«ستيك هاوس».. خطايا النفس البشرية تحت المجهر
منذ خلق الله الإنسان، وأصبح الإنسان مهمومًا بتفسير أفعاله على الأرض، وتفسير الموجودات من حوله، ومع مرور الزمن، وظهور العلماء والتخصصات العلمية المختلفة، قامت هذه العلوم بتشريح وتحليل ودراسة كل الأفعال التى يقوم بها الإنسان، ومدى تأثير هذه الأفعال عليه وعلى المجتمع وعلى العالم أجمع.
وفى كتاب «ستيك هاوس» للكاتب الصحفى الكبير عادل حمودة، الصادر عن دار أقلام عربية، يتعمق القارئ فى بواطن النفس البشرية ليكتشف مع ومِن خلال الكاتب خباياها، ويتعرف على قصص لو اجتمع أعظم الأدباء أصحاب القصص الخيالية وأصحاب تيار الواقعية السحرية على أن يأتوا بمثلها لفشلوا فشلًا ذريعًا، مع أن كل هذه القصص هى نتاج الواقع.. وليست من خيال بشر، وحدثت فوق ظهر هذه الأرض التى تحمل الإنسان.
وربما علينا التوقف هنا لنشير إلى هذه النقطة شديدة الدلالة، وهى أن الكاتب بعد أن أصبح ملمًا بتفاصيل الشخصيات قرر عدم كتابة نص روائى أو قصصى، بل قرر كتابة كتاب يتحدث عن قصص لأشخاص ذهبوا بأرجلهم إلى دوامات الشهوة فابتلعتهم، وأذابتهم، وفقدوا إنسانيتهم. ليعرى من خلال هذه الحكايات دواخل النفس الإنسانية وباطنها، وليسرد تطور المجتمع ومن ثم تأثير ذلك على العالم ككل.
بجانب العنوان الجانبى للكتاب «بيت من لحم سابقًا» يأخذ الكاتب المجموعة القصصية، وهى واحدة من أهم المجموعات القصصية فى مسيرة الأديب الذى أطلق عليه تشيخوف العرب، يوسف إدريس، إن لم تكن هى أفضل أعماله، تلك المجموعة التى تتحدث عن أشخاص قد تظن أنهم غير موجودين فى الواقع ولكنهم يحيطونك من كل جانب، يتخذ حمودة هذه المجموعة القصصية قاعدة لينطلق منها كاشفًا عن كل ما يعرفه من قصص وحكايات.
بداية من الشاب الشاعر الذى ترك الصعيد وجاء القاهرة ليصبح مثل عبدالرحمن الأبنودى أو عبدالرحيم منصور، ولكنه يسقط فى يد امرأة «يفرغ فيها طاقته بعد مغامراته السابقة مع الحيوانات فى القرية».
وصولًا إلى المرأة التى تركت الصعيد فى شبابها لتصبح سيدة لأهم بيوت الدعارة فى العالم. فى مغامرة ورحلة مثيرة، يتعرف القارئ من خلالها على مدى تأثير ودور الجنس فى العالم.
فى المقدمة يأتى حمودة ببعض الأرقام التى تؤكد أن كل ما ستسمعه داخل الكتاب حقيقة لا ريب فيها، أرقام عن الحوادث التى لها علاقة بالجنس داخل المجتمع، والتى بدورها تكشف للقارئ عن مدى التناقض والتدنى الأخلاقى الذى يعيش فيه المجتمع.
لينتقل بعد ذلك وطوال الكتاب، إلى تأثير هذه الأفعال على المجتمع وعلى الفرد العادى، مثل قصة المهندسة التى تعمل فى أحد أحياء الجيزة مع مقاول شهير، «لم تكتف المرأة بالمصوغات الذهبية التى كانت تتلقاها مقابل التغاضى عن أخطاء المقاول فى المبانى الحكومية المكلفة باستلامها، بل دخلت فى علاقة جنسية مع المقاول رصدتها مكالماتهما التليفونية التى سجلت لهما».
يسرد عادل هذه القصة وتفاصيلها التى يتضح من خلالها مدى الزيف والنفاق الدينى، الذى كانت تعيشه تلك المرأة التى كانت ترفض التخلى عن حجابها أو أن تلتقى مع المقاول أيام الإثنين والخميس لأنها تصوم تلك الأيام. هذا على مستوى التناقض الإنسانى ولكن التناقض المجتمعى، نرى أن هذا الفعل هو صورة للأحياء العشوائية الكاملة التى تهدد الوطن الآن وتهدد استقراره. فها هى مهندسة تشترك مع مقاول لإقامة منشآت مغشوشة، هذه القصة عرفها حمودة بعد أن أثيرت كقضية رأى عام، ولكن كم من القضايا لم تكتشف حتى الآن، تسببت فى كثير مما نعانيه.
فى بداية الكتاب ينهى حمودة المقدمة قائلًا:
«فى كل شبر من (ستيك هاوس) حكاية ستثير دهشتك إلى حد عدم التصديق، لكنها حكايات واقعية، أبطالها من (كريمة المجتمع) ونجومه وأحلامه عرفتهم عن قرب وكنت طرفًا فيما جرى لهم، على أننى أخفيت ملامحهم قدر ما أستطيع حتى يواصلوا الحياة الوهمية التى ارتضوها دون أن يخرجوا من زنزانة الجنس الانفرادى التى عوقبوا بالحبس فيها. ومهما كان حكمك عليهم فهم فى الحقيقة جزء من حياتك وحياتى».
هؤلاء الأشخاص الذين غرقوا فى بحر الشهوات، قريبون منك للغاية، لدرجة أنه من الممكن، وعلى حد قول الكاتب، أن تشاهدهم فى المناسبات الوطنية أو فى السينما أو المسرح أو برامج التوك شو. ويكفى مثال المهندسة التى يوضح لك كم أنت عزيزى القارئ قريب من كل ما يحدث، وبلا أدنى شك وصلت إليك نتائج كل ما يجرى.
لا يسرد الكتاب تأثير الجنس فى حياة هؤلاء الذى يطلق عليهم «كريمة المجتمع» فقط، بل على البسطاء وسائقى الميكروباصات، ومنهم الرجل الذى أصبحت قضيته قضية رأى عام بعد موقف تعرض له فى السجن، فعاد جلادًا أكثر من جلاديه فى السجن. يمارس السادية التى تعرض لها فى السجن على من يعرفهم فى حياته حتى زملائه فى الموقف.
فالكتاب لا يهتم بطبقة دون أخرى، لأن التركيز منصب على تحليل وتفكيك هذه الشهوة، وإبراز مدى تأثيرها على الإنسان والفرد ومن ثم على المجتمع ككل.
وبالتالى نستطيع من خلال الكتاب أن نقرأ حكايات لأشخاص ومشاعر إنسانية، وأن نتعرف على ما جرى فى المجتمع المصرى من تحولات كبيرة وخطيرة.