رسائل لن تصل لعمر خورشيد «3»
عزيزي عمر خورشيد
مرت الأيام بسرعة وجئتك راكضة لأبوح لك بما حدث خلال الأيام القليلة الماضية.
تحدث مواقف بسيطة لكنها تترك أثرًا كبيرًا فينا..!
توجهت لمكاني الخاص لأكتب لك كالمعتاد.. فوجئت به مزدحمًا على غير العادة، مكتظاً بفرق لكرة القدم من مختلف الأعمار.. يصطفون ويلتقطون صورا تذكارية..
للوهلة الأولى ظننتهم يحتفلون بنهاية الموسم..
لم أكترث لما يحدث حقاً، رغم الضوضاء والصخب الذي يحدث.
فأنا هنا لأكتب لك فقط..
عندما أقرر الكتابة، أكتب.. حتى لو كنت وسط حفل صاخب أو سوق مزدحمة بالباعة.. لا سيما الجائلين..!
أوليتهم ظهري وبدأت الكتابة وانغمست بها وانعزلت تمامًا عمن حولي..
فوجئت بشاب يقترب مني حاملًا طبقًا به قطع جاتوه وعلبة عصير، يبتسم بود وهو يعطيني ما يحمل..
ابتسمت وشكرته مؤكدة له أنني لا أتبعهم وأنني غريبة عن المكان وهذه حقيقة..!
بادلني الابتسام مشددًا على ضرورة أن آخذ ما يحمل وأنه لا بد أن أشاركهم فرحتهم واحتفالهم..!
استجبت لرغبته والسعادة تزين ملامحي.. لا أخفي عليك راقني الموقف..
لم أكن أعلم أنهم يحتفلون من الأساس.. كذلك لا أعلم أن ما يحتفلون به على قدر كبير من الأهمية على هذا النحو.
أوليهم ظهري منذ قدمت للمكان.. لذا أجهل ما يفعلون تمامًا.
بادر بالانصراف فسألته: بما تحتفلون؟!
أجاب بود: عيد ميلاد الأكاديمية..!
قد يبدو تصرفاً بسيطاً للبعض، لكني أراه تصرفاً ينم عن خلق سامٍ وطيبة وكرم أكبر..
هكذا نحن المصريين شعب معطاء، ودود، محب للآخرين.. عاشق للفرح والمشاركة..!
كلما ذهبت لمكاني هذا لأكتب لك.. يحدث معي موقف جديد يترك أثراً طيباً في نفسي.. كلمة السر هنا.. أنت.!
أنت من أرشدتني لهذا المكان.. وأنت سبب توجهي إليه وتواجدي به..!
ربما تطوف روحك هناك وتراقبني من بين السحاب.!!
عزيزي عمر خورشيد
عندما يكون الحديث عن الحُب تجد قلمي يسابق الزمن ويقاوم الرياح وينطلق بلا هوادة..
أتركه يأكل السطور ويتخطى الجُمل وينتقي الكلمات كيفما يشاء.
مع الحُب وحده أترك له زمام الأمور.
قلمي يقدس المشاعر ولديه يقين بأنه في حضرة الحُب ينبغي أن يصمت الجميع، وكأنهم في حضرة سلطان شديد البطش.. رغم أنه يبدو للوهلة الأولى رقيق الطباع.. مفعم بالمشاعر..
المشاعر.. يالها من كلمة مدهشة..!
تبدو كلمة بسيطة للبعض، لكنها مرادف للعديد من الكلمات المتضادة..!
فالحُب شعور والكره شعور، الجفاء شعور..!
هل يعقل أن يصاب أحدهم بجفاف المشاعر؟!
هل يوجد بيننا من لا يؤمن بوجود المشاعر التي تلون الكون وتزين أيامنا وتجمل بشرتنا وتنير ملامحنا؟!
هل يمكن أن ينكر أحدهم وجود الحُب..!
