البنك الحيوى المصرى
فى ظل الجمهورية الجديدة، وانطلاقًا من حرص القيادة السياسية على الارتقاء بمنظومة البحث العلمى، تُنشئ قواتنا المسلحة أول وحدة «بنك حيوى»، Bio Bank، فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، داخل «مركز البحوث الطبية والطب التجديدى»، التابع لوزارة الدفاع، بالتعاون مع شركتى أسكيون، Askion، الألمانية، وميرا لاب، Miralab، المصرية، فى إطار مشروع أكبر، هو مشروع الجينوم المرجعى للمصريين، أو «المركز المصرى للجينوم»، الذى أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى شرارة تنفيذه منذ ١٨ شهرًا.
جمع العينات والبيانات الخاصة بالمرضى يحدث منذ عقود، لأغراض البحث العلمى. لكن مفهوم البنوك الحيوية، أو مصطلح «البنك الحيوى»، ظهر لأول مرة فى أواخر تسعينيات القرن الماضى، وجرى تعريفه بأنه «مجموعة منظمة من المواد البيولوجية البشرية والمعلومات ذات الصلة المخزنة لغرض واحد أو أكثر من أغراض البحث»، وبات يشكل أساسًا لإجراء البحوث الطبية، التى تهدف إلى تعزيز الوقاية من الأمراض الوراثية والمزمنة، ورصد الأمراض الشائعة، وتطوير الأدوية، أو التوصل إلى علاجات جديدة، عبر دراسة الارتباطات الجينية. وعليه، يتضمن المشروع الأكبر، إلى جانب «البنك الحيوى المصرى»، مختبرًا مركزيًّا لتحليل التسلسل الجينى، وسلسلةً من المراكز الأكاديمية لفحص الأفراد وجمع البيانات وتحليلها.
الجينوم المرجعى، هو قاعدة بيانات رقمية لتسلسل الحمض النووى، لا تمثل فردًا بعينه، بل تحدد صفات عامة للإثنيات والعرقيات. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى الحمض النووى لجميع البشر يتشابه بنسبة ٩٩٪، بينما الـ١٪ الباقية هى ما تجعل كل مجموعة عرقية تختلف عن الأخرى. ولا تكمن أهمية مشروع الجينوم المصرى فقط، فى تحديد مدى تشابه أو اختلاف المصريين عن هذا العرق أو ذاك، بل الأهم هو أنه سيسهم فى تحديد مدى ملاءمة الأدوية لهم، خاصة فى عصر «الطب الشخصى»، Personalized medicine، الذى ستكون فيه التدخلات الطبية، والمنتجات العلاجية، مصممة خصيصًا للمريض، استنادًا إلى الاستجابة المتوقعة.
الدراسات المتعلقة بإنشاء «المركز المصرى للجينوم» وأهدافه وآلية وخطة تنفيذه، أعدتها أكاديمية البحث العلمى فى يونيو ٢٠٢٠. وفى أول مارس ٢٠٢١، أطلق الرئيس السيسى شرارة البدء فى تنفيذ المشروع، خلال اجتماع عقده، مع الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى والبحث العلمى السابق، وزير الصحة الحالى. وبالفعل تم التعاقد على تنفيذ هذا «المشروع القومى» بوصف الرئيس، أو المشروع الأكبر فى تاريخ البحث العلمى المصرى، بحكم الواقع، مع تحالف يقوده «مركز البحوث الطبية والطب التجديدى» التابع لوزارة الدفاع، ويضم ١٥ جامعة ومركزًا بحثيًا.
يرتكز المشروع على ثلاثة محاور: بناء جينوم مرجعى مصرى يحمل المتغيرات الجينية الطبيعية والأكثر شيوعًا بين المصريين.. دراسة جينوم المصريين القدماء.. والبحث عن التغيرات الجينية المرتبطة بالأمراض الشائعة لدى الشعب المصرى. وتتمثل أهمية «وحدة البنك الحيوى» فى قدرتها على حفظ وتخزين العينات لسنوات طويلة، وتسهيل دراستها، دون الخوف من تلفها. إضافة إلى أنه سيعزز فرص التعاون مع هيئات الرعاية الصحية فى جميع أنحاء العالم. وما من شك فى أن وجود قواتنا المسلحة فى الصورة، وقيادتها للتحالف التى يتولى تنفيذ المشروع، يجعلنا نتوقع أنه سيعمل وفق أفضل الممارسات المتبعة فى هذا المجال، ونثق فى التزامه بأعلى المعايير القانونية والأخلاقية لجمع العيّنات وتخزينها ومعالجتها وتحليلها واستخدامها فى البحوث المتعلقة بالعوامل الوراثية والبيئية التى تؤثر على صحة الإنسان والأمراض التى تصيبه.
.. وتبقى الإشارة إلى أن فكرة «الجينوم المرجعى»، التقطتها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ريجان، سنة ١٩٨٤، وبدأت إدارة جورج بوش الأب تنفيذها، سنة ١٩٩٠، وأعلنت إدارة جورج بوش الابن، عن اكتمال المشروع فى ١٤ أبريل ٢٠٠٣، ومقابل كل دولار تم إنفاقه، استعادت الولايات المتحدة، إلى الآن، ١٧٥ دولارًا، فى صورة عوائد اقتصادية: الخمسة مليارات دولار، التى أنفقتها معاهد الصحة الوطنية، والمؤسسة الوطنية للعلوم، ووزارتا الدفاع والطاقة، خلال ٢٩ سنة، حققت ٩٠٠ مليار دولار تقريبًا، فى ١٩ سنة التالية.