د. طارق شوقى.. اسم سوف ينصفه التاريخ!
1- التعليم فى مصر والبداية مع محمد على!
١- التعليم فى مصر والبداية مع محمد على!
كان لمحمد على مشروعٌ طموح يناطح به الدول الغربية بتقدمها وجيوشها وعلومها، ولم يكن لذلك المشروع أن يصبح واقعًا دون إقامة مؤسسات الدولة ذاتها التى كانت تقبع فى ظلام وجهل وتخلف، فبدأ محمد على بالاعتماد تمامًا على الأجانب لإعادة بعث العلوم فى مصر.
لكنه أدرك بعد فترة وجيزة أن هذا لن يحقق له ما يريد لارتفاع التكلفة وتحكمهم فى الدولة وفيه هو شخصيًا، كما أنه اكتشف أن كثيرًا منهم لم يكن مؤهلًا أو يستحق المبالغ التى يتقاضاها. فقرر محمد على أن يكون مشروعه التعليمى متعدد المسارات، حيث بدأ ترجمة العلوم الحديثة، وفى نفس الوقت بدأ فى إرسال البعثات مع عدم التوقف عن الاستعانة بأصحاب الكفاءة من الأجانب.
كل ذلك لم يحل المشكلة الأهم وهى إقامة مؤسسات للدولة، وعلى رأسها جيش قوى يكفى لتحقيق طموحه، الذى لن يتم بغير وجود مورد دائم يخرج منه متعلمون مصريون مؤهلون لتولى الوظائف الإدراية وتأسيس الجيش وتولى تنفيذ مشروعه الحضارى.
كانت المشكلة الأولى: من أين يأتى بالصغار الذين سيلحقهم بالمدارس الابتدائية لكى يتم تأهيلهم للالتحاق بالمدارس المتخصصة المختلفة أو الكليات؟
لم يكن أمامه سوى أن يختار من طلبة الأزهر والكتاتيب أو أن يختار من غيرهم. أدرك محمد على بذكائه الحاد وخبراته السابقة أنه من العبث أن يبحث عن هؤلاء بين أروقة الأزهر، حيث كانت الهوة سحيقة بين ما يُلقى فى الأزهر من علوم وما آل إليه من غرق فى الجمود وبين ما يحتاجه هو فى نهضته.
كما أدرك أن تحويل الأزهر بجموده وتقاليده الثقيلة وخلوه من العلوم الحديثة سوف يكون مجهودًا شاقًا، وقد يسبب له مواجهات حادة مع شيوخ الأزهر وطلابه، لذلك قرر أن يترك الأزهر كما هو، وألا يهدر جهده فى محاولة إصلاحه وتحديثه، وأن ينشئ ولأول مرة فى مصر الحديثة مدارس ابتدائية جديدة، بلغ عددها ستين مدرسة موزعة بين القرى والمدن المختلفة.
ثم أمر رجاله بتجميع عدد من الصبية من تلك القرى والمدن، فقامت الحكومة بالفعل باختيار أعداد من هؤلاء الصبية وكانت الطريقة التى تم تطبيقها هى أن تتولى الحكومة الإشراف على هؤلاء، وإطعامهم وكسوتهم، وتحمل كل مسؤلياتهم، وألا يذهبوا إلى بيوتهم إلا حين تسمح الإدارة بذلك. كما كان يحرس المدارس الجند، ولا يذهب التلاميذ إلى قراهم كثيرًا.
قابل المصريون مشروع محمد على التعليمى خصوصًا فى بدايته بالإعراض والامتناع عن إرسال أبنائهم إلى المدارس. فكان الموظفون يأخذون التلاميذ من ذويهم عنوة، ثم تطور الأمر إلى مقاومة كثير من المصريين، خاصة السيدات لأخذ «الحكومة» أولادهن إلى المدارس!
ثم كانت الخطوة التراجيدية التى لجأت إليها بعض الأمهات لعدم إرسال أبنائهن للمدارس، حيث قمن بتشويه صغارهن بدنيًا ببتر بعض الأصابع أو سمل عيونهم حتى لا تكون للحكومة حاجة بهم!
