وماله لما يتغيّر.. عن التعليم والمحليات نتحدث
بفرح شديد استقبلت قطاعات متعددة من المصريين بيان وزارة التربية والتعليم عن تغيير محتمل فى مناهج الصف الرابع الابتدائى.. وتداول متابعو ومستخدمو السوشيال ميديا خبرًا لاحقًا لا ندرى صحته عن تغيير محتمل أيضًا فى مناهج الصف الخامس الابتدائى.
الفرح فى ظنى ليس فى احتمالية التغيير. وهو أمر جيد على كل حال.. فالكثيرون من أولياء الأمور شكوا من صعوبة المناهج خلال العام الدراسى الفائت وبلغ الغضب حد البرلمان.. وناقش عدد كبير من النواب بشكل غاضب ذلك المنهج وما تسبب فيه من ارتباك داخل بيوت المصريين.
الفرح عند قطاعات كثيرة أبناؤها لم يتعرضوا لذلك التعب وربما لن يتعرضوا، هو إحساسهم بأن الحكومة بعد تعديلها تبدأ مرحلة جديدة تستمع فيها لشكواهم.. تعيد إليهم ما انقطع من فكرة الاستجابة والأخذ والرد.. تفاءلوا خيرًا بأن صدى مواجعهم يصل لأصحاب الأمر.. وأن شيئًا يمكن أن يتغير مجرد الاستماع إلى تلك المتاعب.. والاستجابة لما هو حقيقى منها سبّب كثيرًا من التفاؤل والبهجة.
الأمر لا يتعلق فقط بمنهج سنة دراسية.. وهو يتعدى حدود ذلك إلى فكرة التواصل: فكرة أن «صوتنا مسموع».
الأمر الطيب أيضًا أن البعض يرى أن مجرد قبول فكرة مراجعة قرار ما وتعديله سُنة جيدة، فلا يوجد على الأرض ما لا يمكن مراجعته وتعديله طالما تم اختباره وثبت أنه غير صالح لهذه المرحلة.. أو لظروف البلد والناس.. وهذا لا يعنى إطلاقًا أن القرار الأول كان خاطئًا، بل يعنى أنه لم يكن مناسبًا فى هذه اللحظة.. كثيرون تعاملوا مع بيان الوزارة بهذا الفهم.. وقد تكون فى استجابتها تلك ورؤيتها هذه وجهة نظر محترمة.. قرار الوزارة بالتعديل لم يتعرض لفنيات المنهج نفسه ولا طبيعته.. لكنه يتحدث عن «الكم».. عن «طول المنهج» مقارنة بعدد أيام الدراسة.. والتعديل المحتمل يعالج هذا الخلل.. وربما يحقق هذا التعديل بعض الرضا لأبنائنا الذين سيدرسونه هذا العام وفى الأعوام التالية..
قبول الوزارة شكاوى الناس واستجابتها يعنى أننا لا نسمع فقط.. بل نعيد الدراسة والتفكير أيضًا بناء على التجربة.. وهو الأمر الذى جعل الكثيرين منا يتفاعلون مع الأمر عن إمكانية تقييم الفكرة لإصلاح نتوءات بانت وظهرت من التجربة فى بعض القطاعات سواء فى التعليم أو غيرها.. وربما يكون الأكثر ظهورًا فى هذا السياق هو قانون البناء.
لم يرفض أحدنا يومًا فكرة «التقنين».. أن تكون لكل عقار فى مصر أوراق ثبوتية تسمح بتسجيله وتسهل عملية التعامل عليه.. ولا يوجد مخلوق يفكر فى تدمير سوق العقار.. بل الجميع يسعى إلى تطويره وتعظيم الاستفادة منه.. لا أحد، فى الحكومة أو البرلمان أو الشارع، يمكنه أن يفكر فى قطع أرزاق الناس وتعطيل مصالحهم.. لكن التطبيق العملى لفكرة ما عرف بقانون المصالحات نتيجته لم تكن طيبة لا للناس ولا للحكومة.. وبدا الأمر وكأننا ندخل فى دوامة تعقيدات أصعب بكثير مما كانت عليه الأمور فى المحليات..
