتها وتقديم المساعدات والأجهزة والمنح التدريبية، لإزالة تلك الألغام، قامت قواتنا المسلحة بجهد أكبر، تحت عنوان «القتلة الحديديون»، Iron Killers، أصدرت وزارة الدفاع كتابًا لتنوير الرأى العام العالمى بمدى خطورة مشكلة الألغام فى مصر، ووضعت خطة خمسية لتطهير ٧ آلاف هكتار، حوالى ١٧ ألف فدان، سنويًا، إضافة ما تطلبه الحكومة والشركات الخاصة. وتضمنت المشروعات المقامة فى المناطق، التى تم تطهيرها، إنشاء وتنفيذ ترعة الحمام، وتوفير مناطق للاستصلاح والاستزراع، ومناطق اكتشاف واستخراج البترول، مع الاستفادة من أراضى منطقة العلمين فى إقامة المشروعات التنموية، إضافة إلى تطهير مساحات كبيرة لصالح هيئة المحطات النووية بالضبعة، وتوفير المناطق الصالحة لإقامة المشروعات الاقتصادية.
.. وأخيرًا، لا تزال مصر تدفع فاتورة تلك الحرب، التى لم تكن لها فيها ناقة أو جمل، أو حتى فرخة. والمؤكد، هو أن معركتنا ضد القتلة الحديديين لن تتوقف إلا بتطهير الشبر الأخير، فى إطار حرص القيادة العامة لقواتنا المسلحة على توفير المناخ الآمن فى كل ربوع الدولة، واستمرارًا لجهود جنودنا البواسل فى مختلف المجالات، لتحقيق الأجندة الوطنية للتنمية المستدامة، رؤية مصر ٢٠٣٠، ودعم ركائز الأمن القومى المصرى، بالتزامن مع قيامهم بواجبهم فى حماية الوطن وصون مقدساته.