سمع محمد على بذلك، ورأى أن طموحه فى عمران البلاد وترقيتها لا يلقى الصدى المطلوب بين أبناء البلاد، وأن جهوده فى تعليمهم لا تلقى منهم ما هى خليقة به، فضاق بذلك ذرعًا واستشاط غضبًا مما سمعه عن نساء الريف، وقيامهن بفقء عيون أبنائهن، ورأى فى ذلك أمرًا ضارًا بأمور المُلك والملة، وأمرًا مذمومًا شرعًا، فأمر ردًا على ذلك بأن تُلقى فى النهر الأمهات اللائى يقترفن هذه الجريمة النكراء، واستمر فى تعليم المصريين رغمًا عنهم!
2- من محمد على إلى جمال عبدالناصر!
كانت هذه هى بداية وجود تعليم مدنى فى مصر، وبداية إنشاء كليات لجميع التخصصات التى عرفها العالم الحديث آنذاك تقريبًا. ثم استمر التعليم فى مصر عبر العقود يزدهر أو يغط فى ظلمات التخلف حسب الظروف السياسية وطموحات الحكام وقدراتهم. وتلى خطوة محمد على التعليمية فى الأهمية خطوة جمال عبدالناصر. لكن بينهما هناك تحديثٌ وتطوير قاما به اثنان من العظماء، على مبارك وطه حسين.
فقد ارتبط اسم على مبارك (1833م-1893م) بحدوث تغيير وتطوير فى العملية التعليمية فى مصر، حيث توحدت أنظمة التعليم وتطورت عبر نظام مركزى واحد كانت مهمته التحديث وبناء المناهج، كما أنشأ دار العلوم لتخريج معلمين للتدريس فى المدارس المدنية الحديثة، وبصفة عامة فقد ارتبط التعليم فى عصره بفكرة الدولة المدنية.
أما طه حسين (1889-1973م) فقد ارتبط اسمه بفكرة مجانية التعليم الأساسى، فبمجرد توليه الوزارة 1950م قام بإلغاء الرسوم الدراسية، وهو صاحب مقولة إن التعليم لكل طفل كالماء والهواء، كما أصبحت سنوات التعليم الابتدائية ست سنوات بدلًا من أربع. لكن ظلت آمال طه حسين غير مكتملة ولم يتم تنفيذها على نطاق مصر كلها إلا فى عصر ناصر. فعبدالناصر هو الذى حقق مقولة طه حسين واقعيًا على أرض مصر. فعلى سبيل المثال قفزت أعداد تلاميذ المرحلة الابتدائية من مليون وربع عام 1952م إلى حوالى ثلاثة ملايين ونصف المليون عام 1965م.
ومشروع عبدالناصر التعليمى من أكبر المشاريع التى تعرضت لظلم تقييمى كبير، حيث بدأت الانتقادات لهذا المشروع بعد سنوات من رحيل صاحبه، وبعد أن تفشى الضعف والتخلف فى النظام التعليمى المصرى فى تسعينيات القرن الماضى، حيث اتجهت أسنة الرماح مباشرة لصاحب المشروع الأصلى نظريًا، دون التوقف موضوعيًا أمام بعض الأسئلة الكبرى.
فليس خطأ صاحب المشروع هذا الجمود الذى أصاب مَن خلفوه أو تمسكهم المقدس بالمسميات دون النظر إلى مضمونها. وليس خطؤه توقف من خلفوه عن التطوير أو التغيير الكبير. فعبدالناصر كان له مشروع تنموى صناعى زراعى لا يقل عن مشروع محمد على. فقام بتوفير العلوم والكوادر البشرية المصرية القادرة على تنفيذ ذلك المشروع، وربط أعداد الخريجين وتخصصاتهم بتلك الاحتياجات، لكن من خلفوه لم يتجرأوا على مواجهة المصريين بتلك الحقائق، ولم يتجرأوا على غلق بعض الكليات مثلًا لعدم الحاجة إليها، أو قلصوا أعداد المقبولين فى الجامعات، أو توقفوا عن المجانية المطلقة فى التعليم الجامعى وربطوها بالنبوغ وبحاجات التنمية الحقيقية.
