الترشيد المأمول
يعانى جميع دول العالم حاليًا من عدة أزمات سواء فى مجال الطاقة أو الغذاء والماء وغيرها من الأزمات التى تستلزم ضرورة ترشيد الاستهلاك لتلك الاحتياجات.
أما فى مصر فإنه يضاف لتلك الأزمات أزمة أخرى لا تقل أهمية عنها، وهى تلك المقالات والتصريحات التى تصدر من بعض الكُتاب والإعلاميين والتنبؤات المبنية على استنتاجات وتوقعات لا تستند إلى أى معلومات وهو ما يحتاج ترشيد وعقلانية فى تناول الموضوعات التى تمس المواطن وتجعله فى حالة خوف على حياته ومستقبل ابنائه.
جاءت دعوة الحكومة لترشيد استهلاك الكهرباء كضرورة حتمية لمواجهة أزمة الطاقة العالمية وتوفير الغاز المستخدم فى توليد الطاقة الكهربائية ،وتصديره للدول الأوروبية التى تعانى من أزمة الطاقة وسوف تزداد تلك المعاناة مع دخول فصل الشتاء القادم.
وكانت مصر إحدى الدول التى دخلت ضمن اهتمام دول الاتحاد الأوروبى لمساعدتها فى تزويدها بكميات كبيرة من الغاز المصرى....وبناءً عليه فقد بدأت مصر فى تخفيض كمية الغاز المستخدم فى تشغيل محطات الكهرباء واستبدالها بالمازوت مما زاد قيمة فاتورة التصدير لمصر فى الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام بمبلغ 4 مليارات دولار.. وهو ما دفع الحكومة الى استثمار تلك الأزمة العالمية بنجاح لزيادة العائد المالى من تصدير الغاز إلى أوروبا، ومن هنا جاء إعلان الحكومة عن بدء الدولة المصرية فى اتخاذ إجراءات ترشيدية لاستخدام الكهرباء.
من ناحية أخرى فإن فكرة ترشيد استهلاك المياه ليست بعيدة عن الدولة، بل إن هناك خطوات استباقية تم وضعها من خلال خطة كاملة لدعم سياسة الترشيد للحفاظ على المياه فى ظل الشح المائى العالمى وتعرض الكثير من الدول الى مخاطر التصحر والجفاف إلا أن ذلك يجب أن تسبقه رؤية متكاملة لنشر ثقافة توعية المواطن نحو تلك القضية وذلك على ضوء العديد من المؤشرات التى تفيد إلى احتمالية تصاعد تلك الأزمة نتيجة المتغيرات المناخية ومحدودية وثبات الموارد المائية والزيادة السكانية وهى مؤشرات تفرض على الجميع ضرورة توحيد الجهود لتغيير السلوكيات والممارسات الخاطئة فى التعامل مع المياه.
على صعيد آخر فإن الترشيد الاستهلاكى يأتى ضمن الأولويات التى توليها الدولة، خاصة أن ثقافة استهلاك الغذاء غائبة إلى حد كبير عن مجتمعنا العربى بصفة عامة والمصرى بصفة خاصة، إلا أن ضروريات المرحلة أصبحت تحتم علينا ترشيد الاستهلاك الغذائى ووضع البرامج اللازمة على كل الأصعدة للوصول إلى المعدل صفر من الفاقد الغذائى، وهذا يتطلب العديد من الإجراءات والخطوات التى تقوم بها الدولة، إلا أنها لن تحقق النجاح المطلوب ما لم يساندها فى ذلك المواطن المصرى خاصة ربات البيوت اللائى يستطعن وبحق تحقيق هذا الهدف من خلال إعادة النظر فى المشتريات من حيث الكم والكيف، بالإضافة إلى ترسيخ مفاهيم الشراء من الغذاء بقدر الاحتياج والاستهلاك.
ثم نأتى إلى بيت القصيد وهو ما أصاب المترددين على صفحات التواصل الاجتماعى وبعض الكُتاب الذين كنا نتوقع منهم العقلانية والولاء للدولة التى يحملون جنسيتها وينعمون فى خيراتها ومن صنعت منهم الصحفيون والمفكرون وأصحاب الرأى من نشر الأفكار الهدامة دون الإحساس بخطورتها على المجتمع.
وأيضًا بعض الإعلاميين الذين لا يعترفون بالوسطية فيما يعرضونه… فهم إما معك بالمطلق أو عليك أيضًا بالمطلق.. ناهيك عن ذلك التراشق اللفظى بين من كنا نعتبرهم قدوة سواء فى العلم أو الرياضة الذى انعكس سلبًا على الجماهير البسيطة التى لم تكن تعرف سوى لغة التأييد والتشجيع لفريقها دون الالتفات للفرق المنافسة حتى تحولت الملاعب إلى ساحات للتراشق بالألفاظ وأحيانًا باستخدام العنف الذى أخشى أن تمتد آثاره إلى خارج تلك الملاعب.
إننى أتعجب من هؤلاء الذين يحاولون تصدير صور وطاقة سلبية لنا، ويجتهدون فى إشعارنا بالإحباط والقلق من المستقبل، ويبشرون بالمصاعب وكأنهم يقرأون الطالع، ولا ينظرون إلا إلى تلك التحديات التى نعانى منها وكأننا من صنعناها بأنفسنا... وهى فى الحقيقة ليست من صنع أيدينا.
وقد مر العالم بأزمة فيروس كورونا وما أن استفاق منها حتى قامت الحرب الروسية– الإوكرانية وما استتبعها من أزمات اقتصادية وصعوبات معيشية، ومن المؤكد أنها أزمات وتحديات طارئة تحتاج من أصحاب القلم والعلم والدين أن يساعدوا المواطن على مواجهتها من خلال بث الثقة والأمل والدعوة إلى الصلابة ودعم الإرادة والانخراط فى العمل، كل فى تخصصه ومجاله حتى نعبر تلك الأزمات بأقل الخسائر.
نعلم جميعًا أن مصر كانت وسوف تظل عصية على الانكسار، فهل يمثل هؤلاء الكُتاب والإعلاميون الذين تجرى فى دمائهم مياه وطنهم أحد مخالب قوى الشر لإسقاط دولتهم؟
تلك رسالتى لأصحاب الفكر والرأى أن يكونوا أداة تفاؤل نحن فى أشد الحاجة إليها حاليًا وألا يكونوا معاول هدم كل ما تحقق من إنجازات نراها بأعيننا يوميًا...وأن يتوخوا الترشيد المأمول في الكلمات التى تخرج من أقلامهم التى من الممكن أن تصيب قومًا بجهالة فيصبحون على ما فعلوا ناديمين.. وتحيا مصر.