الحُب تلك الكلمة البسيطة الحروف، العميقة المعنى، القوية التأثير.. الذي به تختلف الحياة..
الذي يجعل القبيح جميلاً والسيئ أجمل والشر خيرًا.. والظلام نورًا.. الحُب هو ذلك الشعور الذي يزيف كل شيء.. أراه تجميلا من نوع جديد.. نوعاً مبتكراً من جراحات التجميل، تجميلاً دون تكلفة مادية ملموسة.. يكفي أن تصاب بلعنة الحُب لتجري تجميلاً لكل شيء، لمن تحُب وما تحُب..
الحُب لص ظريف، خفيف، ندعه يفعل بنا ما يشاء وبقناعة تامة..!
الحُب هو الشعور الوحيد الذي لم يُخلق بعد من لم يتذوق حلاوته.. فمن منا لم يدق قلبه يومًا..
من منا لم يمر بقصة حُب ألهبت مشاعره وأطارت النوم من عينيه وجعلته فراشة تتنقل هنا وهناك؟!
مسكين من ينكر وجوده أو يتجاهله، فمن يفعل ذلك ليس شجاعًا إنما شخص يخشى أن يجد نفسه مسلوبًا للإرادة بفضل قوى الحُب السحرية.
لذا يتظاهر بالقوة.. يظل هكذا حتى يجف قلبه حقاً ويصبح أرضا يابسة يصعب أن تثمر من جديد.
يعاني العديد بسبب هؤلاء ممن يتفاخرون بكونهم «جافين المشاعر».
مدعين العقلانية والتفكير العملي..!
إنهم يظلمون أنفسهم قبل غيرهم.. يتفنون في إيذاء الآخرين ولومهم.. وكأنهم السبب فيما أصابهم.. من سوء، جفاف المشاعر..!
عزيزي عمر خورشيد
يواجه العالم ظاهرة مستجدة نتيجة الارتفاع المبالغ فيه في درجات الحرارة... "ظاهرة جفاف الأنهار"..
الأمر مرعب..!
أصاب دول الجوار وأغلب البلاد في مختلف القارات لا سيما أوروبا ذاتها..!
أتوقف أمام مشاهد الأنهار الجافة والأراضي المتصدعة من شدة الجفاف.. وأتساءل:
هل السبب سوء الطقس حقًا أم ترانا السبب؟!
هل ألقت البشرية بظلالها القاسية على منابع الأنهار فانتقلت عدوى الجفاف من البشر للأرض..؟!
يا له من تخيل مفزع..!
هل قسوة البشر وصلت هذا الحد المفزع من الجفاء؟!
هل لو أعدنا ترتيب حياتنا وعدنا للفطرة، للحُب، للمشاركة، ستدب الحياة في تلك المنابع الجافة؟
هل لو أفسحنا للنور والخير الطريق في قلوبنا، سيختلف الوضع وتدب الحياة بالأرض من جديد..؟!
كلما عايشنا مجهولًا جديدًا وخطرًا أكبر مثل الجائحة..!
نتوقف ونعيد تقييم تصرفاننا ونراجع أفعالنا ونتساءل: ماذا فعلنا لنحصد كل هذا الخوف، كل هذا القلق، بل كل هذا الخطر؟!
والسر يكمن في الكلمة السحرية الحب..
فلنترك المجال لآخر شعاع نور يضيء نفق الحياة بما فيها من ظلام وقبح.. نترك زمام الأمور للحُب فقط.
فهو وحده القادر على تحقيق المعجزات في زمن اختفت منه المعجزات..!
ما علينا سوى أن نمهد له الطريق، ندعه وشأنه ينطلق بحرية هنا وهناك.. ينثر شذاه في كل مكان، لأننا نستحق أن نعيش بسلام وهو يستحق التحليق بحرية.
عزيزي عمر خورشيد
كن بخير لنلتقي وأكتب لك.