لقد كان عبدالناصر صاحب فكرة أخطأ وأصاب فيها، لكنه رحل ولم يلزم مَن بعده بتقديس أفكاره وتجميدها! فحتى رحيله كانت خريجات مدرسة المعلمات مؤهلات للتدريس وعلى قدر من التعلم يفوق خريجات كليات التربية فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى!
3- الانهيار الكبير ورؤية الإنقاذ بعد 30 يونيو!
لقد حدث ما كان منطقيًا فى وطنٍ ضرب أفرادُه عرضَ الحائط بكل (المحايلات والتوسلات) التى قدمتها الدولة إليهم للترفق بها والاستجابة لمطلبٍ واحد وهو السيطرة على الانفجار السكانى!
وما كان منطقيًا ومتوقعًا هو الانهيار الكبير فى قطاعات الخدمات من صحة وتعليم وسكن وتوفير فرص عمل. لم يكن أى شىء آخر متوقعًا مع مفردات واضحة... خوف من أصحاب القرار من إجراء أى إصلاحات اقتصادية كبرى، أو فتح تلك الملفات بطريقة تتوافق مع موارد تلك الدولة.
بقت الدولة فى العقود التى تلت عبدالناصر على كل المسميات ومنها مجانية التعليم حتى المرحلة الجامعية، مع إلزاميته فى مرحلته الأساسية، كما ضربت تلك الدولة عرض الحائط بربط الحصول على شهادات جامعية بالاحتياجات الفعلية لإنشاء دولة مدنية حديثة فانهار كل شىء. وأخطر ما تعرض للانهيار هو التعليم. فجيوشٌ تتخرج كل عام وتحمل أوراقًا تثبت حصول كل فرد على مؤهل جامعى، لكن عدد المؤهلين الفعليين مشين ومخجل!
كانت الأسباب كثيرة لا يتسع المقام هنا لذكرها كاملة، لكن أهمها كان الانفجار السكانى، وانتشار التطرف حتى بين قيادات مسؤلة تعليميًا، ونزوح آلاف المعلمين المؤهلين لدول النفط هربًا من الفقر.
ثم أصبحت غالبية الجامعات المصرية مع بدء الألفية الثانية خارج التاريخ، وطرق التعلم المصرية باتت بالية ومثار تندر المصريين أنفسهم! وغدت مصطلحات مثل (انهيار التعليم) من اللافتات الرائجة فى جميع صحف المعارضة وأى نقاش مجتمعى أو شعبى. الكل يعرف ويطالب وينتظر الحلول من السماء!
يمكننا القول إن الحل قد جاء من السماء فعلًا بعد ثورة 30 يونيو. كان يمكن للقيادة السياسية أن تكتفى بما حققته فى معركة الدولة المصرية الوجودية ضد جيوش وأنظمة اتفقت على العبث بوجودها ذاته. لكن الأقدار أبت إلا أن تهب للمصريين تلك القيادة ذات الرؤية. رؤية تتلخص فى الشروع فى إقامة دولة مدنية عصرية. كلمات قليلة لكنها تعنى خوض حروب حقيقية ربما تكون أصعب من الحروب العسكرية. خوض حروب للتغيير الداخلى، لتغير واقع أسود فى ملفات استراتيجية (صحة وتعليم وسكن وعمل) بدونها لن تكون هناك دولة.
وفيما يخصنا فى هذا الموضع وهو ملف التعليم، فقد كان المشهد مخيفًا ومشينًا يتطلب شجاعة كبرى فى فرض التغيير ويستدعى للذاكرة تجربة محمد على المريرة. فالشعوب التى ركنت إلى الجمود تخشى ديناميكية التغيير وتقاومه أحيانًا بصور هستيرية ويحرك المقاومة من يمكن تسميتهم (مجموعات المصالح) الذين يستغلون خوف جموع الجماهير من التغيير!