فكرة وقف تمدد العشوائيات التى تحولت إلى مناطق وكيانات خطرة تهدد بنسف المجتمع بحاله.. وتخلق أجيالًا من المجرمين والخطرين على الأرواح والمال العام- لم يكن أحد يرفضها على الإطلاق.
وبالتجرية.. حدث أن نجحت خطة التعامل مع العشوائيات.. لكن لم ينجح الأمر فى قانون المصالحات وتوفيق الأوضاع المخالفة فى المبانى.. ما حدث فعليًا أن سوق العقارات الأهلية توقفت أو تكاد.. وتعثرت بيوت مصرية كثيرة تعمل فى هذا المجال من أصحاب الحرف والمهن التى يزيد عددها على مائة وخمسين مهنة وحرفة تتصل بهذا القطاع.
الإجراءات المعقدة فى مسألة التصالح «شوهت الفكرة»، حتى ظن الناس أن الغرض الوحيد للحكومة فى هذا الأمر هو تقليب جيوبهم وجباية أموالهم.. لكن المعالجة الأولى لأمر البناء فى القرى عالجت كثيرًا من حدة الأمر، لكن بقيت الثقة بين الناس والحكومة ملتبسة.. وظلت بعض التعقيدات وكثرة المستندات المطلوبة من «نموذج ١» حتى «نموذج ١٠» أمرًا بالغ الصعوبة.. ولم يخلُ الأمر من مقاومة لعينة من موظفى المحليات الذين لم يعجبهم إسناد بعض مهامهم إلى «الجامعة» فراحوا يزيدون من معاناة الناس.. فتوقف الحال.. ومع زيادات الأسعار للمواد الخام المستخدمة فى البناء.. لم يعد أحد يفكر فى البناء أصلًا.. فقط.. المضطرون لذلك.. من هو فى حالة احتياج لبناء شقة لزواج ابنه مثلًا.
فى الأسابيع الماضية جرى نقاش كبير فى هذا الأمر ووصلت لجنة الإدارة المحلية فى البرلمان والحكومة إلى تعديلات يراها البعض طيبة وتعيد الأمور إلى نصابها دون الإخلال بالفكرة الأساسية التى جاء القانون من أجلها.. وهى وقف التعديات على الأراضى الزراعية ومنع امتداد العشوائيات ومخالفة التنظيم لنبنى على أساس سليم ومخطط.
الناس فى بلادى.. المهتمون منهم بهذا القطاع ولهم مصالح مباشرة معه.. ينتظرون صدور هذه التعديلات التى تم تسريب بعضها.
لا يتوقف الأمر عند رضاء الناس أو غضبها.. قبولها أو رفضها بعض قرارات الحكومة.. لكنه أيضًا يتعلق بمصالح مباشرة لحركتهم اليومية وحياتهم.. ولا ينكر أحدنا أن هذا القطاع له تأثير كبير على اقتصاديات المواطنين.. ويؤثر فيهم بشكل حاد.. هو نفس الأمر بالنسبة للتعليم.. فلا يوجد بيت فى مصر لا يتأثر بأى قرار يخصه.. كل أسرة فى مصر لديها طفل أو اثنان يتأثر مستقبلهم بشكل مباشر بما يحدث فى وزارة التربية والتعليم.. المراجعة والتعديل.. وملاحظة ما يجد أمور حسنة تدفع الشارع إلى التفاؤل.. والعشم فيما هو آت.. تفتح «المواسير المسدودة» فى عروق أى مشروع للغد.
ومن هذا الباب تحديدًا فرح الكثيرون بالحوار الوطنى.. مجرد الحوار يعيد الأمور إلى طاولة المشاركة.. التواصل.. الأمل فى تعديل المسارات من أجل سرعة الوصول إلى ما نحلم به.. لا شىء يحدث صدفة.. نعم.. ولا شىء يحدث دون عمل.. والعمل يعنى دومًا أن نصيب ونخطئ وأن نعيد النظر فيما نفعل.