4- طارق شوقى أحد المجددين التاريخيين للتعليم فى مصر!
تبنت الدولة المصرية نظرية التغيير الشامل. تغيير طرق التعلم وطرق بناء العقل وطريقة الحصول على المعرفة والتحرر من إرث الماضى التعليمى القائم على فكرة (الحشو والتفريغ) ثم لا شىء بعدها. الحشو قبل الامتحانات ثم التفريغ فى ساعات الامتحانات ثم خواء معرفى هزلى!
كان البديل هو محاولة إعداد طلاب قادرين على منافسة أقرانهم فى الخارج فى طرق التعلم لإعدادهم للقيام بإنشاء الدولة المرجوة، تمامًا مثل مشروع محمد على ومشروع جمال عبدالناصر.
بحثت تلك الدولة عن الاسم الذى يملك من الخبرة والتأهيل والقدرة على وضع تلك الرؤية موضع التنفيذ، فوجدت ضالتها فى د. طارق شوقى وأسندت له المهمة، وفى سيرة الرجل وخبراته ما يجعله الاختيار المناسب..
ما عرضه الرجل فى بداياته أصاب المصريين بالدهشة! يحدثهم عن تابلت وتعليم إلكترونى بدلًا من الطرق القديمة البالية، وعن منصات إلكترونية، وعن دورٍ جديد سيتحتم على التلاميذ والطلاب القيام به!
أصابهم الهلع وأصاب أولياء الأمور بالتبعية! ثم جاءت أزمة كورونا لتجعل مما تحدث عنه طارق شوقى حلًا واحدًا اضطر له المصريون اضطرارًا، بينما تعامل العالم معه كبديهية!
5- الحرب الشعواء ضد الرجل ومشروعه!
ما يعلمه غالبية المصريين بصفتهم أولياء أمور ويصمتون عنه، أن هذا الرجل ووزارته قد اضطروا لمواجهة حرب شرسة منذ اليوم الأول الذى أعلن فيه عن خطته فى التغيير، حرب خاضتها أطراف كثيرة لإفشال خطة الدولة وإجبارها على التراجع عنوة للسوفت وير القديم الذى تقتات عليه مجموعات مصالح مترابطة أقرب للمافيا!
أول من قادوا مواجهة التغيير هم بعض جنود الوزير الذين كان من المفترض أن يكونوا فى خندقه، لكن استهواهم دور حصان طروادة فأجادوه ببراعة! فقد وفر الوزير للطلبة عبر المنصات التعليمية دروسًا ومدرسين لكل المواد بالمجان، أو برسوم رمزية تبدأ من 250ج للعام لكل المواد، ولا تتخطى 600 جنيه أيضًا لكل المواد.
فكانت أول هجمة شرسة قادها بعض أباطرة الدروس الخصوصية! وللأسف فقد جعلوا الطلاب هم وقود معركتهم عن طريق نقل رسائل سلبية تخويفية. أخبروا الطلاب أن المراد هو تدمير مستقبلهم وحرمانهم من الجامعة لصالح الجامعات الخاصة، وأن الحل الأمثل هو الاستمرار فى التمسك بالدروس الخاصة المدفوعة، لكى يستمروا فى جنى الملايين شهريًا من جيوب المصريين، (هذا الرقم لا مبالغة به فبعضهم يحصل على أكثر من مليون ونصف المليون جنيه شهريًا)!
تكونت لجان إلكترونية عبر مئات المسميات والائتلافات لنشر الخوف والترهيب للطلاب من هذا التغيير، ونجحت الخطة واستجاب آلاف الطلاب وأسرهم لهذا الترهيب!
وقف أحدهم بعد ساعات من رحيل د. طارق شوقى بين طلابه منتشيًا وشامتًا قائلًا: (إحنا عملنا أحلى فلوس فى عصر الراجل دا، وبنشكره جدًا على فكرة الأونلاين، لأنها خلتنا نعمل فلوس أكتر!) هذه هى الخلاصة.. وفر الوزير للطلاب مجانًا مصادر للمعرفة فرفضوها واستغلها أكثر التجار جشعًا.. تجار العلم!
أما أسوأ الأدوار فى تلك الحرب فقد قام بها كثيرٌ من أولياء الأمور. وتماشيًا مع الأساليب الخاطئة فى التربية وتحديد الأدوار داخل كثيرٍ من الأسر المصرية، فقد استمرت السياسة التربوية القائمة على التدليل ورضوخ أولياء الأمور للأبناء، فانساقوا خلفهم، وكونوا بدورهم مجموعات إلكترونية تهاجم سياسة الدولة التعليمية الجديدة بضراوة، منساقين خلف عبارة واحدة يرددها الجميع (ابنى شاطر) (بنتى متفوقة) وذلك رفضًا للتقييم العلمى الحقيقى لقدرات كل طالب وطالبة!
ورفضًا للحقيقة التى يعلمها الجميع، وهى أن غالبية أبنائنا لا يتمتعون بأى رغبة فى تعلم مهارات الحصول على المعرفة ذاتيًا، وهذا يتسق مع فكرة التدليل الزائد الذى يصبغ فعل التربية الأسرية فى مصر!
لم يستوعب كثيرٌ من أولياء الأمور المستجدات، واعتبروا قدرة الطالب على الحفظ أو عدد ساعات المذاكرة هى وحدها الفيصل، وأى نتيجة لا تتماشى مع تخيلاتهم هى ظلمٌ بين! اتخذوا مواقفهم تلك، وغالبيتهم غير مؤهلين علميًا لاستيعاب الأسس العلمية الحديثة، للتقييم. خاضوا حربًا دون استيعاب حقيقى وموضوعى لما يجرى على الأرض..خاضوها فقط تأثرًا بالجو العام الذى نشره أصحاب المصالح وفقط، انطلاقًا من مشاعر الأبوة والأمومة!
ولقد قامت مجموعات من الأمهات بخوض تلك الحرب ضد تغيير التعليم وتطويره فى مصر بصورة تعيد إلى الإذهان ما فعلته بعض السيدات أثناء عصر محمد على رفضًا لمشروعه التعليمى، مع الفارق الزمنى فى كيفية الرفض، من فقأ العيون فى عصر محمد على إلى تكتلات مجموعات الماميز فى عصر د. طارق شوقى!
6- المجتمع الغشاش يحمل الوزير خطيئة الغش!
اجتمع معارضو الوزير ومتربصو الدولة المصرية على استغلال بعض ما قيل– حقيقة أو وهمًا– عن وقائع غش جماعية فى لجنة أو لجنتين. تم استغلال الحدث ونشره على أنه القاعدة التعليمية السائدة فى مصر، ولا أمل للنابغين والمجتهدين، وذلك استمرارًا لنشر ثقافة نزع الثقة من الأجيال الشابة فى المؤسسات المصرية، دون أن يتوقف بعضهم عند بعض الحقائق التى نعلمها جميعًا.
أهم تلك الحقائق أن محاولات الغش الجماعى والفردى فى الامتحانات أصبحت ظاهرة مصرية خالصة منذ عقود، وتحديدًا منذ نهاية الثمانينيات. فقد كانت دائمًا وكل عام هناك وقائع فى بعض المناطق الريفية، خاصة لفرض الغش بالقوة الجبرية، أو عبر مكبرات الصوت أو غيرها، وأن هذا هو السبب الذى جعل امتحانات الثانوية العامة تجرى فى مصر تحت الحماية المسلحة للدولة أحيانًا فى مشهدٍ صادم وغريب.
يرجع السبب فى ذلك أن قطاعات من المصريين أصبحت تستبيح فكرة الغش هذه تمامًا كما تستبيح تجارة الآثار! وكما يستبيح بعض المصريين الغش التجارى بشتى أنواعه، وكما يستبيح قطاعٌ آخر التهرب الضريبى أو الحصول على ما ليس من حقه من أموال الدولة، مثل واقعة تزوير أكثر من مليون بطاقة دعم منذ سنوات فى إحدى محافظات مصر الوسطى!
وهذا معناه أن هناك خللًا أخلاقيًا مجمتعيًا يهدد هذا المجمتع كليًا. هذا الخلل يتجسد فى قبول قطاعات وأفراد من المجتمع لفكرة الغش بصفة عامة، والغش فى الامتحانات بصفة خاصة، وعجز باقى القطاعات الرافضة لهذا السلوك عن منعه.
وإنه لمن السماجة المفرطة أن تتقبل قطاعات من مجتمعٍ ما فكرة الغش وتحاول فرضها بالقوة أو بالتحايل، ويفشل المجتمع فشلًا كليًا فى مواجهة تلك القطاعات، ثم يقوم بتحميل فشله لشخص وزير التعليم الذى تم تكليفه بنقل التعليم المصرى إلى ما يمكنه مواكبة العالم الحديث لا بتطهير المجتمع من خطاياه الأخلاقية!
ثم نأتى للحقيقة الأهم، وهى على من تقع مسؤلية منع الغش؟ إننى أرى أن المسؤلية هنا تضامنية لا ينجو منها أى قطاع مجتمعى أو هيئة رسمية متماسة مع العملية التعليمية أو مع الإجراءات التى تتخذها الدولة فى فترة الامتحانات.
وتبدأ المسئولية من كل منزل مصرى خرج منه من يقبل أو يحاول أن يغشنا، أو يرضى بوقوع غش فى تواجده. فهذا هو مسمار جحا! المنزل الذى يخرج لنا غشاشين وكذابين هو المسؤل والمدان رقم واحد! فهل هناك آلية لعقابه؟!
عمليًا يجب أن يُبعد تمامًا عن الهيكل التعليمى كل من يثبت تورطه فى غش، أو تسهيل غش، سواء كان معلمًا أو إداريًا، ولا يُكتفى بالعقاب الإدارى، وكأنها مخالفة إدارية. لأنها جريمة تقترب من جرائم الخيانة العظمى، فيما يترتب عليها من هدم الأوطان من الداخل.
7- كلمة النهاية.. شكرًا أيها المقاتل الشريف!
فى النهاية أود التأكيد على أن غياب د. طارق شوقى عن المشهد لا يعنى إطلاقًا– كما يخال للبعض- تراجع الدولة المصرية عن تحقيق رؤيتها الاستراتيجية فى إقامة دولة مدنية حديثة يكون العلم المعاصر والمواكب للتطور العلمى الدولى أحد أهم الأسس التى تقوم عليها تلك الدولة.
فربما وقعت بعض الأخطاء فى بعض التفاصيل هنا أو هناك أثناء تولى الرجل مسئوليته، وهذا من طبائع الأمور فى التغييرات الكبرى، لكن رسالة الدولة المصرية كانت واضحة...اختيار أحد نواب د. طارق شوقى لاستكمال ما بدأه الرجل، وفى هذا تكريمٌ له وموافقة على ما قام به لتحقيق تلك الرؤية على الأرض.
فعقارب الساعة لن تعود للوراء، والقيادة السياسية المصرية عازمة بكل حزم ووضوح على الخروج بمصر من مراحل العصور الوسطى إلى العصر الحديث، أبى من أبى ورضى من رضى لأن هذا ما يليق بمصر وما تستحقه!
كلمة النهاية هى شكرٌ واجب لهذا الرجل الذى تحمل عبء بدء هذا التغيير الكبير، وواجه أحيانًا ما لا يليق أن يوجه لرجل فى قامته، لكنه احتمل ذلك أداءً للواجب وحبًا وكرامة لهذا الوطن!
لقد نجحتَ بالفعل أيها المقاتل الشريف فى معركتك، ونقلت التعليم بالفعل إلى مرحلة جديدة رغمًا عن الجميع، وعلى مَن أتى بعدك مسئولية إتمام تلك النقلة الكبرى. لكن تبقى دائمًا مقدمة الجيوش هى التى تحمل العبء الأكبر.. فشكرًا لك أيها المقاتل الشريف!